زيارة (واتسبية لا تواصلية)

بقلم/ محمد عوض الجشي

نعم يا أبا صالح.. غدا يزورنا أبناء وبنات أعمامك.هلا تم الاستعداد لتجهيز عزومة الغداء… وان شاء الله ننعم وإياهم في زيارة بعد طول غياب…. بورك بك يا أم صالح نِعم ما صنعت. لكن قل لي كيف علمت بزيارتهم. ؟ انها وسيلة تواصل اجتماعي راق.. عن طريق (الواتس اب.) سبحان الله..ارنى بالله عليك…النص(مرحباً بكم يسعدنا ويشرفنا زيارتكم…سنتواجد غدا بمعية الرحمن) تحياتي…أبو فالح…
السلام عليكم. يا أبا صالح وام صالح. تفضلوا الأبناء والبنات في بهو صالون الضيافة. متسمرين في لوحة الهاتف المحمول..لا ينبجس أحدهم في أية هنيهة صمت مقذع وهدوء مقذع . كأن على رؤوسهم الطير.. ومن ثَم أصابع تتراقص هلامية الحركة تكاد تحفر الكريستال في خربشات حلزونية..فجأة اذ يصيح احدهم .هل شاهدت هدف (رونالدو). ثم يجيبه الآخر. (ميسى) أشد إيثارا ومهارة. ثم تعقب أخرى.. نجوى كرم تفردت في نجومية مُثلى…. وراغب علامة سحر جمهوره الأسبوع المنصرم.. يا أمال ..تعالي انظري ماذا فعل عاصي الحلاني..راح يراقص ذوي الصفوف الأولى.. .(خي خي) وإذ بأبي صالح ينجذب أيضاً الى تلك المناورات (اللا تواصلية) .يحاكي نظيره الزائر اأبو فالح..ارسلت اليكم مقطعا من محاضرة مع خلفية موسيقية ترى هل أعجبتك؟
مضى الوقت سريعاً وما ان افترشت أوانى الغداء حتى انضم الجميع الى القصعات دون اكتراث او حبس أنفاس..والشاشات الكريستالية لا يبرح وميضها تتلاعب بها الأيادي ثم تلتهم الطعام دون هوادة… ثم جاء دور الفاكهة التي أخذت النصف,وتركت تنضح على المائدة كأنها ترغب عن الصحبة والاكتفاء..وهاي صحون الحلويات تذوب شهدا وعسلا وكادت تمس أطياف المحادثات المتطايرة من الهواتف الذكية. وتصيب فلكها في قفشات فكاهية تمتلكها روح الدعابة المثقلة في هموم الفقراء المساكين وتنفخ أبواقها في افواه المثقلين والأغنياء المترفين..
الساعات سرت كنسائم الربيع الحالم. الكل يخلد الى هاتفه وهواجسه وتقلبات أصابعه وانفض الجمع وحانت ساعة المغادرة شاكرين تلبية دعوات الغداء والطعم. وخرج الجميع ومفاتيح الهواتف تنداح في الأفق البعيد والافتراضات الخالية الخاوية..دون استشعار الحس الإنساني والرفق الادمي الذي حباه الرحمن في خلد الانسان.وام صالح لا تزال في المطبخ توضب مخلفات العزومة..دون ان تستشعر المغادرة. وإذ تفاجأ عبر هاتفها النقال. شكرا لكم نحن في عجلة من الساعة.وإذ أبي صالح يستل هاتفه وهاتف ام صالح ويستحوذ على هواتف الأولاد والبنات ويحشرهم في آلة إعدام الخردة ومشتقاتها. يا لها من فقاقيع الهواء تتطاير فارغة هشة تضيع بين ذرات الهواء التي غدت كهليوم يتسلل عبر الأبواب والشبابيك كي يخرج خاسئا خاويا ويذوي بعيدا بعيدا ويتلاشى كأنه لم يكن ولم يتواجد على الاطلاق. وراح أبو صالح ينشد الأيام الخوالي واللقاءات الحية الحميمة والزيارات الطيبة الأخوية والعائلية التي لا تنسى ولا تمحوها (التكنولوجيا) الحديثة مهما ارتقت على مر الأيام والسنين.انه الهاتف الخلوي (الموبايل) الذي حٌشر عنوة في حيواتنا شئنا أم أبينا.. إنها ضريبة العصر الذي لم يَسلم منه احدٌ على الإطلاق. سواء أرضى الواقع أو استاء من الوقائع.

Exit mobile version