مرئيات

اللوفر أبوظبي ومدام توسو دبي

بقلم / د. فاطمة محمد خميس

للمغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة مقولة فريدة وهي: “لا أريد نقل البدو إلى الحضارة، بل أريد نقل الحضارة إلى البدو”. مقولة صاغها حكيم العرب بقلب واع وعقل مدرك لأهمية ثوابت الهوية الأصيلة وضوابط التعارف الحضاري مع الأمم الأخرى. المقولة تحمل أبعاداً عميقة والتي قد يكون استعصى تمام فهمها على من سمع المقولة في حينها، إلا أن إعلاناً حديثاً عن أن متحف مدام توسو في دبي قيد الإنشاء يعيد هذه المقولة إلى الذاكرة. ومثيله معلم حضاري آخر تتفرد به إمارة أبوظبي وهو متحف اللوفر أبوظبي والذي أصبح مقصداً مهما لزوار الدولة ومقيميها. وهناك أيضاً جوجنهايم أبوظبي والذي يتوقع أن يشرع أبوابه عام 2022 بإذن الله. وتتميز هذه المتاحف الثلاثة بأن مقارها الرئيسة في ثلاث دول رائدة عالمياً في مجال الفن – كل على نحو فريد – وهي بريطانيا وفرنسا واسبانيا.
إن استحضار مقولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان غفر الله له في هذا السياق يكشف عن سمة مهمة من سمات القيادة الإماراتية، وهي استشراف المستقبل بصورة أصيلة وعملية. والأصالة تتجلى هنا في الاعتزاز بالبداوة كهوية أصيلة وإرثها الإنساني والاجتماعي وقيمها، وهو اعتزاز لا يتفاخر بالنسب أو يستعلي على الآخر بل يتعامل مع “الآخر” برقي كشريك في الحضارة الإنسانية ولكن دون التفريط بالهوية. أما البعد العملي فيتجلى في سمة الاستمرارية في رؤى تلك القيادة، فبين مقولة الشيخ زايد غفر الله له وبين تأسيس المتاحف الثلاثة عقود عديدة من الزمن إلا أن بُعد عهد المقولة لم يقف حائلاً أمام تطبيق رؤية القائد المؤسس إلى واقع تستنير به الأجيال الشابة.
إن الإمارات تسجل حضوراً أنيقاً في ساحات الفن العالمي وحسنَ أدبِ التعامل مع الإرث الفني في حضارة “الآخر”. فهي ترعى جسوراً ثقافية مثل متاحف اللوفر وجوجنهايم أبوظبي ومدام توسو دبي لتكون حلقة وصل وتواصل في سلسة الحضارة الإنسانية، ولكن برؤى ذاتية. فمثلاً رؤية متحف اللوفر أبو ظبي تطمح إلى تقديم السمات الكونية التي تجمع الحضارات الإنسانية المختلفة وذلك بهدف تعزيز قيم التسامح وتقبل الآخر دون الوقوع في محاذير التمييز والصور النمطية. وهي رؤية تدعمها الدولة كوسيلة واضحة وصريحة لمعالجة آثار الإرهاب والتطرف التي تنامت في وقتنا الحاضر والتي أساءت بشكل كبير في فهم القيم الإسلام والعربية التي ترتكز على الوسطية والاعتدال والمساواة.

fmka@diwanlrc.com

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى