مرئيات

الشاعر الشيخ سلطان بن علي الخاطري وذكريات الماضي

بقلم – أنور حمدان الزعابي

كاتب وشاعر إماراتي

أجرينا هذا الحوار في 1992 ويعتبر أول حوار صحفي في حياة الشيخ سلطان بن علي الخاطري وكان في وقت جميل من الزمن الجميل المشع بكل بهجة وسرور.

أن الحديث مع الشيخ سلطان بن علي بن سيف الخاطري

عضو المجلس البلدي في رأس الخيمة له نكهة أصلية ودافئة ملؤها الحب والوفاء والتضحية لهذا الوطن المعطاء.وببساطته البدوية العربية الأصيلة تحدث لنا عن تاريخ وعادات وتقاليد البادية في دولة الإمارات العربية المتحدة وبأسلوبه الحكمي المشوق أدى بعض القصائد الشعرية الأصلية والتي تغنى بها أبناء البادية.

وفي بادية الساعدي بإمارة رأس الخيمة برزت نوابغ وحكمة الشيخ سلطان بن علي الخاطري في كل الأحداث والوقائع التاريخية التي شهدتها الإمارة فهو الذي أخذ على عاتقة دفع أبناء البادية وحثهم على اكتساب التعليم والالتحاق بالعسكرية لخدمة الوطن والمحافظة على عاداتهم وتقاليدهم العربية الأصيلة وكذلك شجعهم على قرض الشعر وتعلم الفروسية ومجالسة الرجال في مجالسهم “البريزة” والتعلم منهم واتباع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.

البادية في الإمارات

وقال أبو محمد عن البادية :كانت البوادي في الإمارات كثيرة جداً وكانت تمتد على جميع الأطراف البرية في الدولة من الخران برأس الخيمة حتى الذيد والعين جنوباً وغرباً الي محاضر ليوا وبدع زايد في المنطقة الغربية . وكان يجمعهم الحب والوفاء والإخلاص والتفاني والشجاعة والتضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل الوطن وكان البدو يتنقلون من مكان إلى آخر طلباً للماء والكلا حيث يستقر بهم المقام في المراعي الخضراء المعشبة بعيداً عن المناطق المجدبة والممحلة وكانت تجمعهم الطمأنينة والراحة النفسية.

واذا أمحلت الدنيا وشح المطر اتجهوا إلى المناطق المزروعة بأشجار الغاف وقطعوا منها حتى تتغذى عليها ماشيتهم من إبل و أغنام و إذا طال عليهم المحل الجدب أقاموا صلاة الاستسقاء،وكان يصلي بهم في ذلك الوقت الشيخ عبيد بن مفتاح الخاطري وطلبوا الغيث من الله عز وجل والدعاء المخلص يستجيب له الله

وكانت البادية تعيش على مياه الأمطار. وبعض الآبار الارتوازية التي يضعون عليها الدلو وإذا أجدبت الأرض وشح المطر أكثر يؤدون صلاة الاستسقاء ثلاث مرات واذا استمر المحل يربطون الماشية ويتركون الأطفال يتباكون ويطلبون من الله أن يرفق بحالهم فيستجيب الله لهم وتمطر السماء عليهم أثناء صلاتهم وهذا من حكمة الله عز وجل .

التجارة في البادية

كان أهل البادية يتاجرون في الماشية مثل ،الإبل والأغنام وكذلك كانوا يبيعون الحطب والصخام “الفحم” في المدينة حيث أنهم يتشاورون ليلاً في البريزة ويتفقون على الذهاب إلى مدينة رأس الخيمة للبيع والشراء حيث يذهبون مع ساعات الصباح الأولى على ظهور الإبل ويأخذون في الطريق يومين ويتم السفر إلى المدينة في الشهر ست مرات تقريباً وعندما يصلون هناك يشترون الرز والقهوة والمؤن الأخرى وهكذا فهم يستعدون بعد يومين للعودة إلى مناطقهم، يجمعهم التعاون والحب والتآزر وتربطهم علاقات حميمة مع سكان المدن ويتبادلون العلاقات الاجتماعية فيما بينهم وكان الناس على سجيتهم وبساطتهم الأصلية قلوبهم مليئة بالحب والخير.

ومن العادات الطيبة التي تجمع أهل البادية في تلك الأيام هي أن القبائل تتشارك مع بعضها في المراعي ومنابع المياه كذلك إذا مر أحدهم على امرأة وهي تروي أغنامها من البئر فانه يقف ويأخذ عنها الدلو ويروي عنها الأغنام والإبل ويساعد في حمل القرب الجلدية “السعن” المليئة بالماء .

التعليم في البادية

التعليم قديماً في البادية كان يتم بحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة إضافة إلى دراسة الإعراب وحروف الهجاء كذلك تعلم واكتساب الصفات والأخلاق الحميدة وحفظ النصائح وكسب الشهامة والمروءة والنبل والإيثار.

والمطوع محمد بن ناصر الخاطري ( رحمه الله ) اكتسب التعليم من المطاوعة الكبار قديماً . وكان الفتى يتعلم دائماً من خاله الحديث قال الشاعر :

خالي ولا سند جوابي صوبه

ولي يعيب في خاله

قصر ما جوبه

والمعنى هو الاحترام بين الأقارب من أخوال و أعمام وحب الجار وإغاثة الملهوف

أي “الزبين” وهو من يلجأ إليه أحد من الناس وقد أصابته مصيبة مثل أن يكون عليه ديناً أو دماً ودخيل البيت سالم ولا يجوز المس به والقبائل تتعارف هذا المنوال .

الحج وأيام رمضان

يبدأ التحضير للحج أول شهر رجب والقصير ورمضان أي قبل ثلاث شهور وتتم الرحلة على ظهور الإبل ويأخذون معهم الطحين والرز والتمر والماء والقهوة ويذهبون في القافلة تتكون من عشرين ناقة أو عشر نياق ويصادفهم شهر رمضان في الطريق ويصومونه كاملاً رغم التعب والاجهاد والحر وهذا كله في سبيل المحافظة على أركان الدين الإسلامي الحنيف .

ورمضان في البادية فيه الكثير من المشاعر الروحانية والوجدانية حيث أن الواحد منا كان يعمل ويشتغل طوال اليوم وهو صائم وخاصة إذا كان رمضان في أيام الصيف الحارة حيث الصحراء الملتهبة كالجمر والهواء الحار السهام ورغم هذا فقد كان رمضان راحة نفسية عظيمة يخالطها الشعور بالأجر العظيم من الله عز وجل .

الأعياد وأفراحها في البادية

قبل العيد بعدة أيام يتم تحضير الهجن ويتم إعداد القصائد الشعرية التي تلقى في حلقات الرزفة حيث تغنى الفتيات على المراجيح ويتم تبادل الزيارات بين الأهل والأقارب وأبناء القبيلة الواحدة يجمعهم الحب والتقارب الوجداني النبيل.

وفي الأعراس تقام حلقات الرزفة من يوم الأربعاء ترحيباً بقدوم المعرس وجماعته وذلك باطلاق النار والتغني بالأهازيج مثل الردحة والونة والطازج ويتم استقبالهم في منزل أهل العروس حيث يتعشون عند أهلها وتقام الأفراح بنحر الذبائح وإقامة المآدب التي تتكون من الأرز واللحم وأحياناً الهريس وتقام سباقات الهجن ويضع المعرس “الشارة” وهي الجائزة عبارة عن غترة أو وزار أو قلتين تمر أو من القهوة أو من الرز .

وسباقات الهجن تطورت في هذه الأيام وأضاف اليها صاحب سمو رئيس الدولة حفظه الله الكثير من التشجيع المادي والأدبي وهذا إحياء للتراث واهتمام به وكون به علاقات بين القبائل كذلك إذا نظرنا إلى النواحي الاقتصادية نجد أن هناك حركة تجارية للبيع والشراء وارتفاع قيمة الأبل واهتمام الناس بها حيث أن هذه الفضل بعد الله يعود إلي صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله .

الألغاز والشعر القديم في البادية

كان الشاعر المايدي بن ظاهر من شعراء الحكمة وأحفظ له الكثير من القصائد والألغاز وهذا تراث وأدب عريق . كذلك أتذكر قصيدة للمرحوم الشيخ سلطان بن سالم القاسمي حيث قال :

هاذي السنة فيها الأرازيق وانفتحت لبواب من فوق

لو رزقهم عند المخاليق كان العرب ماتت بلا عوق

وهناك لغز للشاعر خليفة بن علي بلقروص ويقول فيه:

يا مريح القلب في راحة ولا أنا ماهوب مرتاحي

يوم هب الكوس برياحه والحمام يشل بنواحي

في فيوي البر وابطاحه وين ذلك النفس ترتاحي

ينقطف ما لمر تفاحه والمريض ايعالج الصاحي

كذلك أذكر هذه الأبيات القديمة للشاعر علي بن هويشل الخاطري يقول :

عن هوى الزين ماظني بيوزي لو جفاني الشباب و خازعني

ساطي وسط الحشا بين العيوني ماخذني هواهم بالتعني

التغني بالشعر

لقد قرضت الشعر منذ الصغر وشاركت في حلقات الرزفة وكنت أؤدي بعض القصائد فيها حتى أنني أشارك دائماً في الرزفات الحماسية التي تتغنى بقصائد الشجاعه والفروسية والغزل وغيرها وذلك في الأفراح والمناسبات السعيدة حيث قلت في بعضها :

حي شرتا ياي برفاقه من طلوع اسهيل لا فيها

لي مولع بالطرب عاقه يشتكي ويجيب طاريها

لي بداله مول ماطاقة باح مافي النفس قاصيها

ونتي والنفس معتاقة دمع عيني زاد جاريها

لين بان الفجر با غواقه ما غضت عيني بقافيها

شوف قلبي زادت اعواقة وعالصبر نفسي أجاسيها

في ضميري نار حراقه بن علي عيد النظر فيها

وكذلك قلت عن الذكرى :

يوم ناح الورق بالشلة رد وقتي لي مضى طوره

كم اشاكيله وابين له قام عني يمشي بدوره

ان عنيت وسرت له قله بو عجيل القلب به جوره

ضاع فكري ياللخو كله والصبر يرث لي امروره

اخطرت عيني الدمع كله كأنها بتقول نافوره

شو السبب محد بيفطله يوم قلبي ينشر اخطوره

كلمة أخيرة

أود أن أذكر الشباب الذين نعقد عليهم الأمل أن يهتموا بالتعليم والإطلاع والثقافه وأن يحافظوا على العادات والتقاليد الأصيلة وأن يجالسوا الرجال في مجالسهم وكذلك يجب أن يراعوا الوطن وأن ينظروا اليه بعين الحب والولاء والإخلاص والتفاني في خدمته وأن يبتعدوا عن التقاليد الدخيلة والعادات الغريبة على مجتمعهم وأقول هذه الأبيات:

ياهبوب الكوس لمريح لي هبوبك بات ملفاحه

يوم كل بنومه تريح عينيه بالنوم شحاحه

كم اشاكيلك و انا بيح ليش ما تنظر لي براحه

يا مريح البال بي ريح لا تشط البال ما لراحه

طالبنك نظره تريح يستجيب القلب بأفراحه

أرظف الونات يا مريح دمعتي مالموق نضاحه

طال صبري منك يا مريح شط بالي الورق بنواحه

استطاب القلب يا مريح نظرتك تشفي مرض طاحه

ويبقى القول أن الشاعر الشيخ سلطان بن علي الخاطري أحد رجالات ووجهاء الإمارات عامة ورأس الخيمة خاصة ويعد من أصحاب الرأي والمشورة بين شعوب الخليج كذلك.

تعليقات الصور:

1- الشيخ سلطان بن علي الخاطري

01 يشجع الشباب على الشعر

001 مشاركات اجتماعية

0001 الصحراء والبادية قديماً

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى