هل هناك أوجه تشابه حقيقية بين لندن وباريس؟

لندن-(د ب أ):
هناك رابطة قوية تربط بين البريطانيين والفرنسيين منذ قديم الازل، حيث تتعايش دولتاهما على مقربة جغرافية وثيقة، كما يربط بينهما تاريخ طويل من المودة والتنافر. ويعتبر التنافر هو الجزء الملاحظ بصورة أكبر من الاحترام المتبادل، بحسب ما ذكرته وكالة “بلومبرج” للانباء.

وعلى الرغم من ذلك، فقد كشفت محادثات التجارة الأخيرة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، أن البريطانيين يشبهون الفرنسيين في الكثير من النواحي، أكثر من تشابههم مع أبناء عمومتهم اللغوية، وهم الألمان. وحتى مواقف باريس الأكثر قسوة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت تعكس مواقف لندن.

وقد أصرت الحكومتان على العديد من الخطوط الحمراء. ورفضت فرنسا استفادة المملكة المتحدة من برامج أوروبية، مثل برنامج التبادل الطلابي “إيراسموس” القائم منذ عام 1987، ومشروع “جاليليو” الخاص بتطوير قمر صناعي للاغراض العسكرية، بينما طالبت حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بإنهاء حرية تنقل مواطني الاتحاد الأوروبي في أراضيها. ويمكن القول أن الأمر كان فارقا بصورة أكبر بالنسبة لهذين الشريكين التقليديين أكثر مما كان عليه بالنسبة لبرلين.

وفي الدولتين، فإن الخسارة المؤلمة للإمبراطورية لم تؤد إلى محو التطلعات العالمية.

وتحظى كل من الدولتين النوويتين بمقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولدى كل منهما أفكار هائلة لما يمكن أن يقدماه من خلال إبراز قوتهما التجارية وثقلهما العسكري.

ويجعل ذلك منهما مختلفين عن حلفائهما الأمريكيين والألمان (حيث تتمتع الولايات المتحدة بقوة حقيقية، كما يمكن لألمانيا أن تمتلكها ولكنها لا ترغب في ذلك)، بحسب ما ذكرته وكالة “بلومبرج” للانباء.

ومن جانبها، تسعى المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى توطيد علاقة بين البلدين في قلب الاتحاد الأوروبي، من خلال ابتكار تقاليد “الصداقة” بقوة، إلا أن ذلك لا يغير الديناميكيات الحقيقية.

وفي الوقت نفسه، تهيمن على الصورة الكبيرة – مثلما كانت دائما – سياسات القوة والنفوذ المالي عبر الأطلسي. ولطالما اعتقدت فرنسا أن البريطانيين مستضعفين للغاية أمام القوة العظمى الأمريكية، بينما يرى البريطانيون الفرنسيين على أنهم يتوسلون أمام الاقتصاد الألماني العظيم.

وترى “بلومبرج” أن القيام بأدوار ثانوية لا يجعل التنافس عبر القناة الانجليزية من أجل الحصول على منافع، أقل قوة.

وفيما يخص القوة الناعمة، لطالما انتصرت فرنسا في المعركة من أجل كسب مودة الطبقة الوسطى الثرية في بريطانيا. كما يحب البريطانيون الطراز والمطبخ الفرنسي، ويتطلعون إلى المنازل الموجودة في لوبرون بفرنسا، وليس تلك الموجودة في ولاية بادن فورتمبيرج الالمانية. كما يكثر البريطانيون الناطقون باللغة الفرنسية في وكالة الليسيه الفرنسية في لندن (وهي وكالة التعليم الفرنسي في الخارج). أما الامر في المدرسة الألمانية فليس كذلك.

ومن جانبه، يشعر ماكرون بالغيرة بسبب القوة المالية للندن، ويرغب في أن تحل باريس محلها.

وحتى وقت قريب، كان يُفترض أن تدور العلاقة بين البلدين حول تنافس وطني في طريقه إلى الزوال، وصداقة متنامية يحتضنها الاتحاد الأوروبي.

ولم يكن من قبيل المصادفة أن يفرض ماكرون ما يشبه الحصار المصغر على بريطانيا خلال الأيام القليلة الأخيرة التي سبقت فترة أعياد الميلاد (الكريسماس)، حيث بدا أن اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يساوي مليارات بالنسبة للطرفين، قد تعثر بسبب الخلاف حول قضايا متعلقة بالصيد.

وأغلقت فرنسا بشكل مفاجئ حدودها مع بريطانيا قبيل الكريسماس، ما تسبب في تأخيرات بقطاع النقل في إقليم كنت الانجليزي الواقع في جنوب شرق البلاد، حيث قضى الآلاف من سائقي المسافات الطويلة أياما انتظارا في طوابير لاتمام دخولهم.

ورفض الفرنسيون السماح لسائقي الشاحنات بنقل بضائعهم عبر القناة الانجليزية، بدافع أن السلالة الجديدة شديدة العدوى من مرض “كوفيد-19″، والتي كانت قد ظهرت لأول مرة في بريطانيا، يجب أن تبقى بعيدة.

وقال رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس في تصريحات له مؤخرا، إن بلاده ستبقي على حدودها مغلقة أمام القادمين من بريطانيا للمستقبل المنظور، بسبب السلالة المتحورة من فيروس كورونا، التي تنتشر هناك بشكل سريع.

وقال كاستكس إن أي شخص سيتم السماح له بالسفر، سيتعين عليه تقديم نتيجة سلبية للفيروس قبل دخوله فرنسا.

ويوجد في فرنسا حتى الآن مجموعتان من سلالة كورونا الجديدة، والتي يقال إنها أسرع في الانتشار.

من ناحية أخرى، اكتفت دول أخرى بحظر السفر الجوي إلى مطارات المملكة المتحدة.

وعلى الرغم من أن التوقعات الاقتصادية تأتي وتذهب، تبقى المنافسة – والتعاون – بين هاتين الدولتين العظميين بلا نهاية على الاطلاق. “فليحيا الاختلاف”، بحسب ما تؤكده “بلومبرج”.