مرئيات

الخيانة الزوجية ودروب التعافي

بقلم / د.ولاء قاسم

أن تخسر شخصا بسبب الموت اقل ايلاما من خسارته لانعدام الثقة ، الموت يقضي على المستقبل فقط ، لكن الخيانة تقتل الماضي ايضاً – يوهان دينيه

الخيانة من اشد افات العلاقات فتكا ، لكنها تظل موضوعا معقدا تحليليا لأن لها أبعاد نفسية مركبة تتشابك فيها دوافع الخوف والفراغ العاطفي والبحث عن ذات مفقودة في احضان الوهم. كما تداعيات كبيرة فهي علاقات مفخخة تحمل في انفجارها من الضحايا ما يصعب حصره كل ذلك يصنع منها لغزا عصيا على التحليل .

في التحليل النفسي، تتفرّع الخيانة الزوجية إلى مساراتٍ تكشف تعقيدات الطباع البشرية. هناك خيانةٌ تنبثق من توقٍ دفين لعلاقةٍ احتياطية، تعوض نقصًا مؤلمًا، سواء كان جوعًا عاطفيًا يتوق إلى الحنان، أو شهوةً جسديةً تفتقر إلى الإشباع، أو حتى طمعًا ماديًا يبحث عن الرفاهية.

وثمة نوعٌ آخر، يتغذى على نشوة التمرد والهروب ، حيث تُغري رتابة الحياة الزوجية – التي استحالت مع الزمن إلى تعلّقٍ باردٍ قوامه الاعتياد – الشريكَ بالانجراف نحو مغامرةٍ عابرة. فيها يطارد شغفًا جديدًا، وكأنه يحقن عروقه اليابسة بدماء الحياة، بحثًا عن وميضٍ يعيد إلى روحه النبضَ والحيوية.

توجد خيانة تنبع من شغفٍ بالتعدد العاطفي أو الجسدي، حيث يظهر في هذه الفئة مدمنو الحب ، أو من يعانون جرحًا عاطفيًا خفيًا ادى بهم إلى إعاقات انفعالية تدفعهم للبحث الدؤوب عن ذواتهم في عيون العابرين .

كما تتجلى في رجالٍ يسعون إلى تأكيد ذواتهم من خلال أصواتٍ متعددة تُؤكد رجولتهم، وقد تُتوَّج هذه الرغبة أحيانًا بالزواج، مستترةً تحت مظلة التشريع لتبريرها. فترى الرجل يحدّث شريكته عن التعدد منذ البداية، كأنه طقسٌ ذكوريٌ مقدس، يجنّبه الوقوع في حبائل علاقةٍ محظورة. وغالبًا ما يجد هذا الطرح تأييدًا ممن يحترمون الدين ويوقرون الشرع، متغاضين عن الحكمة التي أُريد بها التشريع، إذ لا مكان في قاموسهم لفكرة التوحّد بامرأةٍ واحدة، فتصير المعادلة صفرية: إما خيانةٌ «مُقدّسة» أو «مدنّسة»، بلا فضاءٍ للوفاء العاطفي الخالص.

في حالاتٍ نادرة، تتحوّل العلاقة الجديدة إلى رابطٍ متكاملٍ بعد أن تثبت جاذبيتها وراحة الحوار وصدق المواقف المعبّرة عن الحب والتقبّل لأكثر من ثمانية أشهر، فتحلّ محلّ العلاقة الأولى وتصبح هي القائدة لحياة الشريك.

الخيانة سلوكٌ إنسانيٌ معقّد، يتشكّل من دوافع نفسية واجتماعية متداخلة، يمارسه الرجل والمرأة بمحفّزاتٍ مختلفة. بينما قد تنبع خيانة في الغالب الرجل من غرائز أو رغبة في الإثارة والتغير ، غالبًا ما تنجم خيانة المرأة عن فراغٍ عاطفي، تسعى من خلاله لشفاء جرح الإهمال واستعادة شعورها بالقيمة

جبران: «إن ساق أحدكم زوجةً خائنة إلى ساحة القضاء، فليضع قلب زوجها ايضاً في الميزان ، وليسبر روحَه بالمقاييس.» ففي قصةٍ مكررة، تسقط المرأة فريسةَ خديعةٍ ماكرة ، استغلّت. قلبَها المتلهّف للعاطفة ،و الذي صارَ، بعد إهمالٍ عاطفيٍّ جارح، مرآةً متشققةً تعكس الخيبة التي طمست معالم أنوثتها فتنزلق إلى حياةٍ مزدوجة ، ممزّقةٍ بين واقعٍ مرير وأحلامٍ زائفة.

تلك العلاقة بين شخص مؤذ وامرأة غير متاحة شائعة جدا فهي تحقق عددا من المكاسب لشخص هوايته الايذاء أولها إعفاءه من أي التزام في العلاقة فهو من يعاني عدم الإمكان الجبري والبعاد الاضطراري ، وهنا نتحدث عن وجود مجاني لامرأة حتى وإن لم له توفر حضورا جسديا كاملا فإنها توفر الدفء والحب و ربتات عاطفية معفاة من ضريبة الالتزام .

تغذي تلك العلاقة روح الصياد عنده بما الممنوعية والاشتهاء فهو يهوى المطاردة و يزهد المتاح ، وبحبه المزعوم ينتصر على رجل آخر ليتضخم زهوه الذاتي . وباب الفرار يبقى مواربا دوما بلا عواقب . وبعد أن يمعن في استهلاكها سيرتدي ثياب التائب المستفيق ، وعندما قد يبدأ في تمييع العلاقة بدوامة من الوصل والهجر ويتركها لتمضغ ألمها وتبتلع مرار جرحها بل وتهضمه خشية الافتضاح .

ونحن هنا لا نبرر الخيانة ولا نعفي المرأة من المسئولية لكن خيوط الخيانة متشابكة يختلط فيها الجاني بالضحية لذا لابد من محاولة التجرد في التحليل لأنك بعد الغوص في اغوار النفس البشرية وفهم آليات العقد النفسية أثارها لن تستطع بعدها الحكم على احد .

الخيانة بأشكالها تمزق الثقة وتبدد الأمان ، لكن هل يمكننا التجاوز ورأب الصدع وترميم الروابط؟!!نتابع في المقال القادم…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى