مشروع إنقاذ صحراوي لطلبة الجامعة الأميركية في الشارقة يحصد اعترافًا عالميًا
يمكن مشروع “شاهين” الطائرات المسيّرة من رصد الأشخاص الضائعين في الصحراء وإرسال مواقعهم الدقيقة إلى فرق البحث والإنقاذ
الشارقة – الوحدة:
عندما يضيع شخص في الصحراء، قد تكون كل دقيقة فاصلة بين الحياة والموت. ألهمت هذه الحاجة مجموعة من طلبة الجامعة الأميركية في الشارقة لتطوير مشروع التخرج “شاهين”، وهو مشروع يزوّد الطائرات المسيّرة بقدرة على تحديد مواقع المفقودين وتنبيه فرق الإنقاذ في الوقت الفعلي. وقد حصد هذا الابتكار مؤخرًا المركز الثاني في مسابقة “تخيل المستقبل” 2024–2025 التي تنظمها شركة “ديل تكنولوجيز”، والتي استقطبت 259 مشروعًا من 14 دولة في مناطق الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا.
واستُلهم اسم “شاهين” من الصقر في دولة الإمارات والمعروف بسرعته وحدة بصره ودقته. فكما يستطيع الصقر رصد فريسته من مسافات بعيدة، يتيح هذا الجهاز، عند تركيبه على طائرة مسيّرة، مسح مساحات واسعة من الصحراء بدقة ومرونة، ما يمنح فرق الإنقاذ وقتًا ثمينًا عندما تكون الأرواح على المحك.
عمل على تطوير”شاهين” فريق طلابي يضم طلبة هندسة الحاسوب يوسف إرشيد، ومالك هادر، وأدهم المسلمي، وطالب علوم الحاسوب أحمد الصالح، تحت إشراف الدكتور محمد الهاجري، أستاذ مساعد في قسم علوم وهندسة الحاسوب في الجامعة الأميركية في الشارقة. وكان مشروعهم قد حظي بتقدير محلي أيضًا في مايو 2025، حين حصل على المركز الأول في مسابقة مشاريع تخرج الطلبة عن قسم علوم وهندسة الحاسوب (برنامج هندسة الحاسوب) للعام الأكاديمي 2024–2025 في الجامعة.
وقال الدكتور الهاجري في وصفه للمشروع: “يجسّد “شاهين” أفضل ما يمكن أن يحققه طلبتنا حين يجمعون بين الابتكار والغاية. لقد تصدّوا لتحدٍ معقد وابتكروا نظامًا عمليًا وفعّالًا قادرًا على العمل في أقسى الظروف. إن عملهم يبرهن كيف يمكن للتعليم والإبداع أن يلتقيا لخدمة المجتمع، ويعكس رؤية دولة الإمارات التي تضع الابتكار والتكنولوجيا في صميم النمو والريادة العالمية”.
عندما بدأ الفريق مشروعه، اكتشف غياب قاعدة بيانات مناسبة لصور الصحراء لتدريب النظام. وبدلًا من التوقف عند هذه العقبة، أنشأوا قاعدة بيانات خاصة بهم لصور البحث والإنقاذ الصحراوي، والتي يمكن اعتبارها الأكبر من نوعها في المنطقة. وقد التقط الفريق بمساعدة طيار للطائرات المسيّرة أكثر من 7,500 صورة حقيقية من صحارى الإمارات، شملت ملابس ووضعيات وحركات متنوعة ليتمكّن النظام من التعرّف على الأشخاص في مختلف الحالات. ولتعزيز التدريب أكثر، أنشأوا أكثر من 90 ألف صورة إضافية باستخدام المحاكاة الحاسوبية. وبفضل هذا الكم الهائل من البيانات، اكتسب “شاهين” المعرفة اللازمة لاكتشاف الأشخاص بدقة لافتة.
وقال الطالب يوسف إرشيد: “في البداية أخطأ النظام كثيرًا في عمليات الرصد وكان الأمر محبطًا. لكن بعد توسيع قاعدة الصور وتجربة نماذج مختلفة، وصلنا أخيرًا إلى نسبة دقة بلغت 98 في المئة. كان ذلك لحظة الانطلاقة الحقيقية.” وأضاف الطالب مالك هادر: “أدركنا في تلك اللحظة أن فكرتنا يمكن أن تتجاوز كونها مجرد مشروع جامعي لتصبح شيئاً قادراً على إنقاذ الأرواح فعلًا”.
وقد صُمم الجهاز بعناية ليكون صغير الحجم وخفيف الوزن وموفرًا للطاقة، إذ وُضع داخل هيكل مدمج مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد يمكن تثبيته على الطائرة المسيّرة من دون أن يعيقها، فضلًا عن استهلاكه طاقة تقل واط واحد. ولضمان وصول الصور والإحداثيات بسرعة إلى فرق الإنقاذ، طوّر الطلبة أيضًا وسيلة جديدة لنقل البيانات بشكل موثوق حتى في أصعب الظروف الصحراوية، وهو ما قد يمثل الفارق بين الحياة والموت في حالات الطوارئ.
خضع “شاهين” قبل استخدامه ميدانيًا لسلسلة اختبارات دقيقة في المختبر للتأكد من كفاءته ودقته، ثم أجريت له تجارب حقيقية في الصحراء واجه فيها حرارة مرتفعة وتضاريس وعرة وتحديات إبقاء الطائرات المسيّرة في الجو. وقال الطالب أدهم المسلمي: “هذا دفعنا إلى التحلي بالصبر والإبداع. تعلّمنا كيف نعمل كفريق ونحل المشكلات في الوقت الفعلي”. وأضاف الطالب أحمد الصالح: “كل دقيقة تهم في عمليات الإنقاذ. ومعرفة أن “شاهين” قد يساعد في إعادة شخص مفقود إلى أهله بسلام كان أكبر دافع لنا في أصعب اللحظات”.
يخطط الطلبة حاليًا إلى تحسين تصميم “شاهين” ليصبح أكثر متانة وملاءمة للبيئة الصحراوية، كما يستعدون لمشاركة قاعدة البيانات والمنهجية التي طوّروها ليتمكّن الآخرون من البناء على عملهم. وتشمل المرحلة التالية من مشروعهم إجراء تجارب طيران متكاملة للنظام في الصحراء.
وقال مالك هادر: “نحن نأمل أن يصبح “شاهين” أداة يعتمد عليها في عمليات البحث والإنقاذ في دولة الإمارات، وأن يساهم لاحقًا في دعم الجهود في دول أخرى ذات بيئات مشابهة”.
ورغم أن “شاهين” حظي باهتمام دولي، فإنه يمثل في جوهره روح الابتكار الأوسع في الجامعة الأميركية في الشارقة، حيث يعمل الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية يدًا بيد لمواجهة التحديات الواقعية. وقد صُممت المناهج الدراسية في الجامعة لتوفر للطلبة المعرفة والإبداع والخبرة العملية التي تمكّنهم من تحويل التكنولوجيا إلى حلول تحسّن حياة الناس خارج حدود الصفوف الدراسية.