بقلم /أنور بن حمدان الزعابي ــ كاتب وشاعر إماراتي
*من خلف التلال والكثبان الرملية الشماء عند أحد نجوع امارة راس الخيمة وبالتحديد في واحة الخريجة البرية كان لنا هذا الحوار التراثي والأدبي عن الحياة القديمة لأهل البر والبادية مع السيد علي بن ماجد الخاطري
ويطيب الحديث بين عطايا الخير من الهجن العربية الأصيلة وبجانب أشجار الغاف العملاقة التي شهدت بعمرها المديد تاريخ ونشوء هذه الحياة على أرض هذا الوطن المعطاء وبين الماضي والحاضر و يكمن الفرق في إطلالته التاريخية و أجوائه العاطفية والنفسية وتغرق معهما الحياة المعيشية هكذا هي وجهة نظر ضيفنا في هذه الزاوية السيد علي بن ماجد
* حياة الطفولة والصبا:
نشأت منذ طفولتي وصباي هاويا للهجن العربية الأصيلة وكانت من افضل الهجن التي مرت على سكان المنطقة لما كانت تمتاز به من أصالة وقوة احتمال وتحمل المشاق واذكر أننا كنا نقطن في واحة المعيشرة البرية شرقي واحة أن الضباء وجنوب شرق « ابن دعيفس ،
وكنت اعمل في تقطيع الأخشاب البرية من أشجار الغاف وأقوم ببيعها في المدينة
وكنا نتاجر على ظهور الإبل مع الوالد وكنت في ذلك الزمن صغير السن
ومن خلال هذه المعايشة اليومية لتلك الحياة اكتسبت معرفة جيدة بأمور وأسرار الحياة البرية في البادية .
فالطفل في البادية كان يشب وينمو وهو حالة عمل متواصل لا يأنس براحة وكان للأهل دور بالغ الأهمية في تعليمه المهن الحرفية والرعي وغيرهما من المهن التي تخلق منه رجلًا قادرا على مواجهة الحياة بصعوبتها وخشونتها القاسية
وقد عملت في رعي الإبل والمواشي مثل الماعز والخرفان وبجانب هذه الأعمال كنت أتدرب على حمل السلاح وخاصة بنادق الكند وأم كسره منها للصيد ومنها لدفع المخاطر والغزاة عن مراعينا وحلالنا من الإبل والمواشي الأخرى كذلك تعلمت حرفة الزراعة وزرعت العديد من الأشجار والخضروات في مزارعنا وحقولنا ، ولاننسى أن لشجرة النخيل فضلاً علينا في هذه الحياة حيث أنها تسد رمق الإنسان والحيوان والطير وهي مباركة من الجميع هذه هي حياتنا وحياة أبائنا وأجدادنا في الزمن القديم.
*التجارة بين البادية والمدينة:
وكما ذكرت فإن تجارة الحطب والمواشي كانت هي المحور الأساسي للحياة في هذه البراري والقفار حيث كنت احتطب من أشجار الغاف الكبيرة واقوم بتجميعها واحملها على ظهور اربعة او ستة جمال كبيرة واذهب بها إلى مدينة راس الخيمة او الى جزيرة زعاب
وابيع الحمولة الواحدة بريالين حيث كنت اذهب ومجموعة من الرجال وكل واحد منا يحمل على راحلته الحطب حيث نذهب من المعبشرة الساعة الثانية ظهراً تقريباً ونقطع البراري والفلوات حتى نصل بعد العشاء قرب قرية الخران وهناك نضع رحالنا ونبيت حتى الصباح ونكمل المسير حتى نصل الديمة في وقت الضحى فنبيع ما معنا من حطب ونشتري بعضا من التمر والرز والطحين وما نحتاجه من مستلزمات ضرورية . وبعدها نعود فورا من حيث جئنا ونحن في مسيرة مباركة وميسرة يسودها الضحك ونقاء النفس والروح.
التنقل والأسفار على ظهور الهجن:
من المعروف في الماضي أنه لم تكن هناك سيارات للنقل سواء لنقل المسافرين أو لنقل البضائع فكانت عادة سكان المدن وخاصة سكان جزيرة الزعاب وهم قبيلة الزعاب يصيفون في الأرياف مثل قرية خت أو قرية كلبا أو قرية العقر او الفحلين والحيل، وكان هناك أصحاب الهجن الذين ينقلون هؤلاء الناس بأمتعتهم من قرية الى أخرى أو من مدينة أو امارة الى أخرى وكان صاحب الهجن يسمى « الجري » . واذكر انني انقل الأسر والعوائل على ظهور المطايا واقطع أیاماً وليالي في هذه القفار حتى اصل بهم الى مقصدهم . حيث كنا نذهب وقت الظهيرة ويسمى هذا الوقت المرواح ونصل الى واحة طوى الشيخ مع وقت المغرب وكانت هد الواحة التي عليها بئر كبيرة من الماء محط او استراحة لجميع الرواحل والقوافل التجارية فتجد الناس في سعادة وانشراح وافراح وبعد المبيت ، في الصباح نصل الى قرية خت، وكانت بعض العوائل من مدينة راس الخيمة تصف في واحة شمل والعريبي منطقة النخيل الحالية لما تضمه هذه المناطق من حقول واشجار نخيل كثيرة .
*سباقات الهجن قديماً:
الهجن العربية الأصيلة كانت الوسيلة الوحيدة للنقل البري ولها الكثير من الفوائد الأخرى مثل الحليب واللحم وغيرها ولما لهذا الحيوان من اتصال نفسي قريب وعاطفي لدى الإنسان على هذه الأرض فقد بات علينا أن نلتزم باتصالنا هذا في أفراحنا وترفيهاتنا كذلك . فقد كانت تقام الكثير من السباقات وكان للسباق طعم خاص جداً وبساطة عفوية ونفسية لها مردود إيجابي على جميع المشاركين وكانت الشارة عند البدو عشر روبيات وكانت قبيلة الزعاب تضع خمس عشرة روبية وكانت تقام السباقات كذلك في الأفراح والأعياد والاحتفالات القبلية وغيرها من المناسبات . وبالمناسبة فإن الهجن الأصيلة السابقة تختلف عن الهجن الحالية وهذا أيضاً يعود لتغير الوقت والزمن حيث أن الطبيعة بما وهبها الله من خير مثل المطر والعشب والزهور كانت مرتعاً خصباً للهجن وسائر الحيوانات الأخرى ولكن الآن الوضع اختلف جداً حيث كثر المحل وقلت الأعشاب البرية وظهرت المواد الغذائية الحديثة التي تطعم بها الجمال .
* الآبار والقنص البري :
في بادية الامارات تكثر العديد من الابار الارتوازية والتي حفرها الآباء والأجداد في الزمن القديم مثلا هناك عند مركاض الهجن بالسوان طوي بو یعلان وطوي الخريجه وحفرها محمد ابو كلال وكانت هذه الآبار يرتوي منها أهل القوافل التجارية وسكان البادية وكانت الابار عذبة الماء وخالية من الأملاح اما القنص البري فقد كنت امارسه منذ زمن بعيد واستعمل في ذلك البندقية مثل الزكتون وام کسرة وكان ذلك عام 1965 واصطاد الحبارى والكروان والراعبي القفاع والصفارد . وعندما رافقت الشيخ محمد بن سالم القاسمي كنا نذهب المقناص في هذا البر والشواهين والصيد في الماء وطرب خاص فيه الكثير من المتعة النفسية والروحية ومازالت حتى اليوم أحمل بندقية الصيد معي واصطاد الطيور والحمام البري والكروان والراعبي والصفارد .
الأعراس والأفراح في الماضي :
للعرس قدیما رونق خاص واسلوب اصيل وعادات وتقاليد اسلامية أصيلة وكانت الناس في الأفراح تفرح من قلوبها دون اي مجاملة وتكون هناك الرقصات والأهازيج والغناء البدوي وكانت الناس تفد من منطقة إلى أخرى وتتحمل عناء السفر في سبيل المشاركة بالافراح . وكانت المساهمة ببعض التمر او الرز او الطحين وكانت تقام بجانب هذه الافراح السباقات ومراكيض الهجن .
الشعر:
الشعر جميل وله حضوره الكبير في البادية وتتناقله الأجيال جيل الى اخر واحفظ الكثير من قصائد الشعراء مثل الماجدي بن ظاهر والشاعر الخضر وهذه قصيدة لأحد الشعراء القدماء حيث يقول في الغزل العذري العفيف:
يا ناس انا ضيعت دربي مع الشوق
وش رايكم في اللي يضيع طريقه
غطى على عيوني سحابا مع بروق
على غزال راح يتبع فريقه
اقفي وخلى القلب مافيه معلوق
والكبد في صدري بوسط الحريقه
السحر من عينه مذاب ومسحوق
يجعل تقی القوم يتبع رفيقه
ان كان يرحمني وعنده لي حقوق
اهوی انایاس من رشف ريقه
الله عطاه الزين ماهوب مسبوق
علا على المجمول مسحة شدوقه
تعليقات الصور:
1-
01
001