طباخ السٌم آكله

بقلم / محمد عوض الجشي

حين تصاحب خليل الزحمان مع خليل التعبان، تعاهدا على الوفاء والإخلاص وتقاسما لقمة العيش. اتفق كلاهما ان يتواجدا معا قرب محطة القطار لينطلقا إلى البساتين الغناء المنتشرة في الواحات الخضراء بجانب بستان ابى محمود.
(خليل الزحمان) استل خنجره القاطع وأخفاه في سرواله خوفا من الوحوش والضواري. أما (خليل التعبان) حمل عصا الخشبية المعقوفة والمدببة قليلاً تحسباً الى ضرر يلاقونه.
الواحات شاسعة الهواء عليل النسمات .ما هي الا سويعات حتى ظهر بستان أبو محمود…الثمار مثمرة ويبدو التين قد ثقل واسقط بعضا منه على التراب وتحت ظلال الأشجار .إنها النفس التي تخذلها إرادة الهوى أحياناً… قال (الزحمان ) بصوت مرتفع ما هذا العسل المعسل.. هلم يا خليل الفرصة مواتية. ثم إن ابى محمود لا شك يغط في نوم عميق..ما رأيك.!
أجاب خليل البستان ليس من حقنا كيف لنا ان نستحوذ على ما لا يخصنا. لالا يا صاحِ..اتجرع حنظلاً ولا استهوى عسلاً…ما هذا الهراء يا خليل..أقول ان محمود يغط في سبات عميق. وهاك كما ترى كوز تينا ينطح كوزٌا ..ألا تريد ارتشاف الشهد؟ أترغب عن الطعم الحلو العسلي. يا لك من خليل .(التعبان) حقاً.. اسمٌ على مسمى…!
أقدم يا خليل ولا تخشَ شيئا..افتح فاك وانهل واغترف …النوم سلطان والجيران كلهن في امان واطمئنان.
بلى..بين الجذب والشد استسلم خليل ووافق رأي صاحبه إلا ان السياج ظهر قوي محكم وعال السور.،بل وذو اشواك حديدية محاط من جميع الجوانب…اللعاب يسيل ويتهادى على الشفاه ويٌطال الوجنات. انها معضلة المعضلات..يا صاحبي…. كيف لنا السبيل للولوج الى البستان؟ شحذ خليل عصاه المعقوفة وطفق يعالج فتحة ناتئة. وها هو (الزحمان ) يخرج الخنجر ويؤزه أزاً حتى بدا شرخٌ يستطيع واحد منهما الدخول والخروج تباعا..
يا له من كنز وفير وحظٌ جم.. هلم يا خليل وبلل فاهك ما لذ وطاب .عسل مصفى .وشهد ما بعده شهد. لكن ايانا ان نكسر عودا او ان نتطلع الى الأعلى. فقط نستحوذ على ما جَبلته الارض وما مس من تراب…نعم مٌلئت البطون وخارت القوى ومع النسائم الباردة والجو المنعش. ارتمى كلاهما وافترشا أحلاما وردية ووشوشات ليل صيف مقمر. وما هي إلا سويعات. حتى قارب الأفق على المغيب..اذ ابو محمود يصحو من كبوته. ويسمع طرائق أقدام انسية ..حمل سلاحه وصرخ دون ان يرى احداً كما هي العادة..(هه . مين هناك.. هه.. مين هناك). لم ينبجس أحداً في حراك أو انفلات. ثم عاد أبى محمود إلى وكره يحتسي أكواب الشاي وينظر الى السماء شاكرا المولى عز وجل محتسبا ان لا احد يقدر يتجرأ القدوم الى الكرم.
الليل يرخي سدوله. ويختلس الاثنان مدخلاً للهروب والعودة إلى حيث جاءوا… لكن هيهات هيهات .رجعا القهقري ولم يهتدوا إلى المخرج الذي تم هدمه..وبقي كل منهما في بستان ابى محمود يقتاتان على خشاش الأرض ولم يستطيعا الوصول الى الاغصان العالية. وكلما سمع أبا محمود خربشة وخشخشة. يصوب سلاحه (هه.مين هناك.هة ..مين هناك)
وصدق فيهما المثل (طباخ السم آكله).