أخبار عربية ودولية

انقلاب مالي أفسد على ماكرون جولته في إفريقيا

نيويورك (د ب ا)-

ما كل ما يتمنى المرء يدركه…تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. يصف بيت الشعر هذا من قصيدة للشاعر ابوطيب المتنبي ما واجهه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا. فقد كان يهدف إلى أن يكون شهر أيار/ مايو الجاري هو شهر إفريقيا بالنسبة له، ويمثل فرصة لاستعراض نفوذ فرنسا في القارة- وليس فقط بين مستعمراتها السابقة.
ويقول الكاتب الأمريكي بوبي جوش في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء يوم السبت إنه لسوء الحظ كان الانقلاب الثاني الذي شهدته مالي في أقل من عام تذكيرا محرجا بمحدودية التأثير الفرنسي، والنفوذ الشخصي للرئيس ماكرون في المنطقة. وسوف يهتم الحكام السلطويون في الدول الفرانكوفونية الأخرى بمتابعة ما سيكون عليه رد فعل ماكرون عن كثب. وكان الرئيس الفرنسي ينتظر اهتماما من نوع آخر
ففي مطلع هذا الشهر وعد ماكرون بــ” صفقة جديدة” لإفريقيا أثناء استضافته لقمة باريس لتشجيع توفير التمويل للدول التي عانت من جائحة فيروس كورونا. وحضر القمة حوالي عشرين من رؤساء الدول الإفريقية، ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ، ووزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، ونائب رئيس الوزراء الصيني هان تشينج.
وأضاف جوش أنه على الرغم من أن هناك احتمالا ضعيفا بأن تؤدي القمة إلى سد الفجوة التي تواجهها إفريقيا- تقدر جيورجيفا أن القارة تحتاج إلى 345 مليار دولار حتى عام 2023 لمواجهة تأثير الجائحة – زعم ماكرون أن القمة كانت مصدر إلهام لحدوث” تغيير في التفكير”. واستطاع الإشارة إلى بعض الإنجازات المهمة بما في ذلك، تحقيق تأمين إعفاء السودان من الديون، وهو أمر كانت هناك حاجة ملحة له.
وكان ماكرون يأمل أن يشهد، بعد ما أظهره من قدرة على عقد هذا المؤتمر، استعراضا لدبلوماسية يقوم بها على الأرض في رواندا التي زارها مؤخرا ، حيث اعترف بــ” مسؤوليات: فرنسا عن المذابح الجماعية التي شهدتها البلاد في عام1994. ولكن الأحداث التي شهدتها باماكو، عاصمة مالي، خيمت بظلالها على جولته، حيث لدى فرنسا مخاوف حالية ومسؤوليات تاريخية، باعتبارها الدولة التي كانت مستعمرة لمالي في السابق.
وأوضح جوش أن مالي تعتبر دولة مهمة بالنسبة للعملية الفرنسية الطموحة لمكافحة الإرهاب، التي تعرف باسم” عملية برخان”، في الساحل الإفريقي، وهي حزام دول جنوبي الصحراء. وهذه العملية التي دخلت عامها الثامن الآن أصبحت ” الحرب الأبدية” لفرنسا، وهناك ضغط سياسي متزايد على ماكرون لإعادة الجنود الفرنسيين المشاركين في العملية والمنتشرين في المنطقة والبالغ عددهم 5100 جندي إلى فرنسا.
وعندما أرغم العسكريون في آب/ أغسطس الماضي الرئيس المالي بوبكر كيتا على الاستقالة، لم يظهر ماكرون أي انتقاد واضح، ودعا إلى ” عودة الدولة”. وتحت ضغط من قادة غرب إفريقيا ، عين المجلس العسكري حكومة انتقالية ووعد بالعودة إلى الحكم المدني الكامل في غضون 18 شهرا. وعلى الرغم من أن العسكريين ظلوا مسيطرين على الوزارات الرئيسية، بارك ماكرون هذا الترتيب.
ولكن في الأسبوع الماضي، عندما أعلنت الحكومة الانتقالية عن تعديل وزاري تم استبعاد اثنين من أعضاء المجلس العسكري، وقام الجنود باعتقال الرئيس ورئيس الوزراء الحاليين. وتم اطلاق سراحهما لاحقا ، ولكن قائد المجلس العسكري، الكولونيل عاصمي جويتا تولى الرئاسة.
وقال جوش إن ماكرون وصف ما حدث بأنه ” انقلاب داخل انقلاب” وشجع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا( الإيكواس) على ان تتوسط مرة أخرى لعودة السلطة الانتقالية، مضيفا:” إذا لم تنجح في ذلك، فإننا سوف نفرض عقوبات على كل أولئك الذين يمنعون إتمام عملية الانتقال”.
ويرى جوش أن معاداة المجلس العسكري سوف تقوض عمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها فرنسا في مالي وغيرها من الدول. و لابد أن ماكرون يأمل ألا يضطر لتنفيذ تهديده.
يذكر أن مجموعة الإيكواس التي حاصرت مالي بعد انقلاب الصيف الماضي، أرسلت الرئيس النيجيري السابق جودلاك جوناثان إلى باماكو للتعامل مع الأزمة الجديدة. وحتى لو استطاع إقناع جويتا بالتخلي عن الرئاسة، من المرجح أن يحتفظ المجلس العسكري بقدر كبير من السلطة من وراء الكواليس. ومن ناحية أخرى، علقت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التعاون الأمني مع جيش مالي، وهددت وزارة الخارجية الأمريكية بفرض عقوبات” ضد القادة السياسيين والعسكريين الذين يعرقلون الانتقال المدني إلى الحكم الديمقراطي في مالي”.
ويختتم جوش تقريره بقوله إنه رغم تمنى ماكرون النجاح لوساطة الإكواس، سوف يظل مدركا لتأثير الانقلاب على الحكام الآخرين في منطقة الساحل. فإذا ما أفلت المجلس العسكري باغتصابه للسلطة ، فإن ذلك سوف يشجعهم على أن يحذوا حذوه. فكما هو الحال في مالي، هناك حكومة انتقالية يقودها العسكريون في تشاد، التي تعتبر أكثر أهمية بالنسبة لنجاح عملية برخان. فذلك المجلس العسكري الذي يقوده الجنرال محمد إدريس ديبي، وعد بإجراء انتخابات بعد 18 شهرا- ولا أحد يعرف ما إذا كان سيتحقق ذلك، لكن ماكرون صرح بأنه سوف يلزم المجلس العسكري بالوفاء بتعهده. ولا بد أن الرئيس الفرنسي يأمل الآن ألا يتخذ الجنرال التشادي الكولونيل المالي قدوة له.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى