مرئيات

خليفة بن شميل …شاعر الطبيعة والإبداع

فيض من المشاعر الدافقة بالحب والعاطف

بقلم /أنور بن حمدان الزعابي ــ كاتب وشاعر إماراتي

هو الشاعر خليفة بن علي بن شميل الخاطري من الشعراء الذين عرفهم عشاق الكلمة الشعرية في الإمارات. فهو ابن البادية الأصيل المعايش لحلوها ومرها المشارك في أفراحها وأحزانها في بلدته بمنطقة الحمرانية حيث المناظر الخلابة والكثبان الرملية الجميلة.

جاء تأثره الواضح بها من خلال قصائده لقد عرف شاعرنا من خلال قصائده المغناة والتي تحمل أعذب الكلمات وألطفها . ولم يقف شاعرنا عند هذا بل عبر عن معاناته من خلال ما نشره من القصائد النبطية والتي عرف من خلالها ، كما قدم برنامج الشعر الشعبي من إذاعة راس الخيمة. ولم يقتصر نشاط شاعرنا على الشعر فحسب بل شارك في التمثيل وتأليف المسرحيات وإخراجها وعبر عن واقع أمته ومجتمعه من خلال المسرحيات التي قدمها في بعض نشاطات المدارس .

الشاعر خليفة بن شميل الخاطري شاعر ذو إحساس صادق وكلمة عفيفة متجلية

في أسمى صور الغزل العفيف وقد أراد أن يعبر تعبيراً صادقاً عن واقع حياته وما يمر فيها من تيارات متغيرة .والطبيعة تلعب دوراً بارزاً ويبدو تأثيرها واضحاً فقر أثرت تاثیراً ملموساً ورائعاً في كتاباته.فنراه يتغنى بالروابي والأودية والسهول ومنابت الأشجار ويؤثر فيه كذلك النسيم العليل في الصيف (الشرتا ) والأمطار ونسيم ثلث الليل الأخير كذلك تغريد الحمام والبلابل وخصوصاً ،الراعبي والقنطر والورقا. أيضا الذكريات لها مكاناً خاصاً في قلب الشاعر فهي الماضي الذي الذي لايعود وكم يراوده الحنين إلى تلك الأيام حيث يقول شعراً:

يالله يامنشي الغمامی تسقي الجري من يود لمزون

على العوارض والمدامي وين البدو لاول يشتون

وعلى الساعدي انهم نهامي ومن الغدر اهله يروون

وعلى سكن ناس احشامي آن ياهم الشافي يعاطون

على الحير اسند دوامي مقر غزلانا يربون

ومن قصيدته المطولة « عوده » :

حي شرقا نسنس وذنا غابش والناس هيعينا

من تذکر قلبي وحنا عازمانن فيه رابينا

وبداية شاعرنا كانت عندما كان يبلغ من العمر ۱۲ عاماً فقد كان يقول بعض المقطوعات الشعرية ويلقی تشجيعاً كبيراً من الشعراء الكبار وله محاورات كثيرة معهم وقد تأثر شاعرنا بالشاعر محمد بن حافش والشاعر الخليفي فقد أثرا فيه تأثيراً كبيراً جعلاه ينسج الخيط الشعري على منوال إبداعاتهم . أيضاً ببروز الفنان علي بن بروغه ازداد تأثر الشاعر بالشعراء أمثال سالم الجمری وعيسى بن شقوي

لكونه كان يسمع قصائدهم مغناه وخصوصاً أن الحان علي بروغه سابقاً كانت فياضة من القلب وتأخذ طابع البيئة البدوية الأصلية أفضل بكثير من المطربين في هذا الوقت الذين لايجيدون النغمة البدوية المميزه.

وشاعرنا له رأي حول الشعر الشعبي القديم ذو اللهجة العامية القديمة والشعر الشعبي ذو اللهجة العامية الحديثة وبالأخص الكتاب الشباب فيقول أن شاعر اللهجة القديمة يكسب القصيدة لوناً مميزاً حيث أنه يمتاز بعدم اللجوء للمباشرة فهو مثل الطير الذي يحوم حول فريسته قبل أن ينقض عليها يستخدم لهجة البدوية الأصيلة أيضاً ، وكلماته غزيرة في معناها غير مدروكة الغاية خالية من السطحيه ، متوازنة الأدلة.أما الشعر الشعبي الحالي فهو غير متوازن الأفكار ، وتعيبه أحياناً المباشرة وإيضاح المقصد من أول بیت إلى آخره.أيضاً تردى أسلوبه كما أن معظم الشباب أسلوبهم متشابه وهذه ظاهرة تستوجب التوعية.

وراي شاعرنا في الشعر على انه موهبة وهو الكلمة المعبرة عما يجيش بخاطر الإنسان من أفراح أو أتراح ومن عواطف واضطرابات في معترك الحياة.

وهو لإفضاء الهموم والنزعات العاطفية . وبنظرة إلى قصائد شاعرنا نلاحظ أن أسلوبه يمتاز باللهجة العامية القديمة المستوحاة من البيئة البدوية الأصيلة ويغلب عليها طابع الرقة والعطف كذلك مجالها واسع في أسلوب الوصف ويقلب عليها طابع الغزل العفيف وهذا مثال من إحدى قصائده الغزلية حيث يقول:

*تايه وهيف بي الغرامي شروات رزعن هاف لغصون

ان والمه لفح السهامي حت اورقه لو عاد يسقون

بي ود لي مثله عدامي ترف الشباب وصافي اللون

بدرا تجلى في الظلامي اليعاد ليله طيب السون

الى آخر القصيدة،ومن الواضح أن هذه القصيدة تعبر تعبيراً واضحاً وواقعياً عن نزاهة الشاعر في التغزل بمحبوبته ، فهو يشبه نفسه كالزرع الذي تھيف أوراقه

وتقع وإذا فاجأه السهام أي الهواء الحار في الصيف سقطت أوراقه ولا يفيده السقي بالماء ومن ناحية مقدرته على الوصف فهو يصف حبيبته بأنها بدر تجلى في الدجى وأضاء بلونه الأخاذ وهذا دليل على عفة أسلوب الشاعر.

في الغزل أيضاً لارتباطه بمرابع طفولته وسکنی أجداده ووطنه فهو يدعو ربه أن يجود على هذه البقاع بالغيث الغزير في خيره القليل في ضرره ونستدل بهذه الأبيات في مطولته الوداع.

*ياالله يامنشي الغمامي تسقي الجري من يود لمزون

على العوارض والمدامي وين البدو لاول يشتون

وعلى الساعدي انهم نهامی ومن الغدر اهله يروون

وعلى سكن ناس احشامي لي ياهم الشان بيعطون

وعلى الحير اسند و دامي مقر غزلانا یربون

إلى أخر القصيدة ،ويقصد في البيت الأول من الشطر الثاني الجري وهو المكان الواسع في البر أيضاً العوارض وهي الأمكنة المرتفعة في البر مثل عارضة الحمرانية، وعارضة حازم ، وعارضة مويلحة،وعارضة أحريملة.

وفي الأماكن التي كان البدو يقضون فيها الشتاء أيضاً لم ينسى منطقة الساعدي مسقط راسه حيث له من الذكريات الجميلة مايجعله يرجع إلى الوراء خمسة عشر عاماً على الأقل وفي البيت الثالث ركز على أن يكون المطر عليها غزيراً مدراراً لدرجة أن أهل المنطقة يرتوون من غديره.أيضاً في البيت الأخير يقصد منطقة الحير وهي المناطق التي تقع في الأودية وبين سهول الجبال مثل الطويين وأذن والبثنة. وفي لوعة الفراق الطويل أنشد شاعرنا يقول من مطولته فراق :

هاالليالي غثن البالي وسهرت نوم يغضونه

دار بي هاجس وولوالي ويل يامن زادت اشجونه

بات دمع العين همالي مثل سحب ن هلت امزونه

في حشايه نار تنهالي ذاب قلبي وهافت اغصونه

إلى آخر القصيدة، يشتكي الشاعر في هذه الأبيات من الليالي الطويلة التي يقضيها ساهراً مفكراً في محبوبته أيضاً، والهواجس والأفكار المتداخلة في مخيلته.

ودموع العين يصورها من شدتها وكأنها سیل من المطر المنهمر أيضاً عاطفته رقيقه جداً لدرجة أنه يصور قلبه مثل الغصن الذي تھيف أوراقه وتجف كذلك يصور قلبه من شدة الولع على أن فيه ناراً متقده.

وخليفة بن شميل الخاطري هو من الشعراء الذين يصورون الأمثال الرقيقة العاطفية كقوله في إحدى قصائده المطولة بعونان -الرحيل:

وين خلي شل برحالي لليواهي تناحي اظعونه

خايفن اركابه اهزالي ماتودي للقصد دونه

اخاف مایه بندري لالي لال لاماين يروونه

الهوى نقلاته اثقالي هوب كل الي يحملونه

مخطرا عالروح جتالي والدخاتر مايشافونه

إلى آخر القصيدة، في البيت الأول يتأثر ويتساءل الشاعر عن خله الذي شد رحاله ناحية الياه جمع يواهي أي ناحية نجم الياه تتسابق رحاله. ولشدة حبه وخوفه عليه يخاف أن تكون راحلته أو جماله هزالاً لاتستطيع أن تبلغ الأرب أيضاً يخاف من أن تكون الآبار التي على الطريق قد جفت وتحول ماؤها إلى سراب ( لال ).

ويصف الحب على أنه حملاً ثقيلاً لايستطيع أي شخص أن يتحمله فهو خطير على من يبتلون به والأطباء يعجزون أمام مريض الحب . ومن ملاحظتي لبعض الأمثلة القصائد الشاعر خليفة بن علي بن شميل الخاطري أرى أن أسلوبه نابع من البيئة البدوية الأصيلة وتغلب عليه اللهجة العامية القديمة أيضاً من المؤثرات في شعره أولاً الطبيعة لما تحتويه الأرض التي هو نشأ وترعرع عليها من مناظر خلابة وكثبان رملية وجبال شاهقة جعلت منه شاعراً ذو عاطفة عميقة لدرجة أنه يصف قلبه كأوراق الشجر اليابس إن داهمه لفح السهام سقط وتناثر في الهواء . ثانياً : الطيور التي تصدح وتغني على أغصان الأشجار . ثالثاً : الليل المعروف بهدوئه وسكونه . رابعاً : الذكريات فطالما راوده الحنين إلى الأيام التي قضاها فرحاً مسروراً بش الفؤاد بقرب من يهوى قلبه . خامساً : النسيم العليل أو بالأحرى نسيم السحر الذي يهب في ثلث الليل الأخير وهو يحمل بين نسماته ذكريات جميلة عاشها في مثل هذه اللحظات.

اذن بأختصار نقول بأن شاعرنا شاعر الطبيعة ، فهو لم يدخل في أسلوبه شيئاً من الحداثة أو من الكلمات المسماة بالعصرية فهو لايزال مرتبطاً بتراث آبائه وأجداده. وشاعرنا اليوم هو شاعر الأمس لم يغير أو يجدد فلا يزال الارتباط باق مادام في تراث الماضي التليد المعاصر للحياة على بقاع أرض دولتنا الطيبة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى