دبي / سمير السعدي:
افتتح جناح مصر المحروسة بالقرية العالمية بدبي مؤخراً متحفاً مصغراً ومطابقاً لمتحف توت عنخ أمون متضمنا نماذج مقلدة طبق الأصل لبعض مقتنياته التي وجدت بقبرته.. وعن المتحف قال الأستاذ إبراهيم جابر رئيس مجموعة ثري بي والذي لا يألو جهداً في عرض ما يظهر مكانة مصر العربية ورفع رايتها عالياً, أن الجناح المصري يحرص ويحاول فدر المستطاع على تقديم الحضارة المصرية القديمة لجمهور القرية العالمية بأي وسيلة كانت.. تلك الحضارة التي لا يوجد لها مثيل في العالم القديم والتي سابقت بها الزمن والتي علمت الشعوب الأخرى التي حاولت أن تسير على نهج مصر وعمل حضارات تتركها للزمن وللأجيال المتعاقبة.. لذلك يحرص جناح أم الدنيا على أن بعبر عن هذه الحضارة التليدة سواء بمبنى الجناح وواجهته أو باي فاعلية أخرى مقل متحف توت عنخ آمون الذي أفتتح مؤخرا بالجناح.
وتوت عنخ آمون الموجود داخل المتحف ببعض نماذج مقتنياته هو أحد فراعنة الأسرة المصرة الثامنة عشر في تاريخ مصر القديم.. وكان فرعون مصر من عام 1334 ق.م إلى عام 1325 ق.م. ويعدّ من أشهر الفراعنة لأسباب لا تتعلق بإنجازات حققّها أو حروب انتصر فيها كما هو الحال مع الكثير من الفراعنة, ولكن لأسباب أخرى تعدّ مهمة من الناحية التاريخية, ومن أبرزها هو اكتشاف مقبرته وكنوزه بالكامل دون أي تلف, واللغز الذي أحاط بظروف وفاته إذ اعتبر الكثير وفاة فرعون في سن مبكرة جدًا أمراً غير طبيعي وخاصة مع وجود آثار لكسور في عظمي الفخذ والجمجمة, وزواج وزيره من أرملته بعد وفاته وتنصيب نفسه فرعوناً.. كل هذه الأحداث الغامضة والاستعمال الكثيف لأسطورة لعنة الفراعنة المرتبطة مقبرته التي استخدمت في الأفلام وألعاب الفيديو جعلت منه أشهر الفراعنة لألغاز وأسئلة لا تزال بلا جواب, اعتبرها البعض من أقدم الاغتيالات في تاريخ الإنسانية أذ توفي صغير السن ودفن في مقبرته” مقبرة 62″ في وادي الملوك بالأقصر.. كان توت عنخ أمون بعمر التاسعة عندما أصبح فرعون مصر واسمه باللغة المصرية القديمة تعني”الصورة الحية للإله آمون” كبير الآلهة المصرية القديمة, وعاش توت عنخ آمون في فترة انتقالية في تاريخ مصر القديمة حيث أتى بعد إخناتون الذي حاول توحيد آلهة مصر القديمة في شكل الإله الواحد الأحد, وتم في عهده العودة إلى عبادة آلهة مصر القديمة المتعددة, واكتشاف مقبرته عام 1922 عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر وأحدث هذا الاكتشاف ضجة إعلامية واسعة النطاق في العالم.
وأمت مقبرة الملك توت عنخ آمون تعد ذات شهرة عالمية لأنها المقبرة الملكية الوحيدة بوادي الملوك التي تم اكتشاف محتوياتها سليمة وكاملة نسبياً, وكان اكتشاف المقبرة قد احتل العناوين الرئيسية في صحف جميع أنحاء العالم حيث صاحب ذلك ظهور التحف الذهبية وغيرها من القطع الفاخرة التي اكتشفت بالمقبرة. وتعتبر مقبرة توت عنخ آمون وكنوزها أيقونة لمصر ولا يزال اكتشافها أحد أهم الاكتشافات الأثرية حتى الآن.. وعلى الرغم من ثرواتها المهولة، فإن مقبرة توت عنخ آمون متواضعة للغاية من ناحية الحجم والتصميم المعماري مقارنة بالمقابر الأخرى في هذا الموقع وذلك بسبب وصول توت عنخ آمون إلى العرش في عمر صغير جدًا وحكم لمدة تسع سنوات فقط.. وضمت المقبرة حوالي 3500 قطعة أثرية تم اكتشافها والتي كانت مكدسة بإحكام شديد, هذه القطع تعكس نمط الحياة في القصر الملكي وتشمل الأشياء التي كان توت عنخ آمون يستخدمها في حياته اليومية مثل الملابس والمجوهرات ومستحضرات التجميل والبخور والأثاث والكراسي والأواني المصنوعة من مجموعة متنوعة من المواد والمركبات والأسلحة وغيرها.. ومن المفارقات العظيمة في التاريخ أن الملك الصغير توت عنخ آمون تم محو اسمه من تاريخ مصر القديمة لأنه مرتبط بالملك إخناتون الذي لم يحظ بشعبية بسبب انقلابه الديني قد تخطت شهرته حالياً العديد من أعظم ملوك مصر القديمة..
نعود الى متحف توت عنخ آمون بالجناح المصري ويقوم بشرح محتوياته محمود القماطي مرتدياً الزي الفرعوني كاملا.. ويبدأ المتحف بقاعة القناع الذهبي لتوت عنخ آمون والذي يعتبر قناع الموت للفرعون توت عنخ آمون والذي وجد داخل تابوته وكان مخصصا لحماية وجه ورأس المومياء وذلك من خلال صيغة سحرية نقشت على ظهره, وهو موجود الآن في المتحف المصري في القاهرة.. والقناع هو واحد من أكثر الأعمال الفنية شهرة في العالم وهو ليس فقط الصورة المثالية لمقبرة توت عنخ أمون بل ربما أكثر العناصر شهرة حول مصر القديمة نفسها.
بعد قاعة القناع تبدأ قاعة أخرى, على جانبها الأيسر عدة تمايل صغيرة لتوت عنخ أمون وتمثال لإيزيس مرتدة على وسطها حزامها الذهبي وحاملة بيديها وعلى رأسها الملك توت عنخ آمون الذي يمثل جزءاً من الأسطورة الأوزيرية.. ويلي ذلك التابوت الأوسط لمومياء توت عنخ آمون حيث كانت موميائه في تابوت صغير داخل هذا التابوت الأوسط والذي كان أيضاً داخل التابوت الخارجي من الحجر الكوارتزيت.. وبعد التابوت توجد مجموعة أوشابتي التي تتكون من ثمانية تماثيل الغرض منها هو خدمة المتوفى في العالم الآخر, وقد ظهرت لأول مرة في الدولة الوسطى؛ حيث كانت تُزوَّد المقبرة بواحد أو اثنين منها وذلك للقيام بالأعمال المختلفة نيابة عن المتوفى.. بعد ذلك نجد صندوق الكوبرا والكرسى القابل للطي, وصندوق الكوبرا الخشبي يرتكز على أرجل ومزين بشرائح من القيشاني الأزرق وزخارف منفذة من الجبس والذهب.. وأما الكرسي فمصنوع من الأبنوس المطعم بالعاج ليعطي انطباع أنه مغطى بجلد الفهد الذي تنزل مخالبه على الأركان.
أما على الحائط الأمامي يوجد نموذجا للتابوت الذهبي الصغير الذي كان بداخله مومياء الملك توت عنخ آمون.. ثم صندوق الصيد الخشبي المزخرف بمناظر ملونة تمثل مناظر حرب وصيد مختلفة مثل رسم للملك يمارس رياضة الصيد في الصحراء فعلى أحد جوانب الغطاء صور الملك توت عنخ آمون في مركبته يصطاد الغزال والإبل وزوج من النعام وغيرها من حيوانات الصحراء, وحين تم العثور على الصندوق كان يحتوى على صندل الملك ورداء وقلائد ومسند رأس وحزام وأدوات شعائرية يستخدمها في الطقوس المختلفة.. وبجانبه صندوق مطعم بالعاج ومزين برموز الحياة والأزهار.. وأما على الحائط الأيمن فيوجد لوحات تمثل مقبرة نون عنخ آمون لحظة اكتشافها وفتحها والمحتويات التي كانت بها والي أذهلت العالم أجمع.. وعلى الحائط الأمامي المجاور بمدخل القاعة فيوجد ثلاثة تماثيل أحدها تمثال نصفي لتوت عنخ آمون, والثاني تمثال امننحوتب باني هرم زوسر المدرج, والثالث للكاتب المصري الذي يشير إلى القارئ والكاتب والناسخ الرسمي في مصر القديمة, ويعني في مصر القديمة مسؤولاً متعلماً فن الكتابة والحساب. وهو موجود في كل مكان كمسؤول ومحاسب.
أما في وسط القاعة يوجد المقصورة الجنائزية لتوت عنخ آمون, حيث أن للملك توت عنخ آمون 4 مقصرات خشبية يوجد بداخلها التوابيت الثلاثة المتداخلة التي بها مومياؤه, وهذه المقصورات لها رمزية في تمثيل الاتجاهات الثمانية الواقعية للكون حسب تفكير المصريين القدماء, والمقصورة مثل الغرفة ومغلقة من جميع الجهات ولها باب واحد يضع فيها التابوت مثلها مثل المعبد وكل مقصورة يوضع عليها فصول ومناظر من كتاب الموتى تمثل الحماية الروحية والمادية لجسد الملك وعدم الإضرار به حيث أن المصري القديم كان يعتقد أن الجن متربص به, وتتكون المقصورة من سقف مزين بقرص شمس مجنح وثمانية طيور موضوعة تحتها ألقاب الملك كماً يحوي السقف نقوشاً من الداخل, و المقصورة تحتوي على بوابة عليها نقوش ونصوص من كتاب الموتى, وتعتبر المقصورة الأولى هي أكبر القطع الأثرية الخاصة بمقتنيات الملك توت عنخ آمون وتزن 2600 كليو جرام.
ثم صندوق كانوبي الذي يحوي أمعاء توت عنخ آمون بعد نزعها من مومياؤه, وصندوق كانوبي استخدمه المصريون القدماء لحفظ الأعضاء الداخلية المُزالة أثناء عملية التحنيط وكانت الآنية تُخزن داخل الصندوق الكانوبي. والصناديق الكانوبية الأولى كانت بسيطة ومصنوعة من الخشب.. ثم صندوق يعلوه أنوبيس يمثل الحيوان المعبود أنوبيس رب التحنيط وسيد الجبانة, وهو أبن آوى الأسود, وكان أنوبيس في العالم الآخر يقود الموتى الى ساحة العدالة التي يقوم عليها أوزوريس, ووجد هذا التمثال الخشبي لابن آوى مصبوغا باللون الأسود وملفوفا بالكتان في في غرفة صغيرة بمقبرة توت عنخ آمون, ويجثم الحيوان على صندوق مذهب على شكل مقصورة كبيرة وضعت بدورها على زحافة لها أربعة قضبان يحمل بها
والقاعة التالية خصصت لجميلة الجميلات الملكة نفرتيتي بمجسم لرأسها طبق الأصل للتمثال الأصلي, وأيضاً أخناتون ابن أمنحوتب الثالث بتمثال لوجهه معلقا على الحائط, وفي نهاية القاعة يوجد تمثال بالحجم الطبيعي لتوت عتخ آمون مرتكزا على حربة.. والملكة نفرتيتي والتي يعنى اسمها “الجميلة أتت” هي زوجة الملك أمنحوتپ الرابع الذي أصبح لاحقاً أخناتون وهو فرعون الأسرة الثامنة عشر الشهير وهي أم زوجة توت عنخ آمون, وكانت تعد من أقوى النساء في مصر القديمة, عاشت فترة قصيرة بعد وفاة زوجها وساعدت توت عنخ أمون على تولي المُلك, وكانت لهذه الملكة الجميلة منزلة رفيعة أثناء حكم زوجها وهي تنتمي للأسرة الثامنة عشر، وعاشت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد.. اشتهرت نفرتيتي بالتمثال النصفي لوجهها المصور والمنحوت على قطعة من الحجر الجيري في واحدة من أروع القطع الفنية من العصر القديم وهو أشهر رسم للملكة نفرتيتي.
والقاعة الأخيرة خصصت للمومياوات حيت بوجد بها مجسماً لمومياء الملك سقنن رع, ومجسم لمومياء الملك رمسيس الثاني ألذي يشار اليه برمسيس الأكبر الذي حكم مصر ثمانية وسبعون عاما, وينظر إليه على أنه الفرعون الأكثر شهرة والأقوى طوال عهد الإمبراطورية المصرية, سماه خلفاؤه والحكام اللاحقين له بالجد الأعظم.