في عام 1943 ولد الميثاق الوطني اللبناني على يد الرئيس بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح، الذي نص على تخلي المسلمين في لبنان عن مطلبهم بالوحدة مع سوريا مقابل تخلي المسيحيين في البلاد عن مطلبهم في الحماية الأجنبية. هذه المعلومة أعرفها منذ أن كان عمري 12 عاما، ومن هنا تولدت في بالي فكرة بأن العلاقات السورية – اللبنانية كانت أكثر من جيدة بل وصلت إلى حد أنها كانت رائعة وارتسمت أمامي كلمة الرئيس الراحل حافظ الأسد وهي: شعب واحد في دولتين. ولكن هناك سؤال مهم يجب أن نفكر به من مزق هذه الصورة؟ لماذا هذه العنصرية المقيتة بين البلدين؟
منذ أيام خرجت احدى رائدات الصحافة الصفراء في الوطن العربي بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص لتهاجم السوريين وتقول أنها تقرف منهم في لبنان وتعتبر أن المواطن اللبناني الذي هو ضمن الـ 10,452 كيلومتر مربع هو انسان حضاري ومثقف ويغتسل يومياً وينظف اسنانه، أما السوري الذي هو على حدود هذه المساحة هو إنسان قذر لم تصل إليه ثقافة النظافة والاستحمام، هذا الأمر يدفعنا للسؤال لماذا وصلنا إلى هنا؟ لماذا وصلنا إلى هذا الإنحدار الإنساني والأخلاقي والثقافي والديني ايضاً؟
بالمقابل الهجوم السوري على وسائل التواصل الإجتماعي عليها كان كبيراً وكبيراً جداً وربما نتفهم هذا الأمر لأن من بديهيات الرياضيات الحياتية قانون نيوتن الثالث أو ما يسمى بقانون رد الفعل والذي ينص على أن “لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ويعاكسه في الاتجاه”، وبالتالي هذه الهجمة مفهومة ولكن غير مفهوم هو استحضار التاريخ السيء بين البلدين والحديث به والذي كان في حرب لبنان وما تبعها حتى الإنسحاب السوري في عام 2005.
السوريون المؤيديون للدولة والمعارضون لها في أي حادثة عنصرية في لبنان أول كلمة يقولونها هي “الله يرحم أيام غازي كنعان ورستم غزالة” “الله يحكمنا فيكن اسبوع بس مثل التسعينيات”. يترحمون على تلك الأيام وكأنها كانت أيام الخلفاء الراشدين، وكأن هذان الإثنين كانوا من أعدل خلق الله وأكثرهم ايماناً واحساناً إليه، ونسوا أو تناسوا الفساد الذي فعلوه في لبنان، والشخصيات السياسية التي اوصلوها الى مناصب عالية وهذه الشخصيات هي أول من انقلب على الدولة السورية بعد عام 2005، من يترحمون على تلك الأيام تناسوا التجاوزات الكبيرة التي قام بها كنعان وغزالة في لبنان رفقة عبد الحليم خدام ومصطفى طلاس وأبناءه مناف وفراس، اضافة إلى أن هناك عناصر وضباط في الجيش السوري في لبنان قاموا بفساد وانتهاكات لا تقبل بها القيادة في دمشق ابداً، وقد تم محاسبة عدد كبير منهم على خلفية تلك التجاوزات. وبالتالي هناك سؤال يطرح نفسه هل يجوز لأحد أن يطالب بالدخول الى أراضي دولة أخرى فقط من أجل تصفية ثأره العنصري مع أحد؟ هل يجوز الترحم على أيام الفساد في دولة أخرى ومسؤولين فاسدين في دولته هم من صنعوه؟
أما اللبنانيون ليسوا حمائم سلام ايضاً ويومياً هناك أحداث عنصرية بحق السوريين لديهم وجزء كبير ينظرون اليهم وكأنهم بشر درجة ثانية، وهناك اصدقاء قالوا علانية لي بأن ما يحصل هو جزء بسيط من رد دين الثمانينات والتسعينيات للسوريين، فهل يجوز رد الدين على مدنيين لا ناقة لهم ولا جمل بما فعله البعض في لبنان بتلك الحقبة؟ ولو عدنا بالذاكرة الى الوراء من اوجد هذه السلطة الكبيرة لغازي كنعان ورستم غزالة في لبنان ومن سمح لهم بالتجاوزات؟ اليست القيادات اللبنانية هي التي كانت تسمح لهم بهذه التجاوزات مقابل منافع خاصة، فلماذا لم يتوجه رفيق الحريري أو وليد جنبلاط أو امين الجميل الى دمشق لينقلوا للرئيس الراحل حافظ الأسد تجاوزات البعض في لبنان؟ وفوق كل هذا هل ننسى دور فريق 14 آذار في الحرب على سوريا؟ خصوصاً سعد الحريري وعقاب صقر ووليد جنبلاط وسمير جعجع؟ هل ننسى “جيش الست” وأقصد هنا بهية الحريري وجنودها الذين ارسلتهم للقتال في سوريا؟ بالمقابل يجب ان لا ننسى دماء شهداء المقاومة اللبنانية الذين قدمت لسوريا اثناء حربها ضد الارهاب.
الدولة السورية والجيش السوري قاما بإنجازات كبيرة في لبنان اثناء التواجد هناك، أهمها حماية البلاد من التقسيم الطائفي وإنهاء الحرب الأهلية، ثم بناء الجيش ومخابرات على طريقة صحيحة وسليمة تمنعه من التفكك أو الوقوف بجانب اي طرف من الطوائف المتعددة في البلاد إن حصلت حرب اخرى لا سمح الله، بالإضافة الى ذلك تم على يد أجهزة الأمن السورية تأسيس جهاز الأمن العام في لبنان، الجهاز الذي يتفاخر فيه جميع اللبنانيون، الجهاز الذي احبط معظم العمليات الارهابية في البلاد، وفوق كل هذا احتضنت دمشق المقاومة اللبنانية التي حررت أراضي البلاد في عام الالفين وانتصرت في حرب تموز 2006 وتُشكل الان الرعب الحقيقي لكيان الاحتلال الاسرائيلي، وقدم الجيش السوري عشرات مئات الشهداء والجرحى خلال الحرب الأهلية اللبنانية. فهل يجوز نسيان كل هذا وتذكر مساوئ رجلين فقط؟ والسوريون هل ينسون فيروز والرحابنة وجبران وزياد وجورج خباز، ويترحمون على شخصين هم اساساُ جلبوا الخراب والفساد الى سوريا قبل لبنان؟
نحن بحاجة لإعادة رسم العلاقة بين البلدين على استراتيجية جديدة عامودها الفقري أنهما بلدان وشعبان مختلفان يحترمان بعضهم وارثهم التاريخي والعقائدي، أما فكرة “سوا ربينا” لم تعد صالحة للعمل الان، لأن الشعب السوري نفسه يمارس الآن العنصرية على أبناء وطنه وكذلك اللبناني، لذلك من الضروري الفصل في العلاقة بين البلدين، وان كان لدى لبنان اليسار ملكة صور فلدى سوريا زنوبيا ملكة تدمر، وكفى الله المؤمنين القتال، ولكم دينكم ولي دين.
في النهاية لدي تساؤل هل الحضارة الآرامية وحضارة إبلا ومملكة ماري والحضارات السامية القديمة وقفت عند حدود سوريا فقط؟ وهل الحضارة الفينيقية وجدت في لبنان فقط؟ هل سايكس بيكو كانوا موجودين قبل اكثر من 4000 سنة قبل الميلاد حتى يقسموا هذه الحضارات على سوريا ولبنان، ويمنعوا الآراميين من دخول لبنان، مقابل منع الفينيقيون من دخول سوريا؟ وبالتالي عندما قال الخالد حافظ الاسد: شعب واحد في دولتين. كان صحيحاً لكننا نحن من فرق بين الشعبين.