حول العادات والتقاليد والحرف والمهن
الحديث عن الماضي له نكهة لذيذة يشم من خلالها عبق التاريخ الذي تفوح منه ذكريات الآباء والأجداد ومعاناتهم القاسية في ذلك الماضي الجميل الذي حمل معه وفاءهم وكرمهم وإباءهم وكل الصفات الجليلة التي كانت تنبع من أعماق قلوبهم الصافية بعفوية تامة .. فهم الذين صبروا على هجير الصحراء وهم الذين صارعوا البحر وأمواجه الهائجة وهم الذي قاسوا مرارة العيش .. وبصفائها ونقائها توحدت قلوبهم على الخير وأخذت شكلا وطابعا مميزا في الحياة الاجتماعية فتركت في ذاكرتهم فكرا أدبياً ناضجاً تشوبه سحابة من الحزن العميق على تلك الأيام والليالي التي طوتها صفحة الزمن .
لقاؤنا مع رجل حمل في جعبته الكثير والكثير عن الماضي وعلاماته التي برزت واضحة على ملامح وجهه الذي اكتسى بتجاعيد الزمان .. كان لقاء الذكريات هذا مع السيد سعيد بن سالم بن حميد العليلي في منطقة الراعفة بأم القيوين .
حياة الماضي:
الانسان في الماضي عاش حياة قاسية ولكنها كريمة فالرجل منا كان يقوم باكرام الضيف لمدة تزيد على الثلاثة ايام وبعدها يسأله عن حاجته اذا كانت له حاجة .. وفي الماضي كان الناس متقاربين مع بعضهم بعضا .. واذا تعرض احد من افراد القبيلة إلى الغزو صف الجميع إلى جانبه ليستردوا له حقه او يأخذوا بثأره اذا قتل ولاينام منا انسان اذا كان له ثأر .
حياة الشباب في الماضي :
الشباب كانوا في الماضي يختلفون كثيرا عن شباب اليوم الذين اصبحوا يتبعون التقاليد الغريبة والبدع النكراء .. وشباب الماضي كانوا رجالا محافظين على مسلك آبائه وأجدادهم . وقد قال الشاعر فيهم : عد للصبي عشرين عام معدود من عقبهم ماشي صبي عداله
ومعنى هذا البيت ان الرجل يستطيع تربية ولده تربية حسنة قبل أن يصل عمره الى العشرين عاما ولكن اذا وصل العشرين ولم يترب عندها لايكون هناك تربية الوالد للولد ولا فائدة في اصلاحه. وكان الشباب في الماضي يتعلمون المهن والحرف اليدوية وهم صغار حتى ينضجوا ويكبروا ولكل واحد منهم مهنة عملية مثل الحطاب الذي يقطع الحطب من الفيافي والقفار ويبيعه لأهل المدينة حتى يتمكنوا من استخدامه كوقود للطهي والتدفئة وكذلك راعي الابل والمواشي الأخرى وهذه كلها مهن شريفة واعمال حرفية كان الشباب يتعلمها في الماضي
سكن القبائل البدوية:
كان سكن القبائل البدوية في الماضي حول مناطق الجرن وهي منطقة رملية بعيدة ، وكان فيها الكثير من القبائل والعشائر البدوية ، ولكن بعد تغير الوقت تفرق شمل هذه القبائل التي زحفت إلى المناطق المجاورة وتناثرت عشائرهم شرقا وغربا وكانت منطقة البطحاء عامرة بالسكان من القبائل البدوية ، وخصوصا ايام الشتاء والربيع حيث العشب والمراعي ومنابت الأشجار وكانت المواشي ترعى من خير الله الكثير ولم ينقطع عنا المطر والخير .
الحياة العملية: في الماضي كنا نعمل ونشتغل في تجارة الاخشاب ونقطعها من اشجار الصحراء ونحملها على الجمال ونذهب الى المدن لنبيعها
بالاضافة إلى ذلك كنا نبيع الاغنام والجمال والسمن وكانت هذه هي تجارة البدو في السابق … وكانت هذه المواشي مفيدة وتغني ابن البادية ولايصرف عليها شيء مثل اليوم حيث ان المواشي كانت تتغذى على الاعشاب البرية التي يجود بها المطر والغيث ، وليس مثل اليوم حيث ان اغلب مصاريفنا تكون على غذاء المواشي حيث ان الامطار الموسمية قلت وكثر الجدب والمحل .. مما جعل الأعشاب البرية نادرة وكثرت الامراض التي تهدد الثروة الحيوانية وخاصة الأغنام والابقار والجمال .
الأعراس في البادية :
الأعراس في الماضي ، تختلف عن اليوم .. فقد كان يكفي أن تكون هناك كلمة صادقة من أهل العروس ولا يكون هناك اختلاف على مهر أو خلافه ، وليس هناك شروط أو مغالاة في الطلبات ، بل يكفي ما يحدده الرجل من مهر ووالد العروس کان يبحث عن الرجل الذي يكفل لابنته حياة شريفة وسعيدة لا كما هو الحال اليوم حيث يطلب فيلا او سيارة او مائة الف درهم . كان في الماضي كل شيء يتم بالتراضي اما الناس فكانوا جميعا يساهمون في حفل الزواج وبعضهم يقدم رأسا من الغنم او الجمال او الابقار وكان الجميع يشارك في الافراح
أيام العيد :
أيام العيد ، في الماضي كانت مليئة بالبهجة والسرور والأفراح الجميلة حيث ان الانسان يفرح بالعيد ويشعر بلحظاته وساعاته الجميلة وأيامه السعيدة .. حيث ترى الأطفال على المراجيح والنساء يقمن باعداد الموائد الفاخرة ، ونسمع اصوات البنادق طوال الليل والنهار وتقام الذبائح وسباقات الهجن والرياضات المنوعة وتعم البهجة والسرور جميع الناس و نقام الرقصات الشعبية والولائم طوال ايام العيد الثلاثة ، وليس مثل هذه الأيام التي لانشعر بأيام العيد فيها .
الشعر في حياته:
الشعر عرفته منذ الصغر حيث كنت اصغي الى الشعراء الكبار وأحفظ الكثير من اشعارهم حتى مرحلة الشباب و قلت الكثير منه وخاصة في الايام يكثر النزاع بين القبائل وذلك بسبب البحث عن المراعي الخصبة والاماكن التي تكون افضل من غيرها . وحياة البادية كانت محفوفة بالمخاطر بعض الشيء وذلك بسبب الماء والمراعي
ان هب مالياهي صليب
يبرد ارمولنا اعن حفاة
وأن ناض برق مالمغيب
عن لا تباطي رغيب.
اسقى على الزور ونقاه
أينب وأسقي هل عذيب
وعاطوي حارب يامعداه
بقلم انور حمدان الزعابي