“بيت الزهبة”.. متحف يحاكي البيوت القديمة في العادات والتقاليد الأصيلة
تتواصل فعاليات مهرجان الحصن النابض بالحياة من قلب العاصمة أبوظبي
تتواصل فعاليات مهرجان الحصن النابض بالحياة من قلب العاصمة أبوظبي، والمستمر حتى 4 ديسمبر المقبل، عبر تقديم باقة من الأنشطة التفاعلية التي تضيء على التراث الثقافي اللامادي ومشاهده العريقة بهدف حفظها وإظهار قيمتها. وبين صور الحياة قديماً وتجليات الحاضر في تناغم واضح، يخوض الزوار في تجارب متنوِّعة، ويطّلعون على تراث الحرف اليدوية العريقة والمعاصرة المنتشرة في الساحات والأروقة والأسواق القديمة والمحال العصرية. وقد صُمِّمت هذه التظاهرة الثقافية التي تخاطب مختلف الجنسيات والأعمار لتتيح الاستمتاع بأسلوب مبتكَر بما تعرضه طوال فترة المهرجان.
مظاهر ومؤثرات وعروض أداء تدعو الزوار إلى التعرّف على عادات وتقاليد أصيلة ارتبطت في المجتمع الإماراتي بالمناسبات السعيدة والأفراح، منها تجربة «بيت الزهبة». وقد خُصِّص رواق «بيت الزهبة» ضمن الحدث في تصميم مفتوح على السوق يحاكي البيوت القديمة، ويشتمل على العديد من الأدوات التي كانت تُستعمل قديماً، منها مجموعة من الملابس المطرّزة بخيوط الفضة الأصلية، والتي تعود إلى أكثر من 70 سنة، وصناديق خشب تقليدية ومداخن مصنوعة يدوياً، ومرشات وعطور وذهب ومفارش وسواها من العناصر. ولم يغفل مصممو «بيت الزهبة» عن أدق التفاصيل التي تشكل إطلالة على زمن الأجداد وتضع الزائر في أجواء الزمن العابق بالأصالة.
وذكرت مريم محمد سعيد الكعبي المسؤولة عن «بيت الزهبة» في مهرجان الحصن، أن المشاركة جاءت لإظهار جانب من تقاليد الأعراس الإماراتية، والتي قد تختلف قليلاً من منطقة لأخرى، إلا أنها تبقى متشابهة إلى حد كبير في محتواها وقيمها وأصالتها. وأوضحت أن «البيت» لا يقتصر على عرض المقتنيات الخاصة بالعروس، وإنما يقدم عرضاً تمثيلياً بمساعدة مجموعة من الفنانين في محاكاة لطقوس «الزهبة»، لافتة إلى أن العروس كانت تتزين بمواد طبيعية من صنع النساء، بينما تتحنى بطريقة تقليدية.
إلى جانب بيت العروس الداخلي المصمَّم على الطريقة القديمة من نوافذ وأقواس وأعمدة تعبق برائحة الماضي وتسكن في الذاكرة، توجد باحة خارجية تسمح بالجلوس وتناول القهوة العربية، بينما يزخر الفناء الداخلي لـ «البيت» بأدوات الزينة، وعلى رأسها الذهب الذي تشتريه العروس من مهرها أو يهديه إليها «المعرس». أما شروط المهر وهدايا العروس وأهلها، فكانت تُحدد حسب الإمكانات المالية للعريس، ومن مكونات «الزهبة» في تلك الفترة، «المرية» و«الطاسة» و«الحزام» و«المرتعشة» و«حيول أبو شوك» وسواها.
إلى جانب الذهب الذي تتضمّنه «الزهبة»، والذي كان يعبِّر عن المكانة الاجتماعية للزوج، كانت «الزهبة» تشتمل أيضاً على مجموعة من الأقمشة والأثواب والعطور والعود والبخور، والعباءات والشيل. وأشارت مريم الكعبي إلى أن هذه الأشياء كانت توضع في صندوق خشب يُطلق عليه «المندوس»، لافتة إلى أنه بحسب التقليد السائد، كان العريس يُزف إلى بيت العروس التي تكون جالسة في أبهى حلتها، مرتدية أجمل ثيابها ولا تغادر البيت إلا في اليوم الثاني متوجهة إلى بيت زوجها، حاملة معها «زهبتها».
ورواق «بيت الزهبة» في مهرجان الحصن مجهّز بكل ما كان متداولاً في تلك الفترة، وكأنه متحف حي. ويضم مجموعة من الأقمشة والملابس المطرزة بخيوط الفضة الأصلية والمفارش القديمة بطابعها الأصلي، والأصباغ والعطور والراديو وسواها من المشاهد التي تشكل جانباً مهماً من الذاكرة البصرية.
ذكرت الفنانة هدى أحمد التي مثّلت في الفيلم الإماراتي «الكمين» ومسلسلي «ولد مرزوق» و«350 ج»، والتي تؤدي دور العروس في «بيت الزهبة»، أنها سعيدة بمشاركتها في مهرجان الحصن، لافتة إلى أن التجربة ثرية وقد مكّنتها من معرفة جانب من عادات وتقاليد العرس الإماراتي، وما كانت تتمتع به العروس من صفات. وأشارت إلى أنها تمثِّل دور العروس قديماً عبر الكثير من العناصر، منها نقوش الحناء التقليدية والملابس وطريقة الجلوس، موضحة أن العروس كانت تتميز بخجلها ما يضفي عليها المزيد من الجمال.
أوردت مريم الكعبي أن «بيت الزهبة» كان يضم أنواعاً من الأقمشة القديمة مثل «صالحني» و«بوتيلة» و«دمعة فريد» و«بوقليم» و«صفوة»، والتي يتم تصميمها وخياطتها من قبل نساء الفريج. وكانت الأعراس تقام لعدة أيام، ويتعاون الجميع في الحياكة وطهي طعام العرس وتجهيزات أخرى. وتشتمل على مجموعة من العطور والبخور، التي كانت تصنعها الأمهات والجدات آنذاك من مواد طبيعية وما يتم استيراده من مواد خام من الهند، ومنها «المخمرية»، وهي خلطة خاصة مكوناتها من الزعفران ودهن العود.
وتمتلك كل سيدة أسرار خلطتها التي يتم دفنها في مكان مظلم لمدة 40 يوماً أو أكثر حتى تصبح رائحتها نفاذة. وأوضحت أن عطر «ريف دور» كان من أهم أنواع العطور في تلك الفترة، وكانت قريبات العروس والجيران يزرن «بيت الزهبة»، ليطّلعن على أهم ما قدمه العريس، ويشاركن العروس فرحتها.