واجهات الأجنحة بالقرية العالمية طرز معمارية للحضارات -3

دبي / سمير السعدي:
هذا هو الجزء الثالث من موضوع واجهات الأجنحة وكيف تم تصميمها لتعبر بها الدول المشاركة عن تراثها وحضارتها وتاريخها ليتعرف علية ضيوف القرية العالمية احتفالاً مع الأجنحة في روائع تاريخ هذه الدول والإبحار في تراثها المليئ بالإثارة والتشويق.. وسنختار هنا ثلاثة أجنحة أخرى لنتعرف على حكايتها وحكاية تاريخ وتراث الدولة صاحبة الجناح وحضاراتها على واجهات أجنحتها بالقرية العالمية.

جناح الإمارات

دولة الإمارات العربية المتحدة.. الدولة الفتية التي سبقت الدول المعاصرة لها بعشرات السنين.. الدولة التي قامت وترعرعت في زمن قياسي وتحتفل بعيدها الخمسين.. دولة سبقت الزمن وعصوره وضربت المثل في رعايتها واهتمامها بشعبها ومقيميها بل وبالعالم كله.. دولة تعطي وتحمي وتصون كل من التجأ اليها أو سألها المعونة في أي مجال.. دولة يحتذي حذوها كل جيرانها محاولين اللحاق بها وبركبها ومستفيدين من خبراتها فيما وصلت إليه من تقدم وتطور وتميز في كل المجالات وفي كل ما خاضته.. الدولة الحاضنة للقرية العالمية والتي أنشأتها إمارة دبي لتكون عنواناً سياحيا وثقافيا وترويحياً وتجارياً لدولة الإمارات كلها.. ووجود القرية العالمية فيها يعطيها بعداً كبيراً ومتميزا حيث لا توجد قرية مثلها رفي أي دولة على المستوى الإقليمي والعربي والدولي.. ودولة الإمارات مشاركتها السنوية لابد منها لأنها كما يقولون صاحبة البيت والدار.. وفي كل موسم تفاجئ ضيوف القرية العالمية بجناح متميز يعبر عن هويتها وتراثها.
وفي هذا الموسم للقرية العالمية الموسم السادس والعشرين تمثل واجهة جناح الإمارات الماضي فتم دمج القديم التراثي مع الجديد الحديث في تناغم جميل ليعطي للضيوف فكرة كافية عن الإمارات, وبمشاهدتها تتكون لديهم صورة كاملة للتراث والحداثة الإماراتية وتحقق شعار الموسم الجديد بالاحتفال معاً بالروائع والماضي والحاضر.. فمن الماضي تظهر الأبراج والقلاع الأثرية القديمة بكل ما فيها من تفاصيل والتي كانت من مظاهر الحياة في الزمن القديم ولا تخلو منها أي مدينة أو إمارة لأنها كانت مقر الحكم وأحياناً سكناً للحاكم أو حامية للدفاع عن المدينة, وأيضاً استخدام تفاصيل الشبابيك القديمة الخشبية التي كانت تستخدم في بيوت الزمن الأول, كما تم استخدام الحجارة الطبيعية المغطاة بالطين بالطريقة التي كانت تبنى البيوت والمباني القديمة, والبوابتان الجانبيتان فيعلوهما نماذجاً لأبراج قديمة.. وأما من الحاضر والحديث الذي تم استحضاره على واجهة الجاح هو الشعار والرمز المميز لمعرض إكسبو 2020 العالمي بمناسبة انعقاده في دبي, كما تم عمل بوابة كبيرة للجناح في منتصف الواجهة مشابهة لبوابة فندق أطلنتس كعنوان للسياحة بكل تفاصيلها وزخارفها ونقوشها.. وأما من الداخل وعلى واجهة محلات المعروضات نظهر صورة أسواق دبي القديمة.. ويظهر وسط الجناح بوضوح المنطقة التراثية بمحلات بنيت من الحجر الطبيعي الذي كان يستخدم قديما في بناء البيوت الأسواق ومحلاتها ويعرضان نماذج مشابهة تماما لعناصر ومواد وأدوات تراثية كانت تستعمل في زمن الأجداد, وبالدكك الخشبية القديمة التي وضعت لراحة الضيوف وتوزعت هنا وهناك في وسط منطقة التراث.

جناح اليمن

اليمن.. بلد القبائل العربية الأولى وبلد الحضارات القديمة.. بلد حضارة سبأ وبلقيس وحكايتها مع سيدنا سليمان والهدهد التي يعرفها الجميع لأنها وردت في القرآن الكريم, وحضارة مأرب وسد مأرب أول سد ينشأ في العالم القديم والحديث, وحضارة حمير.. يمن الجبال والوديان والسهول والبنايات المعلقة فوق الجبال.. اليمن أصل القبائل العربية التي انتشرت واستقرت في كل أرجاء الوطن العربي.. اليمن بكل حضاراته السابقة الذي كان يلعب دوراً محورياً في مجرى أحداث التاريخ ويشارك العالم في الأحداث والتاريخ والفعاليات والمواسم ومنها القرية العالمية بدبي حيث يشارك فيها منذ دورتها الأولى لتقدم لضيوفها الوجبات الدسمة من تاريخه وحضاراته وتلقي من خلالها الضوء على منتجاته المعروفة.. هذا هو اليمن السعيد بكل تاريخه ومشاركاته وحضاراته القديمة التي كانت منذ قرون طويلة وقبل التاريخ.
واليمن دائما في كل موسم من مواسم القرية العالمية يزداد إصراره على المشاركة فيها وأن يكون جناحها معبرا عن جزء من حضاراتها وتراثها اليمني.. وفي هذا الموسم وحتى يتحقق شعار القرية وهو احتفلوا معنا في قلب الروائع تقرر أن يظهر تراث اليمن المعماري, فصممت الواجهة الخارجية للجناح على النمط المعماري لمباني مدينة صنعاء القديمة التي تمتاز البناء بالأجر الطيني الأحمر والمزخرف بالجبس.. وبوابة الجناح صممت على غرار وشكل باب اليمن الذي هو أحدث بوابات صنعاء القديمة والتي تم بناؤها قبل حوالي ألف عام.. كما أن بناء صنعاء القديمة يمتاز بالشبابيك الخشبية والعقود أو القمريات الزجاجية الملونة والتي تعكس جمال البناء الصنعاني القديم الذي يعتبر من الآثار النادرة حيث أن صنعاء القديمة تعتبر متحفا مفتوحا واعتبرتها منظمة اليونسكو واحدة من أهم الدن التاريخية.. من هنا تقرر أن تكون واجهة الجناح تعكس هذا الإرث الحضاري والمباني التاريخية الأثرية, وروعي وجود ترابط وتلاحم بين هذه البيوت الصنعانية القديمة بكل أجزاؤها وتفاصيلها, وإظهار بعض هذه التفاصيل فوضعت الشبابيك بزجاجها الملون الى جانب القمريات الصنعانبة القديمة.. وتصميم الجناح من الداخل كان على نفس المنوال لنظهر أيضا تفاصيل هذه المباني القديمة على واجهات المحلات وفي وسط الجناح.. كما أضيف نموذجا لعرش بلقيس في وسط الجناح ومسرحا تقدم عليه فرقة فنية الفنون اليمنية التراثية, فهي تقدم جميع ألوان الغناء اليمني من خلال لوحات غنائية تقدمها يوميا على مسرح الجناح مثل الغناء الصنعاني واللحجي والتهامي والحضرمي مستخدمين آلات العود والمزمار والطبل والبرع ومختلف الآلات الإيقاعية, وعند تقديم كل لون يرتدي الفنانون أزياء المنطقة التي يقدمون تراثها الغنائي.

جناح العراق

عند إنشاء الجناح قرر المسئولون عنه تزينه ببوابة عشتار على واجهته حتى يتعرف الضيوف ويحتفلوا معهم بروائع تاريخ العراق وحضارات العراق. فمنذ القرن السادس قبل الميلاد، تبعث بوابة عشتار العظيمة على مدخل مدينة بابل العراقية الشعور بالإجلال والهيبة في نفوس كل من يراها.. وعندما وضع الشاعر الإغريقي أنتيباتر الصيداوي الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد قائمة بعجائب الدنيا السبع في العالم القديم كانت هناك مدينة واحدة تضم بين جنباتها اثنتين من هذه العجائب وهي مدينة بابل.. لكن هاتين العجيبتين حدائق بابل المعلقة وبوابة المدينة، لم تكن سوى اثنتين من بين العديد من العجائب التي يمكن للمرء أن يصادفها في هذه المدينة القديمة الرائعة.
وبوابة عشتار هذه هي البوابة الثامنة لمدينة بابل الداخلية والتي بناها نبوخذ نصر عام 575 ق.م في شمالي المدينة إهداءً لعشتار آلهة البابليين, وعثر الألمان على بوابة عشتار الأصلية في أيام الدولة العثمانية ونقلت إلى ألمانيا ووضعت في متحف بيرغامون في برلين ولاتزال موجودة في المتحف إلى الوقت الحالي.. والبوابة على اسم إلهة الزهرة “عشتار” وهي تعني حسب أساطير بابل أنها المتحكمة في أمور البشر لأنها عشيقة كبار الآلهة “اونو، انليل، اشور”, ويقول بعض المؤرخون أيضا أن نبوخذ نصر الثاني بنى بوابة عشتار حبًا لزوجته.. والبوابة مكسوة بكاملها بالمرمر الأزرق والرخام الأبيض والقرميد الملون وكانت مزينة بـ 575 شكلًا حيوانيًا بارزًا منها التنين المعروف بالسيروش والثيران, وعلى جدرانها تماثيل جدارية تمثل الأسد والثور والحيوان الخرافي المسمى “مشخشو” وهو يمثل رمز الآلهة مردوك.. وكانت تعتبر البوابة التي هي جزء من أسوار مدينة بابل تعتبر واحدة من إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم حتى القرن السادس قبل أن يتم استبدالها بمنارة الإسكندرية.
ويبلغ ارتفاع باب عشتار مع الأبراج خمسين متراً وعرضها ثمانية أمتار والباب محاط بالأبراج الجميلة والعجيبة وكانت المواكب تدخل من بوابة عشتار إلى المدينة الداخلية.. ويعود تاريخ بناء بوابة عشتار إلى حقبة زمنية سابقة لعهد الملك نبوخذ نصر البابلي, لكنه عمرها وزاد في بنيانها بحيث غدت أكثر جمالاً وتميزاً, وهو من زينها بالتنين والثيران وبالطابوق المصقول المطلي, وهو الذي وضع الأبواب بعد أن غطاها بالنحاس وثبت فيها مغاليق ومفاصل من البرونز ومازالت موجودة في متحف ألمانيا في برلين. وأما من الداخل فقد صممت واجهات محال العرض وأعلاها على غرار حدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم وهي العجيبة الوحيدة التي يُظن بأنها أسطورة ويُزعم بأنها بنيت في المدينة القديمة بابل وهي أول تجربة للزراعة العمودية في التاريخ..