أبوظبي – الوحدة:
في ركنٍ من أركان معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، ينبض قطاع الفنون والحرف اليدوية بروحٍ لا تشيخ، ويهمس للزائرين بحكاياتٍ من رمال الصحراء، حيث عاش الأجداد وتجلّت العادات والتقاليد في تفاصيل الحياة اليومية… هناك، لا تُعرض اللوحات والتحف والمنتجات التجارية فحسب، بل تُستعرض الذاكرة التي نسجت من البساطة جمالًا؛ ومن الأصالة مجدًا.
تتراقص النقوش اليدوية على أسطح الأعمال كأنها وشمٌ على جبين الزمن، تحكي عن خيامٍ منصوبة تحت السماء، وعن قهوةٍ تُصبّ في دلالٍ من ذهب، وعن خيولٍ عربية أصيلة تملأ الأفق صهيلًا وفخرًا، وكل خطٍ مرسوم، وكل لونٍ مختار، هو امتدادٌ ليدٍ كانت تزرع وتروي وتبني.
لم تكن التكنولوجيا دخيلةً على هذا القطاع، بل جاءت كضوءٍ خافتٍ يُسلّط على الجمال، فزادت الحرف اليدوية بهاءً دون أن تطمس ملامحها، ومن تداخل التقنيات المعاصرة مع الحرف التقليدية، أُخرجت لوحاتٌ تحفظ تراث الأمس، وتقدّمه للأجيال القادمة كهديةٍ لا تُقدّر بثمن.
وفي زيارة سريعة إلى استديو “تجربة الفنون الغامرة”، كمثال عن القطاع، قالت السيدة شيخة حمد مغاور العلي رائدة الأعمال، المدير العام لاستديو مغاور آرت: “تجربة الفنون الغامرة، ليست مجرد مشروع فني، بل رحلة غنية لاستكشاف الهوية الإماراتية من خلال الإبداع، جاءت بالتعاون مع ديوان الرئاسة، ليطلق استديو “مغاور آرت” مجموعة من اللوحات المرسومة يدويًا بكل حب وتفانٍ، ثم أُضيفت إليها لمسة من الذكاء الاصطناعي لتحاكي الحركة وتمنحها روحًا نابضة تنطق بالتراث.”
وأوضحت العلي: أن الذكاء الاصطناعي هنا لا يحل محل الفن، بل يُكمل جماله، إذ تُبرمج اللوحات بعد رسمها؛ لتتحرك بأسلوب يحاكي مشاهد تراثية كالرزفة والصيد والفروسية، وتخرج من إطارها الثابت وتصل إلى الجمهور برسالة بصرية مؤثرة.
وأضافت أن هذه الرسالة تتمثل في أن التراث الإماراتي ليس مجرد ماضٍ محفوظ، بل هو حاضر حيّ يُروى بأحدث الوسائل، وتُظهر هذه اللوحات؛ كيف يمكن للتقاليد أن تلتقي بالتكنولوجيا في تناغم فني راقٍ يُبهر العالم بجذورنا الجميلة.
اختلفت الأعمال الفنية في قطاع الفنون والحرف اليدوية بين صور القادة الذين رسموا ملامح الدولة، ومشاهد الحياة البدوية التي تنبض بالكرم والشجاعة، وصور الحيوانات الأليفة التي كانت رفيق الإنسان في رحلته عبر الزمن.. فكل لوحةٍ كانت مرآةً تعكس وجوهًا من الماضي، وتُطلّ على المستقبل بثقةٍ وحنين.
وفي هذا القطاع، لا يُعرض الفن فقط، بل تُرسل رسالةٌ تقول “أن الحفاظ على البيئة والتراث الثقافي ليس مجرد شعار، بل هو عهدٌ تُبرمه الأجيال مع من سبقها”. فالفن هنا لا يُزيّن الجدران، بل يُزيّن الذاكرة، ويُعلّمنا أن من لا ماضي له، لا حاضر له، ولا مستقبل ينتظره.
فيما ختمت شيخة بالقول: “الفن هو لغة عالمية، والتراث هو هويتنا، وعندما ندمج الاثنين، نخلق حوارًا بصريًا يُلهم ويُدهش.”