أخبار عربية ودولية

ملامح الصراع بحكومة الوفاق الليبية قبيل اختيار سلطة تنفيذية جديدة

طرابلس-(د ب أ):
مع استمرار الهدوء العسكري والتقدم السياسي في ليبيا نحو انتخابات وطنية من المقرر إجراؤها يوم 24 كانون أول/ ديسمبر القادم، ومع قرب اختيار سلطة تنفيذية جديدة وموحّدة (مؤقتة لحين الانتخابات) مكونة من رئيس مجلس رئاسي ونائبين، مع رئيس حكومة مستقل، مازال البعض في البلاد يتوجس من بعض ما يدور في أروقة حكومة الوفاق والغرب الليبي عموماً.

ويظهرذلك فيما يبدو أنه “صراع قائم بين شخصيات سياسية كانت متحالفة أيام الحرب على طرابلس”، أبرزها ما يجري في العلن والخفاء بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني “فائز السراج” ووزير داخليته “فتحي باشاغا”، منذ إحالة السراج باشاغا للتحقيق على خلفية رفض الأخير طريقة تعامل كتائب مسلحة مع مظاهرات خرجت وسط طرابلس نهاية آب /أغسطس الماضي”.

ويقول المحلل السياسي والأستاذ بجامعة طرابلس فرج دردور لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) :” منذ ذلك اليوم أدرك السراج أنه في خطر”.

ويفصّل دردور الأمر قائلاً : “عندما استُدعي باشاغا للتحقيق أحضر معه رتلاً من نحو 500 آلية، في تحدٍ صارخ بجاهزية تلك القوة للتدخل في حال عزله، وبالتالي تمت التسوية وأعيد إلى منصبه”.

في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي أعلن السراج عن رغبته في تسليم السلطة نهاية شهر تشرين أول/ أكتوبر الماضي ، كتاريخ لانتهاء لجنة الحوار من عملها واختيار مجلس رئاسي جديد ورئيس وزراء.

عند حلول الموعد وتباطؤ الحوار تراجع السراج عن استقالته، وفي 20 كانون أول/ديسمبر الماضي ، أصدر قراراً بتحويل تبعية جهاز الردع “أحد أقوى الأجهزة الأمنية في طرابلس” من وزارة الداخلية ليكون تابعا بشكل مباشر للسراج”.

وأصدر السراج في 18 كانون ثان/ يناير الحالي، قراراً آخر باستحداث جهاز أمني هو “جهاز دعم الاستقرار” بصلاحيات واسعة، وكلف أحد قادة الكتائب في طربلس “عبد الغني الككلي” برئاسة الجهاز، مع ثلاثة نواب له، كلهم من المنطقة الغربية، ومن غير الموالين لباشاغا.

ويقول الحقوقي والمحلل السياسي أحمد الرّوياتي ، من داخل مدينة مصراتة، لـ (د. ب. أ) إن ” إنشاء جهاز دعم الاستقرار مناورة من السراج لتقويض العمل السياسي الذي تقوده البعثة الأممية، وهناك تسريبات بأن السراج يحاول تثبيت السلطة الموجودة حالياً لتقود المرحلة التمهيدية حتى موعد الانتخابات، وبالتالي هو حاول أن يجمع مِن حوله وأن يخلق نفوذاً لنفسه على المستوى السياسي والعسكري، ويضغط بها في اتجاه عمل البعثة لكي يكون الخيار المحتمل والأرجح لديها للاستمرار في السلطة”.

ويخالف دردور هذا الرأي، ويوافق السراجَ في قراره، ويرى أنه “ردة فعلٍ ناتجة عن مخاوف من عدم انضباط وزير الداخلية وتنسيقه مع الخارج، مما دفع السراج لمحاولة خلق قوة أخرى موازية تتبعه مباشرة وعززها بإنشاء جهاز دعم الاستقرار، من أجل خلق نوع من التوازن”.

ويوضح قائلا :”باشاغا انسلخ عن مهمته كوزير داخلية، لا نقول إنه فشل، بل ربما كان أفضل من أدار الوزارة، لكن طموحه غلب موقفه، لقد صار يتنقّل بين عدة دول منها مصر وفرنسا، مستخدماً وظيفته في الدعاية لنفسه”.

ويعتقد دردور أن هذا سيدفع منافسي باشاغا إلى اعتبار أي تقدّم له “غير شرعي”، وهذا سيعيد البلاد إلى المربع الأول.

لا يتفق الرّوياتي مع هذا الطرح، ويصوّر زيارة باشاغا لمصر وفرنسا بـ”الانفتاح والشجاعة في التوجه إلى الدول المحسوبة على الطرف الآخر”.

ويسترسل قائلا :” أثبت باشاغا نفسه بواقعية من خلال مكانه كوزير داخلية عبر الكثير من الأعمال، صحيح أنه لم ينجز كل ما وعد به، لكنه كان الأقوى والأشجع في مواجهة الإشكاليات التي تعم معسكر الوفاق عندما صادم المليشيات وواجه جماعات الفساد، هذا بالإضافة لتعاطيه مع القضية الليبية بعيداً عن الحدة والعدائية، ما سمح له أن يكون الشخصية الأنسب لمنصب رئاسة الوزراء لدى الدول الكبرى والمعنية بالملف الليبي، وأخص بالذكر فرنسا ومصر، بالإضافة للدول الحليفة التي أيدته في كثير من الحالات، فقد كان له دور بارز في صد الهجوم على طرابلس، وهذا منحه صفة رجل الحرب والسلم بشكل أقنع كثيرين في الخارج”.

في المقابل، يقول دردور إن “دخول باشاغا من باب حزب العدالة والبناء الذي يقود عملية سياسية دون فوز في انتخابات، يعتبر نوعا من اللعب خلف الكواليس، وهذا لا يدفع إلى الاستقرار الذي نأمله، بل سيخلق صراعا وأزمة، ولا يمكن القبول بذلك في أي عملية سياسية”.

ويضيف: “السراج أيضاً مساهم بشكل أو بآخر في عدم إحداث استقرار، لأنه لا يريد تسليم السلطة، لديه مستشارين ينصحونه دائماً بالانفراد وإصدار بعض القوانين والقرارات التي لا تخدم المصلحة العامة، وتدفع باستمرار وجوده في السلطة”.

ويكمل دردور قائلا إن “حكومة السراج أيضاً فيها الكثير من الفساد، هذا على الأقل ما يقال، وبالتالي فإن بقاء كل الصيغ السابقة فيه إجحاف للوطن والمواطن، ويجب على الأقل إجراء تعديل في هيكلية المجلس الرئاسي وصلاحياته، ولكن ليس تغييراً كاملاً، لأن اختيار السلطة التنفيذية حالياً لا يسير في سياق ديمقراطي طبيعي بل في إطار محاصصات وجهوية”.

وتابع قائلا :”هذا قد يدفع جهات ومناطق قد تكون غير محسوبة إلى التدخل والمطالبة بحقها في المشاركة في هذه المقاسمات، والحل هو التنافس الشريف في الانتخابات القادمة، وإلى ذلك، لا ضير من القيام ببعض التعديل في السلطة التنفيذية، فقط”.

ويعتقد الروياتي أن هذا تحديداً ما يسعى السراج إلى تحقيقه من أجل البقاء في السلطة، ويسعى لذلك أيضاً نائبه أحمد معيتيق، ولكن لكل منهما مشروعه، حسب الوصف.

ويشرح الروياتي ذلك بالقول إن “علاقة السراج بمعيتيق هي الأغرب في الوقت الراهن، فهناك تقاطع مصالح في بعض القضايا، وخلاف في أخرى، وطموح كل منهما ظاهر، ولكن، ربما يشتركان في اللعب على المسار الأقرب للنجاح، وبما أنهما سلطة قائمة فإن العمل على الاستمرار فيها أسهل من المراهنة على الدخول في الترشيحات والمحاصصة القادمة، وبالتالي فهما يشتركان في عرقلة المسار الأممي”.

وأضاف :” ويبدو في الخفاء أن هناك مقاسمة بينهما، بحيث يكون معيتيق رئيساً للحكومة، ويبقى السراج رئيساً للمجلس الرئاسي أو عضواً فيه، أو أن يستمرا في المجلس الرئاسي وتتم تسمية رئيس حكومة من الشرق”.

ويتابع:” يتفق الاثنان في هذه النقطة، ويختلفان في طموحهما المستقبلي، ولكل منهما خطة “باء” من أجل ضمان عدم الخروج بدون مكاسب في التسوية القادمة، خاصة أن كل منهما محسوب على جهة، وبما أن المحاصصة قائمة، وهما من نفس المجمع الانتخابي، فلا اعتقد أن لكليهما حظوظ في نفس المسار”.

وحول ما يُنسب لمعيتيق من توسطه لحل أزمة النفط الليبية، يسرد الروياتي قصة مختلفة حين يقول: “على عكس ما يعتقد البعض، ليس لمعيتيق علاقة بإعادة ضخ النفط الليبي، وعلى المستوى الدولي هذا معلوم، فالأمر مرتبط بالمسار الاقتصادي الذي تقوده البعثة ومهدت له من فترة طويلة، ومعيتيق حاول القفز على هذه المعادلة والقول بإنه هو من أنجز هذا المشروع خلال زيارته إلى موسكو وصياغة تلك الاتفاقية التي لم تُوَقَّع بينه وبين ممثلين عن حفتر، هذه لعبة سياسية قام من خلالها بزيادة أسهمه، ولكن بطريقة غير شرعية”.

ويستطرد: “حتى لو كان لمعيتيق دور في هذا الملف، فهذا باعتقادي لا يخالف رؤية السراج لأنهما ضمن سلطة واحدة، وأي إنجاز يحسب لهما ويزيد من أسهمهما في البقاء”.

ويتابع: “اعتقد أن مشكلة السراج مع البقاء في السلطة تكمن في مستشاريه، فأنا أجزم أنه كان صادقاً في تقديم استقالته بسبب ضغوطات كان يتعرض لها، ولكن المجموعة المحيطة به هي من أعادته إلى محاولة إحياء نفسه سياسياً من جديد، لأن هناك مصالح اقتصادية كبيرة لهذه الأطراف، وليس من السهولة أن تسمح بخروج السراج وأن يتم إقصاؤها أو فضح الفساد الحقيقي الذي نشأ من اللوبي المحيط بالسراج، وبالتالي فإن الاستقالة كانت حقيقية في وقتها ولكنها أصبحت اليوم غير حقيقية، ولا اعتقد أن السراج لايزال متمسكاً بها”.

وفي لهجة تفاؤل، يستبعد الروياتي أن يقود هذا الصراع إلى نشوب حرب أخرى، ويعلل ذلك بالقول: “وفق ما نشاهده من توافقات متتالية، آخرها الذي حدث في اجتماع الغردقة( المصرية) بالعودة إلى الاستفتاء على الدستور، والتقدم الكبير على مستوى التسوية السياسية والتوافق على آلية اختيار السلطة التنفيذية، وفتح باب الترشح، لا اعتقد أن المشروع السياسي والتوافق الوطني على كافة المسارات سيفشل، ولكن، حتى لو افترضنا أن هذه المسارات ستتوقف أو تفشل، ففي تقديري لن تكون هناك أي حرب، بل حالة من الضبابية والفوضوية والاحتدام السياسي”.

وختم الروياتي قائلا :”في النهاية لن يتجرأ أي طرف على إشعال الحرب من جديد، لأن الدول المتداخلة في الملف الليبي والداعمة للأطراف المتصارعة وأبرزها روسيا وتركيا لا تريد هذه الحرب، فقد حققت من المنجزات ما يحول دون المقامرة بعمل عسكري ربما يدفع لتدخل أمريكي قد يقلب الطاولة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى