الشاعر والراوية الراحل عبيد بن معضد النعيمي

الردحة والونه والطارج من الفنون التراثية لأهل البر والبادية

بقلم / أنور بن حمدان الزعابي

في تاريخ ما يربو على ربع قرن ونيف كان لنا وللإعلام عامة في البلاد منهلاً من مناهل التراث والأدب الشعبي
والشعر الا وهو الشاعر والراوية الكبير المرحوم عبيد بن معضد النعيمي. الذي يعتبر أحد أهم الرموز العارفة بالتراث قد يجهل البعض معاصرتي لهذا الشاعر والراوية الكبير ومزاملتي له في البرامج التراثية وجلسات الشعر الشعبي ومسامرتي له في الأحاديث الصحفية التي نشرتها له في الصحافة المحلية عبر فترات التسعينيات وهذ(حواري معه قبل ربع قرن ونيف) عام 1994.

الفنون الشعبية كثيرة ومتنوعة وتختلف من منطقة إلى أخرى تعكس أنماط الحياة المعيشية للبيئة المحلية ، وفي الإمارات الكثير من الفنون الشعبية وتختلف حسب البيئات المختلفة ، هناك البيئة البحرية حيث رحلات السفن والبحر الصديق الأقرب لابن البيئة البحرية وتعكس الحزن والبعد والألم والخوف من المجهول والغدر كل هذه الصور جعلت من انسان البحر شاعراً وفناناً شعبياً بحرياً وهنا تجسدها الفنون الشعبية البحرية مثل رقصة العيالة التي تجمع بين الحماسة والشجاعة والدفاع عن الوطن والتغزل بالجمال وهناك النهمات البحرية التي يتغنى بها الصياد والبحار والغواص وهم في عرض البحر.

* البيئة البدوية فهي بيئة البدو الرحل الذين يفترشون الصحراء الواسعة ويلتحفون بالسماء يتسامرون على ضوء القمر والكواكب السيارة .
يترجل البدوي من على ظهر راحلته او مطيته الناقة الذلول بين الكثبان الرملية الصفراء منشداً القصائد الغزلية الرقيقة من الشعر
او نراه في سهرة فرح جماعية يؤدي رزفة الحربية التي تستثير الحماسة والفخر والشجاعة والفروسية والكرم والصفات الإنسانية النبيلة
او تراه في وقت الضحى تحت شجرة الغاف الشماء يتغنى بإحدى القصائد الغزلية بصوت الشلة الشهير والممزوجة باللحن البدوي كالطارج والونة والردحة وغيرها من الفنون الشعبية البدوية الأخرى ،

*ومن البحر والبر الى الجبل والأودية ومنابت الأشجار حيث البيئة الريفية وما بين أشجار النخيل واشجار الليمون والجداول المتدفقة كان الفلاح الحيري ” يتغنى بأناشيده العذبة وبألحانه الرقية الصادقة يعدد مزايا نخلته الشماء ويعدد مناقبها الجميلة وهكذا هي البيئات الشعبية في الإمارات مزيج صادق من الفن والتراث ولا ننسى أن نذكر اهل الجيل وتقاليدهم الشعبية في الأفراح وخاصة الغناء الجماعي الذي يقوم به أبناء الحي الواحد مشاركة منهم في فرح أخيهم وهذا ما يعزز الترابط الأسري والتواصل الإنساني فيما بينهم تسودهم المحبة والاخوة والصداقة والوئام والروح الصادقة في التعاون والحب الذي ينمي العلاقات الإنسانية بين أبناء المجتمع الواحد والاسرة الواحدة وللتعرف على أجواء هذه هي الفنون المتعددة وكان لنا هذا اللقاء مع الشاعر عبيد بن معضد النعيمي
الشاعر الشعبي المعروف بإبداعاته ورواياته التراثية والشعرية.
وهذا حديثنا معه عن فنون التراث المتنوعة التي تحاكي البيئة البدوية التي نشا منها الشاعر عبيد بن معضد شخصياً.

اشتهر عبيد بن معضد النعيمي بالشلات والونات البدوية الأصيلة وأدائها بالألحان البدوية العذبة الصادقة والمتميزة والتي جمعت بين الغزل والشوق والوله والحب والجمال
. يقول بان بدايته مع الفنون الشعبية بداية قديمة جدا عندما كان في ريعان الصبا والشباب ابتداء
بأول قصائده الشعرية وأخذ يؤديها بلحن الشلة المعروف عند أهل البادية واستحسن الكبار من الشعراء ما طرحه وقام بتأديته فكان يشعر بالتشجيع يتغلغل في داخل أعماقه ويفرح كثيراً عندما يلاحظ بان هناك تجاوباً بينه وبين عشاق صوته الغنائي وكلماته الشعرية المغناة باللحن البدوي الأصيل
فكان يكثر من مجالسته للشعراء الكبار الذين سبقوه في مجال الشعر والفنون الشعبية الأخرى مثل الرزفات والشلات البدوية الاصيلة والتي تمثل الواقع البيئي لأفراد المجتمع البدوي ومع مرور الأيام والسنوات اصبح احد الشعراء المرموقين المؤدين للتراث والفن الشعبي بأصوله وفنياته التقليدية الأصيلة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وهو أحد روافد برنامج واحة التراث الذي اعده وقدمه الشاعر بطي المظلوم السويدي في فترة التسعينيات فكان الشاعر عبيد بن معضد يقدم أجمل ما عنده من شعر وحكايات وموروثات شعبية.

قال الشاعر عبيد بن معضد عن الشعراء الأوائل : من الشعراء الأوائل هناك الشاعر الماجدي بن ظاهر الذي أجاد في طرح قصائد الحكمة والغزل العفيف والمعاني الإنسانية العظيمة .
والشاعر الهاملي والذي له الكثير من القصائد الجميلة والتي لازالت تردد الى اليوم . كذلك الشاعر الهالة النعيمي والشاعر سالم بن ثعليب الحيوي .
ومثل هؤلاء الشعراء كانوا يجمعون معاني الحياة بأصولها وجمالها الأدبي البليغ الذي يشعرك بالجمال الأدبي والفني للقصيدة .
وكانت الشلات والرزفات تردد في الافراح وخاصة الأعراس والناس يسهرون على الغناء واللحن البدوي العذب الذي يجمع بين الأصالة والانتماء للأرض واذكر انني قلت اول قصيدة على منوال الردحة وعمري أربعة عشر عاما حيث قلت :

يا شاعر أطروك تقصد
تضرب مثل وتعد لوصوف
لو سلتني مشغوب من حد
رد الخبر من ما ياك معروف
من وصلة الزينين لابد
عاشد هينن زلن أخطوف

الردحة :

وعن فن الردحة قال الشاعر عبيد بن معضد النعيمي
هي احد الفنون التراثية القديمة والمعروفة لإنسان الامارات ويختلف لحنها عن باقي الألحان ويتسامر على سماعها الأهل والأصدقاء في الساحة ويؤديها شاعران متمرسان في الشلة شريطة أن يتسم صوتيهما بالعذوبة إضافة الى الصفاء دون حشرجة وهذا مثال من فن الردحة .

من بوهدب زايف ومسود
ريم يفل ويخز بالشوف
يرعى خطر وين ماسكن حد
عليه دور السير مرظوف
حلفت دام الرب يعبد
يا وين يطرى الزين بالوف

الطارج :

وعن فن الطارج قال الشاعر عبيد بن معضد النعيمي أن لحن الطارج مختلف عن الردحة والونة
وله لحن آخر يمتاز بالنبرة الحزينة الدالة على المعاناة والألم .

يا كوس ان هبيتي
يا مبرده يا ليلن
اسقي ديرة وليفي
راعي العود اللدين

الونة:

وعن الونة قال الشاعر عبيد بن معضد النعيمي : أن فن الونة الشعبي من الفنون الرقيقة والجميلة
وهي التي توقظ النائم من منامه كما انها قديمة
وكان الناس يتداولونها في مساري الليل وخاصة عند أهل القوافل التجارية
الذين يقطعون الفيافي والقفار الشاسعة وفي قلوبهم الشوق والوله لأهليهم وهذا مثال من أبيات الونة.

يا ترفين الشابي
يا غاليت الزبون
قلبي عليكم ذابي
واتيبست لغصون
لو تعلمون اما بي
عامنكم ترحمون
درب الهوى مب غابي
عند العرب مسنون
به اعتنو لصحابي
ليلى و به مجنون

وذكر الشاعر عبيد بن معضد النعيمي : انه يحفظ العديد من القصائد التراثية القديمة التي تغني على الردحة والطارج والونة وغيرها من الشلات الأخرى التي كانت تردد في الاعراس والافراح
وخاصة في اعراس اهل البر والبادية وهذه القصائد القديمة هي الشعراء كبار كان لهم باع طويل في مجال الرزفة وهذه بعض النماذج من هذه القصائد .

{من القصائد التراثية القديمة}

كم بصبر على فرقاك ياخلي
والصبر يقصي الخاطر بعلاته
يعل يود السيل ينهلي
يسقي لي ف القلب ملياته

*ما خسر من شرا وأدى
حلاله اريش العينين مزموم النهادي
يثني الخد برقٍ في اعتياله
صوب سعيد في لب الفؤادي

وهذه إحدى القصائد التي اذكرها:
طيّ الرشا من فوق ماها
مجفي ولا لي فيه مقصود
لا تبيّن حالاتي أقصاها
عند الذي ما فيهم اسدود
مديون وأتابع هواها
واحاسب النقصان والزود
دنياك لو طوّل مداها
لا بد ما ترميك بالكود»

وهكذا كان لنا هذا الحوار مع الشاعر عبيد بن معضد النعيمي
الذي فيه الجزء اليسير من الفنون الشعبية التراثية والتي هي بحاجة أكبر وأكثر لإبرازها والتعريف بها للجيل الحالي من الشباب حتى يدركوا ما كان عليه الآباء والأجداد من أصالة نفسية وفكرية وعاطفية رغم شظف العيش وقلة ما باليد وأملنا كل الامل آن يستوعب الشباب ما كان يعانيه الكبار سابقاً .