أزمات لبنان المتلاحقة تعرقل مواجهته لجائحة “كوفيد 19”

واشنطن-(د ب أ):
يواجه لبنان أزمات متلاحقة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يؤدي بدوره إلى تعقيد جهود البلاد لإدارة جائحة “كوفيد 19”.

وسلط تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي الضوء على هذ الأمر، حيث أشار إلى أنه يتم تأكيد ما يقرب من 2500 حالة إصابة جديدة بـ “كوفيد 19” في لبنان كل يوم، معتبرا أن هذا الرقم لا يطاق في بلد يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية متزامنة ولا يزال يتعافى من انفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020.

وأوضح التقرير الذي أعدته الباحثة آنا ماكافري،وهي زميلة في مركز السياسات الصحية العالمية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ، والباحث ويل تودمان، وهو زميل برنامج الشرق الأوسط بالمركز، أنه بعد أسابيع فقط من الخروج من واحدة من أكثر عمليات الإغلاق صرامة في العالم، أمرت الحكومة اللبنانية بإغلاق آخر في 3 نيسان/أبريل 2021. واعتبر العديد من اللبنانيين، هذا الإغلاق الأخير، الأكثر صعوبة حتى الآن.

وتم إغلاق محطتين من محطات توليد الطاقة الرئيسية الأربع في البلاد بعد نفاد الوقود مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 22 ساعة. ومنذ استقالة رئيس الوزراء في آب/أغسطس 2020 ، توقفت المفاوضات بشأن تشكيل حكومة جديدة ، وتعثرت حكومة تصريف الأعمال. وتمارس شبكة معقدة من الأطراف الفاعلة الحكومية وغير الحكومية والدولية تأثيرا على الحياة اليومية في لبنان.

هذه التحديات، بحسب الباحثان تودمان وماكفري تجعل لبنان أحد أصعب الأماكن في العالم لإدارة مواجهة جائحة كوفيد 19 وجهود التطعيم، ويحتاج هذا البلد بشكل مُلّح إلى دعم إضافي.

ومع ذلك ،فإنه نظرا لأنه يتم تصنيف لبنان كدولة متوسطة الدخل، وهو تصنيف لا يأخذ في الاعتبار الانهيار الاقتصادي الأخير ، فهو غير مؤهل للعديد من أشكال المساعدات الصحية والإنسانية الدولية.

ويرى الباحثان أنه مما يزيد الأمور تعقيدا أن وزارة الصحة العامة تخضع فعليا لسيطرة حركة حزب الله، المصنفة منظمة إرهابية، لذلك فإن الولايات المتحدة غير قادرة على تقديم دعم مباشر لجهود مواجهة جائحة كوفيد 19 التي تقودها الحكومة في لبنان.

ولدى الكثير من اللبنانيين شعور عميق بعدم الثقة في السلطات والجهات الفاعلة الخارجية ، بما في ذلك الولايات المتحدة ، مما يشكل عقبات إضافية.

ويؤكد التقرير أن المخاطر كبيرة؛ حيث تتفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية ، وتتزايد المخاطر الأمنية. ودعا الولايات المتحدة إلى توسيع دعمها التقني والمالي للوكالات الدولية التي تسد الثغرات الحرجة في مواجهة “كوفيد 19” في لبنان. وأشار إلى أنه يجب أن تعمل واشنطن مع حلفائها الأوروبيين لدعم وزارة الصحة العامة خلال إشرافها على إطلاق حملة التعطيم ضد ذلك المرض.

واعتبر التقرير أن نجاح جهود التطعيم سينقذ الأرواح ويخفف المعاناة ويساعد على منع المزيد من التدهور في بلد على وشك الانهيار.إذ يواجه لبنان أزمات متلاحقة. وتسببت أزمته المالية في خسارة الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها في السوق السوداء منذ كانون أول/ديسمبر 2019. وبعد استنزاف احتياطياته من النقد الأجنبي، يكافح لبنان بشكل متزايد لاستيراد الغذاء والوقود والمعدات الزراعية، كما أنه يخفض الدعم على المواد الغذائية الأساسية.

ويرى ماكفري وتودمان أن خطر انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد آخذ في الازدياد، حيث يعيش أكثر من 50%من الأسر اللبنانية في فقر. وفي الوقت نفسه، تستضيف البلاد أكبر عدد من اللاجئين في العالم، بما في ذلك أكثر من مليون سوري ومئات الآلاف من الفلسطينيين.

وتسبب انفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020 الذي يُعزى على نطاق واسع إلى الإهمال الحكومي، في أضرار بلغت قيمتها 4 مليارات دولار، وشرّد عشرات الآلاف.

كما أن الأوضاع الأمنية تتدهور. وقال القائم بأعمال وزير الداخلية في آذار/مارس 2021 إن الجيش لم يعد قادرا على أداء 90% من مهامه، قائلا إن الوضع الأمني “انهار، وكل الاحتمالات مفتوحة”.

وتصاعد العنف الطائفي بين اللبنانيين والسوريين في الآونة الأخيرة، وانتشرت الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة في جميع أنحاء البلاد.

ويرى الباحثان أن نية إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فيما يتعلق بإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) يمكن أن توّلد المزيد من عدم الاستقرار في لبنان. وقد أدى اغتيال لقمان سليم مؤخرا، وهو من أشد منتقدي “حزب الله” إلى الخوف من أن تلك الحركة قد تزيد من أنشطتها العنيفة لدعم نفوذ إيران في الوقت الذي تبحث فيه إعادة التفاوض على الاتفاق النووي.

وأشارا إلى أن النظام الصحي اللبناني الذي كان قويا، انهار تحت وطأة الانهيار الاقتصادي وكوفيد-19. وفر مئات العاملين في مجال الرعاية الصحية من البلاد في “نزوح جماعي”، غير قادرين على تحمل النقص المزمن في العاملين والإمدادات الطبية الأساسية، والأجور. وألحق انفجار المرفأ في آب/أغسطس 2020 أضرارا بـ 292 منشأة صحية.

ومع تدهور الاقتصاد وتزايد الفقر، أصبحت الرعاية الصحية من جانب القطاع الخاص غير ميسورة التكلفة بالنسبة للكثيرين، مما زاد من الضغط على قطاع الصحة العامة المنهك بالفعل.

والنتيجة هي نظام صحي يعاني من نقص الموارد ونقص العاملين والإرهاق، مما يشكل خطرا ليس فقط على مواجهة كوفيد-19، ولكن أيضا بالنسبة لتوفير الرعاية الصحية الجيدة على نطاق أوسع.

لكن الصورة ليست قاتمة بشكل كامل؛ حيث يقول الباحثان إنه في بلد تتصاعد فيه الأزمة الإنسانية ويضعف فيه نظام الرعاية الصحية، يمكن أن تساعد لقاحات كوفيد-19 في تجنب وقوع المزيد من الكوارث.

وقالا إنه على الرغم من القيود الاقتصادية الشديدة، وقّع لبنان اتفاقات لتأمين 3ر6مليون جرعة من لقاحات كوفيد 19، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الدعم غير المسبوق من المجتمع الدولي.

ومع ذلك، لن تكون صفقات المشتريات المؤكدة في لبنان كافية لتطعيم 80% من سكان البلاد البالغ عددهم 8ر6 مليون نسمة في عام 2021، وهو الهدف المحدد في خطة التطعيم الوطنية، وفقا لما خلص إليه التقرير.