المعرفة الضمنية والازدهار المؤسسي

بقلم / د. فاطمة محمد خميس

 

المعرفة الضمنية (Tacit Knowledge) مصطلح يطلق على نوع من المعرفة والمهارات والقدرات التي يمتلكها فرد ولكن يصعب في الغالب نقلها للآخرين تعبيراً أو تلقيناً، ويصعب توثيق مثل هذ المعرفة في المؤسسات بل وقد لا يتم تداولها نقاشا في الأساس وإنما تترجم من خلال سلوكيات وأداء من يمتلكها. والسبب في صعوبة النقل هذه أن المعرفة الضمنية تتكون نتيجة خبرات وقيم وممارسات متجذرة وفي سياقات متباينة وتتبلور في النهاية عبر بديهة الإنسان وتبصره في تلك الخبرات والقيم والممارسات. وبالمقابل هناك نوع آخر من المعرفة وهي المعرفة الصريحة (Explicit Knowledge) وهي النوع المتداول والمعروف من المعرفة والذي يمكن نقله للغير عبر شتى أنواع التعبير من نقاش وتوثيق وتوجيه مباشر وتدريب وغيره. وتعد المعرفة الصريحة لا سيما الموثقة منها من أقوى أصول المؤسسات والتي تعزز تاريخها واستمرارية تطورها وازدهارها.
ويبقى التحدي إذن في كيفية توثيق المعرفة الضمنية وضمان مشاركتها مع الآخرين، ولتقريب مفهوم المعرفة الضمنية فإنه يمكن قياسها بإحدى أقوى الأدوار الأسرية في مجتمعاتنا العربية وهو دور يضطلع به كبار العائلة غالبا في توجيه الناشئة نحو القيم والممارسات المجتمعية السوية. ففي مجتمعاتنا تستمد الأجيال الشابة أعمق رسائل التوجيه من الجد أو الجدة مثلاً وذلك في تواصل يمثل الأخير فيه حنان الأب وتوجيه المعلم وإخلاص الصديق. وهذا المزيج من الأدوار كفيل بإطلاق مكنون المعرفة الضمنية بين الجيلين ليُصقَل بذلك وعي وشخصيات الناشئة وفق بعد وحمة إنسانية عميقة. ونظير هذا التوجيه في عالم المؤسسات هو ما بات يعرف بالتوجيه المؤسسي (Mentoring) حيث يرعى موظف ذا خبرة موظفا أصغر منه سنا ويتعهده بالتوجيه والنصح المهني والشخصي. وهي علاقة تختلف عن التدريب المؤسسي لعدم استنادها في الغالب على المردود المادي ولخلوها من أطر زمنية محددة فهي أدوار تطوعية يتعهد بها ذوو الخبرة المهنية تجاه زملائهم الأقل خبرة.
وللمعرفة الضمنية أهمية خاصة في مباحث إدارة المعرفة مثل التعلم المؤسسي ورأس المال الفكري واستراتيجيات إدارة المعرفة. ومن الباحثين من يتوسم في التركيز على خطابيات المعرفة الضمنية كتوجه بحثي كفيل بإثراء أدبيات إدارة المعرفة عموماً. ولا يخفى أهمية هذا الأخير في تأسيس واستخدام وتبادل المعلومات والمعرفة في المؤسسات وذلك لتعزيز أداء أفرادها وازدهارها لا سيما وأن من أهم تحديات الحوكمة المؤسسية هي الحد من الممارسات المؤسسية الخاطئة التي تعمد إلى احتكار المعرفة والمهارات دون اعتبار المصلحة العامة لمنظومة العمل.

Exit mobile version