تسابقت منصات عالمية كثيرة إلى تهنئة دولة الإمارات العربية المتحدة بوصول مسبار الأمل إلى مدار كوكب المريخ، كان أجملها برأيي تلك التي قدمتها وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” من خلال بيت شعر من إحدى قصائد الشاعر العربي أبوالطيب المتنبي وهو “إذا غامرت في شرف مروم .. فَلا تقنع بما دون النجوم”. وظني أن من صاغ هذه التهنئة إما عربي أو مطلع على ثقافة العرب وتوأمة تلك الثقافة مع الشعر واللغة وإلا لما وقع اختياره على هذا البيت البليغ والمتنبي الذي يُعد من أعلام الشعر العربي. والنتيجة أن توشح مسبار الأمل – الرامي إلى دراسة أسباب تلاشي الطبقة العليا للغلاف الجوي للمريخ واستكشاف أسباب تآكل سطحه وغيرها من الأهداف العلمية البحتة – برداء الشعر والحكمة العربية.
وتختزن قصائد العرب منذ الجاهلية الكثير من ديناميكيات القيادة المؤصلة في الثقافة العربية والتي تُختزل غالبا في مجرد ذكر الفضائل العربية مثل الكرم ومغفرة الأخطاء والتسامح بحق الضعفاء وكرم الضيافة. والحقيقية أن الحكمة العربية التي أودعها الشعراء العرب في قصائدهم تعكس ضوابط قيادية كثيرة لا سيما تلك التي تصيغ علاقة القائد بأتباعه أو صقل الهوية الثقافية العربية. ويشير الكثير من علماء القيادة إلى تزايد أهمية قضايا الهوية في ديناميكيات القيادة لا سيما في بيئات العمل ذات العولمة المتزايدة مؤكدين أن تنوع أماكن العمل لا يؤدي فقط إلى جلب قضايا قيادة الهوية إلى دائرة الدراسات القيادية، بل يكشف أيضاً تعقيد بناء الذات اجتماعياً وتنظيمها والحفاظ عليها.
وفي ذات السياق يشير العلماء أن هذا التعقيد يكشف أيضاً أن عمليات الهوية الأساسية والمتداولة في النظريات التقليدية لم تعد كافية لاستكشاف مثل تلك القضايا ومن هنا يمثل إضافة البعد الثقافي لفهم تلك القضايا مصدراً مبتكراً وواعداً لرؤى وتصورات بحثية جديدة. ومن المفاهيم المندرجة في هذه الإضافة ما يعرف بـ “مرويات القادة” وهو مفهوم يعود إلى الأساطير القديمة في الصين أو إفريقيا أو الهند أو مصر باعتبارها أماكن وعي ذاتي وتاريخي للهوية ويمكن هنا إدراج الشعر العربي لانطباق ذات التعريف عليها. ويرتبط بمرويات القادة مفهوم آخر هو “ميميات القيادة” بمعنى المرويات الخاصة بنماذج القيادة الأولية كجزء من بقاء المجموعة، وذلك بربط المنظورات التاريخية في تلك الميميات بنظائرها المعاصرة لابتكار نماذج قيادة معاصرة لا سيما من أجل تفعيل القيادة في أوقات الأزمات.