التطوير القيادي في مؤسسات التعليم العالي

بقلم/ دكتورة فاطمة محمد خميس

 

لا تتوقف الجهود البحثية عن تقديم الجديد في فهم واستحداث برامج التطوير القيادي ومنها برامج تطوير القيادات في مؤسسات التعليم العالي. ومن الأطر النظرية الجديدة المطروحة في هذا المجال ما أصبح يعرف باسم “القيادة عبر الكليات” / Transcollegial Leadership. والفكرة الأساسية في هذا الإطار يقوم على تطوير شبكة علاقات منهجية بين قادة الكليات المختلفة في كل جامعة بهدف تبادل المواهب والمهارات المتنوعة لمنسوبيها. وتتمحور رؤية هذا الإطار في أن مسؤولية تحقيق رؤى ومهام الكليات والجامعة هي مسؤولية جماعية ولا تنحصر في جهود فردية. ويعلّل الباحثون أن هذه الرؤية تختلف عن استراتيجيات التطوير التقليدية في مؤسسات التعليم العالي والتي اتسعت مسؤوليتها لتشمل تطوير مهارات أكثر حداثة تمكن الأفراد من مواكبة التغييرات المتسارعة والشائكة حولهم.
ومن أمثلة تلك المهارات الجديدة مهارات صنع القرار، ومهارات مواكبة التغيير، ومهارات التأقلم مع ضغوط العمل، ومهارات القيادة الذاتية، ومهارات توجيه العلاقات مع الأقران والطلاب، ومهارات إدارة التنوع الثقافي السائد في أغلب مدارس وجامعات اليوم. ولذلك يحث العديد من الباحثين المهتمين على تبني أطر علمية حديثة ونقدية في تطوير تلك الاستراتيجيات، بمعنى أنها تراجع تقاليد التفكير العلمي السائدة وتعيد النظر في الهياكل النظرية التي تقوم عليها. وهي مهمة ليست بالسهلة فهذه الهياكل قد ترسخت على مدى عقود طويلة وحشدُ القناعات لتحريكها يتطلب شجاعة كبيرة إضافة إلى توفير بدائل مقنعة علمياً وعمليا. ورغم النداءات التي تشجع التفكير النقدي في الأوساط البحثية والأكاديمية إلا أن النظريات التي تتبنى منهجية نقدية قليلة لأنها تتطلب سبراً عميقاً في المنهجيات العلمية التقليدية وهي مهمة يتقاعس عنها الكثير من الباحثين لثقل المسؤولية التي تكتنفها.
وتتفق رؤية هذا الإطار وما تمر به مجتمعاتنا من إعادة النظر في الكثير من الاستراتيجيات التنموية لمؤسساتها. وقد أثبتت أزمة الجائحة أهمية المؤسسات التعليمية بشكل خاص وأهمية تطويرها بشكل مستدام لا سيما وأنها مؤسسات يتوقع منها قيادة التطور العلمي والمعرفي في المجتمع. ومع تجدد الاهتمام بدور المعلم في ظل ظروف الجائحة الحالية تبرز الحاجة لتطوير برامج تطوير وتنمية قدرات الكوادر التعليمية وتجاوز البرامج التقليدية التي تقتصر على تطوير المهارات المختصة بأساليب التعلم والتعليم وممارسات الإدارة التقليدية. ولا يعني التجاوز هنا إلغاء البرامج التقليدية بالكلية أو إنكار أسسها النظرية وإنما تحديثها وتجديد رؤاها العلمية والمنهجية بما يتناسب ومستجدات الحياة الحديثة.

fmka@diwanlrc.com