محلل أمريكي: بإمكان واشنطن ردع إيران دون وجود عسكري ضخم في الخارج

واشنطن-(د ب أ):
في ظل التوترات التي أحدثتها عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، وقبلها اغتيال الجنرال قاسم سليماني مطلع العام الماضي، والقلق من إمكانية تدبير إيران لهجمات انتقامية خاصة ضد القوات الأمريكية في المنطقة، باتت إجراءات ردع طهران تمثل أهمية كبيرة لدى واشنطن.

وفي هذا السياق، قال جيوف لامير، المحلل بمؤسسة ديفنس برايوريتز في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنترست إن ردع إيران لا يجب أن ينطوي على وجود أمريكي ضخم أو عمل عسكري.

وأوضح أن الولايات المتحدة تنشر حاليا ما بين 45 ألفا إلى 65 ألف جندي في الشرق الأوسط بتكلفة مليارات الدولارات شهريا. وأشار إلى أنه على الرغم من ذلك ، لا تزال إستراتيجية واشنطن المكلفة تفشل في منع نوعية الهجمات الصاروخية ضد الأفراد الأمريكيين مثل تلك التي حدثت في كانون أول/ديسمبر.

وقال المحلل الأمريكي إنه مع تراجع الولايات المتحدة عن قرار إعادة نشر حاملة طائرات خارج الشرق الأوسط، وذلك بعد فترة وجيزة من نشر غواصة صاروخية إضافية وطرادات صواريخ لردع إيران، “نحتاج إلى أن نعترف بأن السياسة الحالية ليست رادعة على الإطلاق”.

وقال إن نهج الردع الحالي من خلال تواجد كبير للقوات الأمريكية، لم يكن فعالا في ردع إيران أو ميلشياتها العراقية. وحمّل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الميليشيات المدعومة من إيران مسؤولية الهجوم الصاروخي الأخير.

واعترف الجنرال كينيث ماكنزي ، الذي يقود القوات الأمريكية في الشرق الأوسط ، بأنه على الولايات المتحدة أن تتحمل “مستوى منخفضا من الهجمات بالوكالة في المنطقة”. واستمرار هذه الهجمات يكشف عن مدى فعالية الاستراتيجية الأمريكية الحالية. ويحتاج قادة الولايات المتحدة إلى الاعتراف بأن الاستراتيجية الحالية لا تردع تلك الهجمات، حسبما يقول الكاتب.

ويوضح أن أنصار الحفاظ على الوجود الحالي في الشرق الأوسط يسيئون فهم الردع. وقال إن مفهوم “الردع محل التنافس” ظهر في أعقاب اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في أوائل عام 2020. ولكن إذا تم التنافس بشأن الردع ، فإنه ليس بردع . فلم يطلق الاتحاد السوفيتي صواريخ على ألمانيا الغربية. وإذا كان الأمر كذلك ، لكنا ندرك بحق أن هذا فشل في الردع “ولكن عندما يتعلق الأمر بإيران ، فإن صناع القرار الأمريكيين راضون عن مواصلة استراتيجيتنا حتى مع سقوط صواريخ على السفارة الأمريكية”، على حد تعبير الكاتب.

ويتساءل الكاتب إذا تعطل الردع ، فكيف نصلحه؟ ويقول إن نشر الولايات المتحدة لسفن بحرية إضافية هو أمر خاطئ، فالغواصة الصاروخية التي يتم نشرها في الخليج تُعرف بقدرتها على شن ضربات بصواريخ توماهوك، والتي لا تفعل شيئا لحماية القوات من الهجمات القادمة ولكنها تفعل الكثير لزيادة إدراك إيران للتهديد.

ويشير لامير إلى أن نشر المزيد من القوات في المنطقة يعني المزيد من الفرص لقائد إيراني ما شديد الحماس ليخطئ في فهم الموقف ويضرب. واستشهد بإسقاط إيران لطائرة ركاب مدنية في عام 2020، قائلا إن ذلك كان بسبب الخوف القائم على سوء التقدير من هجوم أمريكي في ذروة التوترات.

وتمتلك الأسلحة البحرية والجوية الأمريكية بالفعل القدرة على تنفيذ ضربات داخل إيران وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط. وأي شيء آخر في هذه المرحلة لا يخدم أي غرض عسكري. وبدلا من ذلك ، فإنه يضخم المخاوف من أن الولايات المتحدة تستعد لشن هجوم.

ويرى الكاتب أنه إذا قررت إيران أن هناك هجوما أمريكيا وشيكا، “فإن وجودنا البحري يمنح إيران عددا كبيرا من الأهداف عالية القيمة”، مشيرا إلى أنه يمكن للصواريخ الباليستية الإيرانية استهداف الناقلات الأمريكية والسفن الأخرى، وأوضح أن أحد التدريبات العسكرية الإيرانية الأخيرة استند على هذا السيناريو تحديدا. وإيران ليست قوة عظمى يمكنها شن ضربات بعيدة عن حدودها. وعلى الرغم من أن بعض صواريخها يصل مداها إلى ألفي كيلومتر ، فإن معظم المتغيرات التشغيلية في ترسانتها الصاروخية قصيرة المدى.

وقال إنه بمعنى آخر، من الممكن أن تتسبب إيران في إلحاق ضرر هائل وخسائر بشرية في صفوف القوات الأمريكية خلال أي حرب محتملة، بسبب مدى قرب القوات الأمريكية. ولمنع إيران من امتلاك هذه القدرة ، يمكن للولايات المتحدة فقط إخراج القوات من الفناء الخلفي البحري لإيران.

كما أن ردع إيران بنشر قوات إضافية لم ينجح في الماضي أيضا. ففي كانون ثان/يناير الماضي، عندما كانت التوترات في ذروتها بعد الضربة التي استهدفت سليماني، لم يغير نشر الآلاف من القوات الإضافية الحسابات ذات الصلة بقرار إيران، فأصابت الصواريخ الإيرانية قاعدة أمريكية في العراق في الأيام التالية بغض النظر عن ذلك. وبالتالي فإن استخدام الاستراتيجية نفسها ضد إيران وتوقع نتائج مختلفة “هو ضرب من الحماقة”، وفقا للكاتب.

ويخلص الكاتب في نهاية المقال إلى أن هذه ليست دعوة لضرب إيران لعدم تحقق الردع كما ينبغي، بل دعوة إلى إدارة بايدن القادمة للنظر فيما إذا كانت تكاليف الإقامة في الشرق الأوسط تستحق الفوائد القليلة للغاية التي نحصل عليها من وراء ذلك.

وقال لامير إنه يمكن تحقيق الأهداف المحدودة التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها في حماية التجارة البحرية وتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب بدون الوجود الأمريكي الهائل في المنطقة. وفيما يتعلق بـ “استراتيجية الردع الفاشلة” ، لا ينبغي للرئيس المنتخب بايدن أن يبذل مجهودا مضاعفا بل يجب أن يخفض القوات.