المعمر الراحل حميد بن سيف راشد النداس الكتبي ــ 130 عاماً من العطاء والكفاح
بقلم /أنور بن حمدان الزعابي ــ كاتب وشاعر إماراتي
حوارنا هذا كان قبل ربع قرن ونيف مع عميد عشيرة النداس الكرام في الذيد .
وقد بلغ بذاك الزمان من العمر عتياً أي مايوازي مائة وثلاثون عاماً.
وكان الشيخ في كامل حواسه وإدراكه لمن حوله وكان يحمل ذاكرة قوية أخبرنا من خلالها عن حياة البادية وجزء من ذكرياته.رحم الله الراحل حميد بن سيف بن راشد النداس الكتبي.
للماضي ذكريات جميلة وعطرة لدي كبار السن تشعرهم بالحنين والشوق إلى أيام الطفولة والصبا تلك الأيام والليالي التي رسمت في صفحاتها أحلى وأمر الذكريات فجعلت من الجيل القديم رجالاً لهم بصماتهم الواضحة على تاريخ هذا الوطن.
والمعمر حميد بن سيف بن راشد النداس الكتبي البالغ من العمر مائة وثلاثون عاماً رحمة الله عليه هو أحد الأشخاص الذين لهم ماضي عريق وبصمات مشهودة على هذا الوطن المعطاء. فكان لنا معه هذا الحوار رغم ثقل سمعه وصعوبة الاستماع إليه. في واحة الذيد الغناء وفي شعبية النداديس الشماليه كان الشيخ الوقور المسن حميد بن سيف النداس الكتبي في منزل ولده سالم ولمحته جالساً في ظل نخلة شماء بساحة المنزل يرتشف القهوة العربية الأصيلة وبجانبه صحن مليء بالتمر.اقتربت منه مسلماً عليه وكان برفقتي ولده سالم فرحب بي وأصر علي اصطحابي إلى المجلس رغم شاعرية المكان ولم يكن لنا مخالفة لراي الشيبة .
حياة الطفولة والصبا
في الماضي القديم كانت البوادي في الإمارات متناثره في الصحراء والبراري الشاسعة من الظيت على ساحل جزيرة زعاب شمالاً حتى الخران والحمرانية والساعدي والفلج والذيد والمدام ومليحة والشويب وتتجه غرباً إلى العوير والمرموم وجنوباً إلى العين وحفيت. وكانت حياة البادية صعبة ومحفوفة بالمخاطر وكثيرة الشظف وتربيت في كنف الوالد الذي علمني ركوب المطايا وترويضها وبعضاً من ملامح الفروسية والرماية وكنت اشتغل في التحطيب والصخام أي الفحم وكنا نبيعه في المدينه التي كانت تبتعد عنا مسيرة أسبوع أو خمسة أيام خاصه في الشارقة ودبي وراس الخيمة. واذكر أنني قطعت المسافة بين الذيد والشارقة في يوم وليلة وكان ذلك منذ سنوات.
العمل والتنقل على ظهور المطايا
أتذكر أنني كنت أملك عدداً لا بأس به من المطايا والنوق الأصيلة وكنت جرياً أي أنقل عدد من العوايل والقبائل الساحلية من الشارقة والذين كان بعضهم يصيف في الذيد وكلباء ، كذالك نقلت عدداً من عوائل قبيلة الزعاب في جزيرة زعاب براس الخيمة وكانت الأجرة زهيدة جداً، خمس أو ست روبيات أو عيش وقهوة وطحين
وكان السفر يستغرق عدة أيام بلياليها حيث كانت هذه الأسر كغيرها من الأسر في المنطقه قديماً تحرص على قضاء فترة الصيف في الأرياف مثل أرياف الذيد وكلباء . وكذلك أرياف قرية خت براس الخيمه. وعملت كذالك في دبي حوالي خمسه وثلاثون عاماً واشتغلت في مزارع الشريعة بالذيد وخاصه النخيل التي تنتج أطيب التمور من الرطب الجني واشتغلت كذلك في حفر الآبار واذكر طوى طش الروائح حفرها بن خصيف وطوى جمعه بن مطر. وكنت أروي الناس بالماء
على ظهور الحمير أو الركاب وكانت الحياة في الماضي رغم صعوبتها وقسوتها حياة اجتماعية دافئة وكان التقارب واضحاً بين الأهل والأقارب.
الحياة الاجتماعية:
يقول المعمر حميد الكتبي: تزوجت مرتين واذكر أن عمري كان خمسة عشر عاماً عندما تزوجت للمره الأولى ورزقت من زوجتي الأولى
عدداً من الأولاد والبنات وعاشت معي أربعين عاماً وطلقتها وكان ذالك الزمن زمن الشدة ومحن الحياة وكان عمري تقريباً في ذالك الوقت ستين عاماً وتزوجت الثانيه وأنجبت منها عدداً من الأولاد والبنات. وكان مهر الزوجه الأولى 100 روبية ، أما مهر الزوجه الثانية فقد كان ناقة مدني. وعقرت في العرسين عدداً من الجعادين والذبايح وكان العرس طرب وصيت وسمعة يتناقلها البدو عرب القوافل
وكان هناك عدد من المراكيض الصباحية وكانت الشارة أي الجائزة بسيطة جداً
وكان ذلك في زمن على بن هويدن الكتبي شيخ قبيلة بنى قتب.
ملامح من حياة الماضي
يقول المعمر حميد النداس الكتبي : في حياتي الماضية لم أذهب إلى أي طبيب
ولم أشعر والحمد لله بأية عارض مرضي ولكن منذ عدة سنوات قليلة كنت أتردد على الطبيب في زيارات بسيطة. غذائي الروب واللبن والسمن البقري والرز واللحم وكانت صحتي أحسن بكثير من هذا الزمان. اذكر أن أول من أحضر سيارة إلى واحة الذيد شخص يدعى حمد القابض. كنت أملك عدداً من الأسلحة القديمة مثل الصمع واليازر وكان سلاحى لا يفارقني أبداً.
الذيد في الماضي
الذيد قديما كانت عبارة عن واحة صغيرة وبسيطة وهي قرية تسكنها العديد
القبائل مثل بني كتب والخواطر والطنيج وبعض الناس الذين قدموا اليها كي يعملوا في مهن وحرف بسيطية كالبيادير وعملهم في المزارع والصناع
وهم من يصنعون الديسان وأدوات الزراعة مثل المناجل وغيرها.وكانت الشريعة التي تسقي النخيل قادمة من الشرق وهذه المزارع ترتوي منها وتنتج أطيب أنواع الرطب.ولم تكن الكهرباء موجودة وكان الناس في فرجان وتجمعات سكانية متباعدة بعض الشئ ويعتمدون على الطوى أي الآبار في سقياهم وسقيا مواشيهم.
رحم الله الراحل المعمر سيف بن راشد النداس.