غليان في الشارع السوداني وضغوط على الجيش لعدم الانفراد بالسلطة

القاهرة-(د ب أ):
فتحت استقالة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك من منصبه الأحد الماضي باب التكهنات بشأن مصير السودان على مصراعيه ، وسط تحذيرات من أن سيناريو انزلاق البلاد نحو العنف والفوضى يبدو الأرجح.

ويرى فريق من المراقبين أن خروج حمدوك من المشهد في هذا التوقيت كان بمثابة شهادة وفاة رسمية لأي فرصة للتوصل إلى صيغة تفاهم بين القوى السياسية والمكون العسكري.

ويستند هؤلاء في وجهة نظرهم إلى المظاهرات التي باتت تشكل ملمحا أساسيا في الشارع السوداني والتي أصابت مظاهر الحياة بالشلل مع دعوات لا تنتهي للاحتشاد في الميادين على الرغم من سقوط عشرات القتلى منذ قرارات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي والتي كان من بينها إقالة حمدوك قبل أن يعود إلى منصبه مجددا إثر ضغوط دولية.

كما ترفض القوى المحركة للشارع والداعية إلى الانتقال إلى حكم مدني كامل الشراكة مع المكون العسكري وتعتبر أن الاتفاق السياسي بينه وبين حمدوك بات هو والعدم سواء بعد استقالة الأخير.

وفي ظل مخاوف من دخول البلاد نفقا مظلما ، دعت أطراف سودانية إلى عقد حوار بين مكونات الانتقال بغرض التوصل إلى اتفاق.

وقال حزب بناء السودان ، الذي أسسه مجموعة من المهنيين الشباب في شباط/فبراير 2018 ، إن استقالة حمدوك بعد تعذر التوافق السياسي “أدعى إلى استشعار المسؤولية الوطنية من مكونات العملية السياسية” ، حسبما نقلت صحيفة “سودان تربيون” عن بيان للحزب.

وأشار الحزب إلى أن البلاد انتقلت إلى وضع “ينذر بالسيناريوهات الأكثر قتامة ويحتم علينا العمل على تلافي انزلاق البلاد في أتون الحرب والتمزق”.

ودعا الحزب شباب الثورة وفرقاء العملية السياسية والمكون العسكري إلى “وضع مصالح البلاد وإنسانها في المقام الأول وتهدئة التوترات المتصاعدة والتوجه نحو حلول سياسية متوافق عليها عبر الحوار وتقديم التنازلات المتبادلة لنزع فتيل الأزمة”.

وحاول حمدوك منذ توقيعه اتفاقا سياسيا مع البرهان في 21 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، استقطاب دعم القوى السياسية لهذا الاتفاق، لكن محاولاته باءت بالفشل ، بل واتهم من بعض تلك القوى بـ “خيانة دماء الشهداء”.

وأكدت حركة العدل والمساواة من جانبها ، أن “مسؤولية القوى السياسية اليوم وحاجتها إلى الوقوف مع النفس ومراجعة المواقف أكبر من أي وقت مضى”.

على الجانب الآخر ، ترى قوى إعلان الحرية والتغيير في استقالة حمدوك دليلا على “فشل مناورات تبرير الانقلاب”. وتدعم الحرية والتغيير احتجاجات تنظمها لجان المقاومة التي تقول إنها “تعمل على إسقاط الانقلاب بالوسائل السلمية وتأسيس سلطة مدنية”.

ويرى محللون أن الجيش يصر على عدم الخروج من المشهد على الرغم من تصريحات البرهان وتعهداته بإتمام عملية الانتقال السياسي ، وحديثه عن ضرورة استكمال هياكل الفترة الانتقالية والإسراع بتعيين رئيس وزراء جديد خلفا لحمدوك.

وترى الدكتورة تماضر الطيب، أستاذة العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدبلوماسية بجامعة الخرطوم ، أنه بعد استقالة حمدوك، زاد الشارع إصرارا على ضرورة الحكم المدني الكامل، مشيرة إلى أن الاستقالة جاءت “عندما شعر (حمدوك) بعدم قدرته على تشكيل حكومة نتيجة لعدم التوافق السياسي مع المكون العسكري”.

وتعتبر تماضر الطيب أن “مسألة اللجوء لانتخابات مبكرة لن تنجح في السودان لأن الشارع لن يهدأ وسيكون هناك شد وجذب بين الشارع والمؤسسة العسكرية”.

وشددت على ضرورة وجود حوار حقيقي مع “قوى الثورة الحية” للانتقال لحكم مدني ديمقراطي “لأن الانتخابات المبكرة في السودان لن تنجح لأنه يعاني من حروب وانقاسمات، وبه 7 حركات مسلحة والجيش والدعم السريع بخلاف الأزمات الأخرى”.

وفي ضوء التطورات المتسارعة على الساحة السودانية ووسط تقارير عن اتجاه الجيش لتعيين رئيس وزراء ، جاء تحذير الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للجيش السوداني من الانفراد بتشكيل الحكومة الجديدة.

وأصدر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج بيانا مشتركا ومباشرا بطريقة غير معتادة شددوا فيه على أنهم “لن يدعموا أي رئيس وزراء أو حكومة يتم تعيينها دون انخراط واسع من المدنيين”، ولفتوا إلى أن الدعم الاقتصادي للسودان يتوقف على هذا أيضا.

وأضافوا :”نتطلع إلى العمل مع حكومة وبرلمان انتقالي، يتمتعان بالمصداقية لدى الشعب السوداني، ويمكنهما قيادة البلاد لانتخابات حرة ونزيهة باعتبار أنها أولوية”.

وأضاف البيان :”وفي هذه المرحلة الحرجة، نواصل تحميل السلطات العسكرية المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان، التي تتعارض مع التشريعات الوطنية القائمة والقانون الدولي”.

وشدد على ضرورة صون “حق الشعب السوداني في التجمع السلمي والتعبير عن مطالبه”.

وأضاف :”نتوقع من الأجهزة الأمنية والجماعات المسلحة الأخرى الامتناع عن استخدام المزيد من العنف”.

وفي غضون ذلك ، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى “حوار جاد” بن جميع الأطراف السودانية للوصول إلى “حل سلمي شامل ودائم” ، حسبما جاء على لسان المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الدولية ستيفان دوجاريك.

وترى صحيفة واشنطن بوست أنه مع انسداد الأفق السياسي وحالة انعدام الثقة بين أطراف المعادلة الساسية في السودان ، يسعى الجيش إلى كسب مزيد من الوقت بإبعاد موعد الانتخابات حتى تظل مقاليد الأمور في يده سعيا للحفاظ على مصالحه.

وحذرت الصحيفة من استمرار الاحتقان وما وصفته بـ”مواجهة قابلة للانفجار” بين الجيش وقوات الدعم السريع من جهة وبين الحركة الاحتجاجية من جهة أخرى.

وأشارت إلى أن الاحتجاجات ربما تزداد رقعتها وتكتسب المزيد من الزخم في حالة استخدام ورقة المساعدات الغربية للضغط على العسكريين ، حيث ستتفاقم الأزمة الاقتصادية لاسيما في ظل صعوبات يعانيها أصلا الاقتصاد السوداني مع بلوغ معدل التضخم نحو 340 % وتداعيات جائحة كورونا.