باحث أمريكي: خطاب بايدن بشأن “عودة أمريكا” سوء فهم لوضع الولايات المتحدة الصعب خارجياً
واشنطن-(د ب أ):
أدلى الرئيس الأمريكي جو بايدن بخطاب في مقر وزارة الخارجية مؤخرا حدد فيه الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية لإدارته الجديدة. وكانت الفكرة الرئيسية للخطاب هي ” عودة أمريكا”.
وتناول بايدن في خطابه قضايا رئيسية تتعلق بالسياسة الخارجية لبلاده خلال ولايته، حيث تحدث عن العلاقات مع الصين وروسيا وأوروبا، وعودة بلاده إلى اتفاقات دولية وعالمية كان سلفه دونالد ترامب انسحب منها. غير أنه لم يذكر قضايا أخرى ذات أهمية كبيرة، مثل الوضع في أفغانستان وسورية والعراق.
ويرى الباحث والكاتب ويليس ل. كرومهولز، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية أن خطاب بايدن كشف عن سوء فهم للعديد من الأمور المتعلقة بوضع الولايات المتحدة الخارجي.
وتضمن الخطاب خطط بايدن لعودة بلاده إلى الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية، واتفاق باريس للمناخ لعام 2015، وإلى منظمة الصحة العالمية.
وفي ما يتعلق بأوروبا، أشار بايدن إلى أنه سيسعى إلى العودة إلى الوضع الذي كان عليه الحال قبل سلفه ترامب فيما يتعلق بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووعد بإعادة بناء “قوة التحالفات الديمقراطية التي أصابها الوهن خلال الأعوام القليلة الماضية بسبب الإهمال وسوء الاستعمال” ، على حد قوله، وتعهد أيضا بوقف “أي انسحاب مقرر للقوات الأمريكية من ألمانيا”.
ووصف بايدن الصين بأنها “منافسنا الأكثر خطورة”، ولكنه ركز في الجزء الأكبر من كلمته على روسيا، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ستكون أكثر شدة تجاه الكرملين وستتوقف عن “التراجع في مواجهة الأعمال العدوانية لروسيا”.
ويقول كرومهولز إن بايدن تعهد أيضا بأن توقف بلاده الدعم للحرب في اليمن، والتي أودت بأرواح أكثر من ربع مليون شخص، وهو أمر صائب من جانبه حيث إن تورط الولايات المتحدة في الصراع يعتبر “وصمة أخلاقية”.
كما رأى الباحث أن من الصواب أيضا أن يسعى بايدن إلى الوفاق مع إيران، التي لا تشكل تهديدا للولايات المتحدة، ولكنها فقط تهدد القوات الأمريكية التي تضعها واشنطن قريبة من شرق إيران وغربها، أي في العراق وأفغانستان. وقال إن الاتفاق النووي مع إيران كان معيبا على نحو كبير، ولكن لا يجب على أمريكا أن تقحم نفسها في الحرب الدائرة على مدار 1400 عام بين المسلمين الشيعة والسنة ، فمثل هذا التدخل ليس ضروريا في ظل ما تتمتع به الولايات المتحدة من استقلال في مجال الطاقة.
وبالنسبة لعلاقة أمريكا مع حلفائها داخل الناتو، يرى كرومهولز أن بايدن سيخطئ إذا لم يواصل سياسة سلفه ترامب في الضغط على أوروبا لتحافظ على التزاماتها في إطار الحلف، وأن أمريكا ترتكب خطأ بدعمها الجانب الدفاعي لألمانيا، التي تعقد صفقات في مجال الطاقة مع روسيا، وهي التي يفترض أنها تمثل التهديد الذي تواجهه برلين.
ووصف التقرير لغة الخطاب التي اعتمدها بايدن بشأن روسيا بأنها “ساذجة”، حيث إن إدارة ترامب “لم تستسلم” أبدا لروسيا، بل كانت، بكل تأكيد، أكثر عدوانية تجاهها مقارنة بإدارة أوباما. وليس من قبيل الصواب أن تلجأ إدارة بايدن إلى تصعيد الموقف مع روسيا. ولحسن الحظ، وافقت إدارة بايدن واقعيا على تمديد معاهدة ’ستارت‘ الجديدة بين البلدين، لحماية الاستقرار النووي، وهو أمر سارت فيه إدارة ترامب ببطء.
ورغم هذا، فإن سياسة بايدن الخارجية سوف تكرر في نواح كثيرة أخطاء العقدين الماضيين. وكان أمرا ملحوظا أن بايدن لم يتطرق في خطابه إلى أفغانستان، حيث توجد قوات أمريكية هناك منذ حوالي عشرين عاما، وحيث لم يشهد الموقف على الأرض تغيرا منذ حوالي عشرة أعوام. ولم يتطرق بايدن كذلك إلى العراق أو سورية أو عشرات من الدول الإفريقية، حيث هناك وجود عسكري لأمريكا التي تشارك في عمليات قتالية فيها.
ويقول كرومهولز إن إدارة بايدن تخطط بوضوح للاحتفاظ بقوات في هذه الدول، وربما تعزز وجودها الخارجي، وإنه يغيب عن بايدن تماما أن أمريكا تتحمل فوق ما تطيق، فمن المعروف أن الهدف من الاحتفاظ بقوات أمريكية في ألمانيا هو السماح باستمرار العمليات في الشرق الأوسط. ولكن ليس على هذه القوات تحديد الفائز والخاسر في صراعات المنطقة. وفي سورية، حاولت أمريكا سرا الإطاحة بنظام بشار الأسد المتحيز للشيعة، مما فتح الباب على مصراعيه أمام مزيد من المتطرفين من السنة مثل نظامي داعش والقاعدة. ويتوق الشعب العراقي إلى رحيل القوات الأمريكية عن أراضيه.
ولا يقتصر الأمر على تورط واشنطن بشكل غير لائق في الصراعات الإقليمية، ولكن صناع السياسة الأمريكية يحاولون استخدام مظاهر الخلل والفوضى لتشكيل دول فاعلة، على شاكلة أمريكا: ويقول الباحث “لقد أدركنا طوال سنوات أنه ليس من الممكن الانتصار في الحرب في أفغانستان، ورغم هذا، يفضل صناع السياسة الأمريكية التضحية بمزيد من الجنود على الإقرار بالهزيمة، كما كان الحال في فيتنام”.
ويقول كرومهولز في ختام تقريره إن السياسة الخارجية التي تضع الأمريكيين في المقام الأول، لن تعود إلا حين تصبح واشنطن أكثر تحفظا، وإنه يتعين على صناع السياسة وقف الاحتلال الذي لا نهاية للشرق الأوسط، ومنح الأولوية للمصالح الأمريكية، وليس لصورة القوة العالمية التي تعمل من أجل الهيمنة الليبرالية.
كما يجب على الرئيس بايدن البدء بالانسحاب من أفغانستان، والدفع باتجاه مزيد من الدبلوماسية مع روسيا، وأن يطلب من أوروبا أن تدفع حصتها العادلة من نفقات الدفاع. وربما يفلح بايدن في تصحيح بعض الأمور، غير أنه إن لم يتعامل مع هذه المشكلات الكبيرة، ستستمر السياسة الخارجية الأمريكية على نفس المسار الذي قاد إلى الفشل مرة بعد مرة.