مريض عمره 35 عاماً ينجو في معركة مع نوعين منفصلين من السرطان ويوجه رسالة عاجلة للمجتمع
أبوظبي-الوحدة:
أدى تَوَرُّم مؤلم في رقبة مريض، يقيم في أبوظبي، إلى تشخيص إصابته بنوعين منفصلين من السرطان في الوقت نفسه؛ وهذا تشخيص نادر جعله يدخل في معركة مع المرض، استغرق التغلُّبُ عليها 15 شهراً.
في أبريل 2019 ، لاحظ سَجَّاد تورمًا مؤلمًا في قاعدة رقبته، (والاسم “سَجَّاد” هو اسم مستعار). يعمل سَجَّاد في قطاع النفط، في أبو ظبي، ويبلغ من العمر 35 عامًا. وعلى الرغم من تناوله الأدوية المضادة للالتهابات، إلا أنه لم يلاحظ أي تحسن خلال الأسابيع التالية. ونتيجة لذلك، اقترح طبيبه أن يأخذ خزعة من تلك المنطقة (أي: من قاعدة رقبته).
يقول سَجَّاد: “عندما عدت إلى طبيبي شاكياً من أن حالتي لا تتحسن، أخبرني أن الورم الذي أعاني منه تنخفض احتمالات تطوره لتورم خطير، ولكن من الأفضل أخذ خزعة منه. إذا نظرنا للوراء، لم أكن أتخيل أبدًا أن يشخص الطبيب حالتي على أنها إصابةٌ بنوعين مختلفين من السرطان، لا نوعاً واحداً.”
أشارت نتائج خزعة سَجَّاد إلى إصابته بسرطان الغدد الليمفاوية اللاهودجكينية، وهو نوع من سرطان الدم. وبعد الاطلاع على التشخيص، أمر فريق الرعاية الطبية الذي كان يتابع حالة سَجَّاد بإجراء فحص التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET) لجسمه كاملاً، للتأكد من أن السرطان لم ينتشر إلى أجزاء أخرى من جسمه. وأظهر الفحص أن السرطان لم ينتشر؛ وأظهر أيضًا منطقة أخرى من الخلايا السرطانية، في المستقيم. وفي هذا دلالة على أن سَجَّاد كان يعاني من سرطان القولون و المستقيم أيضاً.
يشرح هذا الأمر الدكتور شفيق صيداني، جراح القولون والمستقيم في مستشفى “كليفلاند كلينك أبوظبي”، جزء من مبادلة للرعاية الصحية، قائلاً: “عندما ظهر فحص التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني الذي أجراه الأطباء لسَجَّاد، كان في الفحص منطقة ساطِعٌ لونُها، وهي إشارة لوجود الورم الليمفاوي. ثم أكدت فحوصُ المتابعة التي أجريناها لسَجَّاد، ومنها تنظير القولون، أننا نتعامل مع سرطان المستقيم، وسرطان الغدد الليمفاوية، وهذا أمرٌ نادرٌ جداً، خاصة مع شابٍّ في مُقْتَبَل حياته. فتناقشنا مع طبيب الأورام الذي يتابع حالته، ووضعنا خطة علاج متكاملة، نداوي بها كلا النوعين من السرطان.”
كشف فحص التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني والتصوير بالرنين المغناطيسي أن السرطان قد أصاب عقدة ليمفاوية بالقرب من المستقيم. ثم أظهرت خزعةٌ من داخل المستقيم، أُخِذَت بالموجات فوق الصوتية الموجهة، أن الخلايا كانت، على وجه التحديد، خلايا سرطانية في المستقيم، ولا علاقة لها بورم الغدد الليمفاوية السرطاني. وهذا يعني أن السرطان قد بدأ ينتشر. اختار فريق الرعاية الطبية الذي يتابع حالة سَجَّاد أن يبدأ علاج سرطان الغدد الليمفاوية، بالعلاج الكيميائي، متبوعًا بدورة علاجية من العلاج الإشعاعي لكلٍ من سرطان الغدد الليمفاوية، وسرطان المستقيم.
يقول سَجَّاد: “كان عليّ أن أوازن بين آلام المرض، والآثار الجانبية للعلاج، وعملي، وأسرتي. وبدت تلك الموازنة وكأنها مهمّة شبه مستحيلة. لقد كان وقتاً عصيباً حقّاً. فأنا ما زلتُ في مقتبل حياتي الأسرية، وعلاجات السرطان هذه، تجعلك تشعر بالفَزَع. وكنتُ كلما شعرت أنني تعافيت من الآثار الجانبية لجلسة من جلسات العلاج الكيماوي، يكون موعد الجلسة التالية قد حان. ومع ذلك، كان الدعم الذي تلقيتُه من الفريق الطبي في مستشفى “كليفلاند كلينك أبوظبي” هو الذي أخذ بيدي إلى بر الأمان.”
بعد أن أكمل سَجَّاد علاجه الكيميائي والإشعاعي، بدا أن سرطان الغدد الليمفاوية الذي أصيب به، كان في حالة خمول. فانتقل فريق الرعاية الطبية إلى المرحلة النهائية من علاج سرطان المستقيم، وهي عمليةٌ جراحيةٌ، الغرضُ منها استئصال المستقيم مع العقدة الليمفاوية التي سبق أن حددها الأطباءُ.
يقول سَجَّاد: “أختي طبيبة، وتعمل في الولايات المتحدة، وقد تابعتني عن كَثَبٍ، في كل خطوة من خطوات علاجي. وعندما حان وقت الجراحة، أصرت على أن لا أفكر في أية طريقة أخرى للعلاج إلا في الجراحة الروبوتية، لأنها عملية تُجرى بأقل درجة من درجات التدخل الجراحي، ويتعافى المريض بعدها سريعاً. وبعد تجربتي مع العلاج الكيميائي والإشعاعي، رَاقَ لي هذا الخيار. ومن حسن الحظ، أن الدكتور صيداني وافقني الرأي على أن هذه الطريقة من العلاج ستكون هي الأفضل تلبيةً لاحتياجاتي.”
بعد جراحته الناجحة، استخدم سَجَّاد جرابَ فَغْرٍ مؤقتاً، في فترة تعافيه. ثم الآن، وبعد جولة أخيرة من العلاج الكيميائي، أصبح سَجَّاد خاليًا من السرطان، وأعيدت فغرةُ الأمعاء الدقيقة إلى موضعها، وآن له أن يكون قادرًا على التركيز على عائلته ومستقبله.
ويختتم سَجَّاد تعليقه قائلاً: “حين تمر بك تجربة كهذه، فإنها تجعلك تتأمل، وتفكر فيما هو مهم لك في حياتك. فأنا الآن، أحاول أن أعيش حياة أكثر صحة من ذي قبل، فأتجنب الوجبات السريعة، وأمارس المزيد من الرياضة. ورسالتي إلى الجميع هي: أن ابذلوا ما في وسعكم، لتحموا أنفسكم – بالفحوص الطبية والحفاظ على صحتكم.”
ويعلق الدكتور صيداني، في الختام قائلاً: “لقد كان سَجَّاد بطلًا حقاً طوال رحلته. ولربما كان لتشخيص حالته طبياً أثرٌ ساحقٌ عليه، ولكنه صَمَدَ، وواجه الأمر بثباتٍ، وتعافَى بشكل رائع. وتشخيص سرطان الغدد الليمفاوية لديه، قاد الأطباء إلى اكتشاف سرطان المستقيم، ولعل هذا هو الجانب المشرق، في هذه الحالة. فاكتشاف السرطان مبكراً، أتاح لسَجَّاد فرصة أفضل للتعافي من هذين السرطانين، على النحو الذي حققه.”
هذا، ويوصي الأطباء بأن يبدأ الناس، في دولة الإمارات العربية المتحدة، في فحص سرطان القولون، بشكل منتظم، في سن الأربعين. وأما من يكونون عُرضةً أكثر لخطر الإصابة بالسرطان، فيجب عليهم أن يبدأوا الفحص في سن أصغر من ذلك. وكل من تظهر عليه الأعراض، تجب عليه استشارة الطبيب في أسرع وقت ممكن، أياً ما كان عمره.