التعامل مع المناعة المتشكلة ضد مضادات الفيروسات ..مسألة ذات أهمية قصوى خلال علاج كوفيد-19
بقلم:أيمن السايس/ مدير الشؤون الطبية لشركة جيلياد ساينسز في الشرق الأوسط
مع استمرار النتائج المبشرة في مجال تطوير اللقاحات الفعالة للوقاية من فيروس كورونا المستجد ومرض كوفيد-19، تزداد في الوقت نفسه أهمية العمل المشترك والجهود المتواصلة للتعامل مع مسألة مقاومة الأدوية التي يمكن أن تطورها الميكروبات نتيجة الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية ومضادات الفيروسات، ومن البديهي أن كوفيد-19 لن يكون آخر وباء فيروسي نشهده حاليا او مستقبلاً ، كما أن توقع الوباء القادم أو التحضير له مهمة شبه مستحيلة، لذلك يتحتّم علينا الإشراف على استعمال المضادات الحيوية ومضادات الفيروسات وتقنين هذا الاستخدام على أعلى المستويات بهدف تطبيق أفضل الممارسات وتجنّب تفشي أنواع البكتريا والفيروسات المقاومة للأدوية.
وقد جاءت موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على أول دواء مضاد للفيروسات لعلاج كوفيد-19 بعد ما يزيد عن عقد من البحوث والاختبارات التي أجراها العلماء في جيلياد ساينسنز؛ حيث درس علماء الشركة العقار سابقاً بهدف اعتماده في علاج متلازمات الحمى النزفية الناتجة عن فيروسي الإيبولا وماربورغ، بالإضافة إلى الأمراض الأخرى الناتجة عن أنواع أخرى من فيروسات كورونا مثل متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، مما أتاح لشركة جيلياد ساينسز سرعة الانتقال إلى مرحلة التجارب السريرية لعلاج كوفيد-19 بالتزامن مع ظهور فيروس كورونا المستجد، وذلك بفضل الخبرة الكبيرة التي تتمتع بها الشركة على مدار ثلاثة عقود في تطوير العلاجات المضادة للفيروسات.
وتعد مضادات الفيروسات خط الدفاع الأول للعديد من الأمراض الخطيرة والمميتة، مثل فيروس نقص المناعة المكتسب والتهاب الكبد، وتؤدي مقاومة الفيروسات لهذه الأدوية إلى زيادة صعوبة العلاج وتكلفته، نظراً لحاجة اللجوء إلى أدوية الخط الثاني والثالث، وتزيد مناعة الفيروسات ضد الأدوية أيضاً من مخاطر المرض واحتمالات وفاة المرضى ، ويؤدي الاستخدام غير المناسب للأدوية إلى جانب سوء الأوضاع الصحية في بعض الدول التي يفتقر فيها القطاع الصحي للتنظيم إلى تسريع تشكّل هذه المقاومة.
وتلعب مقاومة الفيروسات للأدوية دوراً مهماً في فشل العلاج ضمن مناطق انتشار المرض، وتترافق عادةً مع عدم الامتثال للإرشادات العلاجية، مما يثير القلق خصيصاً للفقراء والمرضى المصابين بضعف المناعة؛ حيث يؤدي تكاثر الفيروس المستمر والاستهلاك طويل الأمد للأدوية إلى تطور سلالات مقاومة للمضادات الفيروسية.
وتتنوع آلية عمل مضادات الفيروسات من استهداف البروتينات الفيروسية أو البروتينات الخلوية أو تدعيم الاستجابة المناعية، إلى جانب استخدام الإنترفيرونات والغلوبولينات المناعية واللقاحات، وعلى الرغم من فعالية برامج التمنيع ضد السلالات والأنواع الفرعية للفيروسات، إلا أنها لن تحقق نفس المستوى من النجاح ضد الأنواع الغير معروفة. وعلى الرغم من الاحتمال الكبير لتطور بعض أشكال المقاومة الفيروسية للأدوية الفعالة، إلا انه يمكننا أن نحدّ منها من خلال الجمع عادةً بين العلاجات الدوائية والوقائية لمنع وقوع أسوأ الاحتمالات، والحدّ من مقاومة المضادات الفيروسية.
كما أنه من الضروري أيضاً القضاء على الفيروسات في أسرع وقت ممكن؛ حيث يكون تأثير مضادات الفيروسات أكبر في مراحل الاستخدام الأولى، وأيضاً في مرحلة التكاثر السريع للفيروس، والتي غالباً ما تكون في المرحلة الأولى للعدوى كما هو الحال بالنسبة لفيروس كوفيد-19، , ويبقى التشخيص والفحص خطوتين بالغتي الأهمية نتيجة تطور الفيروس ومروره بطفرات عند التأخر بتقديم العلاج المناسب، كما تبرز أهمية بدء العلاج المضاد للفيروسات بأسرع ما يمكن نظراً لتشارك أعراض مرض كوفيد-19 مع أمراض أخرى عديدة ، كما ينبغي الحرص على توفير اللقاحات للبالغين والأطفال باستمرار لحمايتهم من أنواع أخرى من الأمراض والالتهابات مع تطبيق الإجراءات الصحية المشددة عند إعطاء هذه اللقاحات، ورغم التأكيد الشديد على أهمية التعقيم خلال الجائحة؛ إلا أن الاستخدام المفرط للمعقمات الحيوية لتطهير الأدوات الشخصية والبيئة المحيطة قد يؤدي إلى بروز سلالات مقاومة للأدوية .
ولا يقتصر التأثير السلبي لمقاومة المضادات الفيروسية على قطاع الرعاية الصحية فقط، بل إنه يحرم المرضى من الفائدة العلاجية الكاملة التي توفرت لهم نتيجةً لسنوات من الابتكار والعمل، ومع سعينا لمكافحة مرض كوفيد-19، ينبغي وجود استثمارات على مستوى القطاع بأكمله، لضمان قدرة أنظمة الرعاية الصحية في مختلف أنحاء العالم على تحقيق أهدافها الاستراتيجية وتوفير تغطية صحية شاملة، من خلال تشجيع الاختبارات والإجراءات التشخيصية والأنظمة العلاجية واتباع المبادئ السريرية المعتمدة والمدققة من قبل المجتمع الطبي المختص، إلى جانب برامج الإشراف على استعمال مضادات الميكروبات.