فتى عمره 14 عاماً يصبح أصغر مريض يتلقَّى تبرّعاً بالكبد من متبرع حي

الأخ الأكبر للمريض يقول إنَّ التبرع بجزءٍ من كبده لشقيقه كان أسهل قرارٍ اتَّخذه في حياته على الإطلاق

أبوظبي-الوحدة:
تلقى فتىً يبلغ من العمر 14 عاماً، من شقيقه الأكبر، تبرُّعاً بالكبد، في مستشفى “كليفلاند كلينك أبوظبي”، جزء من مبادلة للرعاية الصحية، ليصبح بذلك أصغر متلقي لزراعة كبد من متبرع حي، في تاريخ المستشفى.
شخَّص الأطباء حالة منتصر الفاتح محي الدين طه على أنه يعاني من رتقٍ في القناة الصفراوية منذ أن كان في طفولته، وهي حالة لا تتمكن فيها القنوات الصفراوية من أن تتكون خارج الكبد أثناء نمو الجنين؛ وهذا يمنع الصفراء من الوصول إلى الأمعاء الدقيقة، حيث تساعد في هضم الدهون. وفي عمر 10 أشهر أجريت له جراحة (كاساي)، وهي جراحة تُجرى لتوصيل حلقة تربط الأمعاء الدقيقة بالكبد مباشرةً، حتى تجد العصارة الصفراوية مجرى تنصرف فيه. وكان أطباء منتصر، في السودان، بلده الأم، على دراية بأن منتصر لابد له من جراحة لزراعة كبد جديد، وأن هذا الأمر ليس إلا مسألة وقت لا غير، فهذه العملية الجراحية هي نتيجة حتمية خضع لها معظم الأطفال الذين أجريت لهم هذه الجراحة.
في وقت سابق من هذا العام، كشفت الأعراض التي ظهرت على منتصر، وفحوصات الدم التي أجريت له أنه بدأ يدخل في مرحلة الإصابة بفشل الكبد، وأنه كان يعاني من ارتفاع ضغط الدم في الوريد البابي، حيث يزداد ضغط الدم داخل الوريد الذي ينقل الدم، من الجهاز الهضمي إلى الكبد، وقد أدى هذا إلى ظهور دوالي المريء. وبالنظر إلى ازدياد مخاطر الإصابة المحتملة بمضاعفات شديدة، فقد أَوصى الأطباء الذين كانوا يعالجون منتصر في السودان بإجراء عملية جراحية لزراعة كبد جديد له، وأن يكون ذلك في مستشفى “كليفلاند كلينك أبوظبي”.
يقول الدكتور لويس كامبوس، مدير زراعة الكبد والقنوات الصفراوية في مستشفى “كليفلاند كلينك أبوظبي”، والذي كان ضمن الفريق الطبي متعدد التخصصات الذي اعتنى بمنتصر، إن هذه كانت من أكثر الجراحات تعقيداً في زراعة الكبد من متبرع حي قد تم إجراؤها في المستشفى.
ويواصل الدكتور كامبوس قائلاً: “وُجِدَت فروق إضافية دقيقة، وجب أخذُها في الاعتبار بسبب عمر المريض، مما جعل الأمر أكثر صعوبة. فعوامل مثل الطول والوزن تؤثر على الجراحة نفسها، وتؤثر على الرعاية الصحية اللاحقة، وهذه العوامل كلُّها تؤثر على تحديد جرعة الأدوية المثبطة للمناعة أثناء عملية الزراعة وبعدها. يُضاف إلى ذلك مخاطر العدوى، وما يكون لها من مضاعفات أخرى، في حالة زراعة كبد للأطفال، وهي مخاطر لا تنطبق على جراحات البالغين.”
درس الفريق الطبي متعدد التخصصات، في مستشفى “كليفلاند كلينك أبوظبي، حالة منتصر، ثم أجرى تقييماً للحالة الصحية لكل من والدة منتصر وشقيقه، لتحديد مدى التوافق بينهم، وكان ذلك في شهر فبراير. وبعد مناقشة متأنية مع زملائهم في مستشفى “كليفلاند كلينك” في الولايات المتحدة، قرر الأطباء هنا أن شقيق منتصر هو المتبرع الأنسب، والأكثر ملاءمةً.
يقول خليفة الفاتح محيي الدين طه: “لقد احتاج أخي الصغير إليَّ. وقد شعرت براحة عميقة حين قيل لي إنني أستطيع أن أساعد أخي في أن أكون علاجه من مرضه الذي أَلَمَّ به. فكان هذا من أسهل القرارات التي كان عليَّ أن أتخذها في حياتي. توفّي والدي منذ ستة أشهر، وبما أنني أكبر أبناء الأسرة، فقد وجب على أن أنقذ أخي. هذه هي مسؤوليتي”.
أما الدكتور شيفا كومار، رئيس قسم أمراض الجهاز الهضمي والكَبِد، في معهد أمراض الجهاز الهضمي، في مستشفى “كليفلاند كلينك أبوظبي”، وكان أيضًا ضمن فريق الرعاية الطبية الذي عالج المريض، فيقول إن واحداً من أكبر التحديات أثناء إجراء جراحة زراعة الكبد في حالة منتصر، كان جراحة (كاساي) التي أجريت لهذا المريض الصغير.
ويقول الدكتور كومار: “على الرغم من أن جراحة (كاساي) هي إجراء جراحي يُجرى عموماً بغرض إطالة المدة التي يحتاج الطفل بعدها إلى زراعة الكبد، إلا أن هذه الجراحة هي عملية كبرى، وتجعل أجراء عملية زراعة الكبد أكثر صعوبةً وتعقيداً”.
“بالرّغم من الصعوبات، كانت العمليات الجراحية لكلا الأخوين ناجحة، وأجريت بلا مضاعفات. تلقى منتصر طُعْماً من نسيج الفص الأيسر من كبد أخيه. هذا الجزء من الكبد أصغر حجماً مما لو كنا نزرع فصاً أيمنَ كاملاً من الكبد. وهذا الإجراء يجعل التبرع أكثر أماناً للمتبرع، ويساعده على التعافي سريعاً”.
والآن، كلا الأخوين في طريقهما إلى التعافي التام. عاد خليفة إلى حياته الطبيعية؛ أما منتصر، فهو تحت ملاحظة فريق الرعاية الصحية، في مستشفى “كليفلاند كلينك أبوظبي” لمتابعة النظام العلاجي المُثَبِّط للمناعة، وهو نظام سيسير عليه منتصر بقية حياته.
يقول خليفة إنه كاد أن يطير فرَحاً، حين قيل له إن الجراحة نجحت. “كان أفضل شيء في رحلة زراعة الكبد هذه أن أرى جسد أخي منتصر وقد تقبَّل العضو الجديد. وأَودُّ، أنا وعائلتي، أن نعبر عن شكرنا وامتنانا لفريق الرعاية الصحية في مستشفى “كليفلاند كلينك أبوظبي”، لإنقاذهم حياة أخي”.
هذا، وقد عبر خليفة عن أمله في أن يفكر مزيدٌ من الناس في التبرع بالأعضاء لغيرهم، وأن يضعوا ذلك في حسبانهم. يقول خليفة: “لا شيء يضاهي إحساسَك الطيب عندما تعطي غيرك فرصةً لأن يعيش حياةً طبيعيةً. فحين ترى أن نتيجة تبرعك كانت ناجحةً، يمتليء قلبُك بالسرور والرّضا”.