أخبار رئيسية

الموارد الطبيعية ودورها في تعزيز التنمية المستدامة

بقلم يوسف أحمد المطوع / المدير التنفيذي لمدينة الشارقة المستدامة

تشير التقديرات الرسمية إلى أنّ تعداد سكان العالم سيصل إلى أكثر من 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، ما يعني زيادة الطلب بصورة كبيرة على الموارد الغذائية وسيأتي الطعام الموجود على مائدتنا من أراضي ومناطق زراعية تختلف عن المناطق التي تزودنا به في الوقت الحاضر.
فعلى سبيل المثال، ستأتي الحمضيات من جورجيا؛ والأفوكادو من صقلية؛ والقهوة من الصين. في حين أنّ دول حزام القهوة مثل كولومبيا ستعاني من صعوبة إنتاج محاصيل القهوة العربية وفقاً لما أشار إليه عالم البيئة السويسري رومان جروتر في بحثه المنشور في الشهر الماضي (26 يناير) والذي تناول من خلاله الدراسات السابقة عن التأثير الكارثي لتغير المناخ على الأمن الغذائي وأسلوب الحياة.
ويتناول البحث الذي تميز بشموليته أحد أهم الأسئلة التي تشغل البشرية حتى اللحظة: كيف يمكننا العيش والازدهار في تناغم وانسجام تام مع كوكبنا؟ بالتأكيد، تحظى هذه القضية باهتمام المجتمع الدولي على نطاق واسع وتتضاعف الجهود حالياً بهدف بناء عالم مستدام، وقد تم مناقشة هذه القضية موسعًا قمة COP26) ) التي انعقدت أواخر العام الماضي في غلاسكو، وجمعت الأطراف معًا لتسريع العمل من أجل تحقيق أهداف اتفاق باريس واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
أما على الصعيد المحلي في دولة الإمارات، فقد أصبحنا بفضل الرؤية الثاقبة للقيادة الرشيدة نعيش المستقبل ونلمس الاستدامة في حياتنا اليومية.

قوة الاستدامة

لقد آمن الآباء المؤسسون منذ قيام الدولة بقوة الاستدامة ودورها المحوري في تحفيز الازدهار والنمو الاقتصادي وتحويل الصحراء القاحلة إلى جنة وواحات خضراء. وانطلاقاً من هذا التوجه، أعلنت القيادة الرشيدة عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051 بهدف جعل الدولة مركزاً ريادياً عالمياً للأمن الغذائي القائم على الابتكار وأساليب الحياة المستدامة.
وتسعى الإمارات من خلال هذه الاستراتيجية إلى تصدر مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول عام 2051 من خلال تعزيز الإنتاج الغذائي المستدام الذي يشكل أحد أهم الركائز الأساسية لاستراتيجية الأمن الغذائي. ولا شك أنّ المجتمعات المستدامة في الدولة – مثل مدينة الشارقة المستدامة والمدينة المستدامة في دبي ومدينة مصدر في أبو ظبي – باتت تشكل جزءًا رئيسيًا من هذه الاستراتيجية بفضل توفيرها حلول عملية وذكية تتناسب مع الطلب المتزايد على الغذاء والماء والموارد الطبيعية.

الغذاء والزراعة وسبل العيش

يشكل “أسبوع الغذاء والزراعة وسبل العيش” الذي سينعقد في “إكسبو 2020 دبي” خلال الفترة المقبلة منصة هامة لمناقشة ودراسة دور المجتمعات المستدامة من منظور ثقافي واجتماعي وبيئي واقتصادي، ويمثل أيضاً فرصة مثالية لتسليط الضوء على مساهمتها الحيوية في دعم الأمن الغذائي على المستوى الوطني.
لقد بات من الملاحظ في الآونة الأخيرة توجه الناس للبحث عن أساليب عيش ذكية ومستدامة لتلبية أبسط احتياجاتهم اليومية مثل توجههم لاستخدام السيارات الكهربائية في التنقل، والاعتماد المتزايد على الطاقة الكهروضوئية في المنازل وتخزين الفائض منها لتخفيض استهلاك الطاقة غير المتجددة، وحتى زراعة المحاصيل من خضروات وفواكه للاستمتاع بها في المنازل.
ومن هنا، ندرك ضرورة تطوير البنية التحتية المناسبة للمجتمعات المستدامة لتقليل تأثيرها البيئي والحد من بصمتها الكربونية من جهة، وتعزيز تبني أسلوب حياة سعيد ومتكامل من جهة أخرى، وتقع هذه المسؤولية على عاتق قطاع التطوير العقاري المستدام.
فمثلاً، يمكن لسكان المجمعات المستدامة استغلال المناطق الحيوية الخضراء كمساحات حضرية لزراعة منتجاتهم الخاصة، كما يمكن للبيودومات التي تتضمن تكنولوجيا الزراعة المائية أن تسهل الزراعة العمودية، ويمكن لمصانع الغاز الحيوي المتكاملة تحويل النفايات العضوية إلى مورد طاقة مهم، بينما يمكن استخدام المخلفات كسماد للنباتات وصناعة التجميل والزراعة العمودية.
وهذا ما يعكس حقيقة أن المنازل المستدامة، خاصة تلك تم التخطيط لها بصورة منظمة ودعمها بالتكنولوجيا الذكية هي رهان المستقبل الناجح بل إنها ستضع المستثمرين فيها في مكانة رائدة.

التقنيات الذكية

حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في أحدث تقاريرها من حدوث تغيرات مناخية دائمة في ظل غياب إجراءات جدية وفورية لمعالجة هذه القضية، وهذا ما يعكس حقيقة أنّ الاستدامة لم تعد مجرد شعاراً رناناً، ويؤكد ضرورة وضعها في صميم جميع جوانب الحياة والقطاعات المتعددة، بدءاً من قطاع العقارات مروراً بالقطاع الغذائي وقطاع التنوع البيولوجي لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة. لذلك يتوجب على المجتمعات المستدامة الاستفادة من التكنولوجيا الذكية في تعزيز الأمن الغذائي من جهة وتطوير جميع الجوانب الحياتية في المجتمع من جهة أخرى مثل تخزين الطاقة المتجددة، وتطبيق تقنيات التصميم الصفري لتقليص انبعاثات الكربون، وتقديم حلول تنقل نظيفة.
ولا شك أنّ المجتمعات المستدامة هي خير مثال قادر على تجسيد الروابط المعقدة للاقتصاد الدائري، حيث تعكس العلاقة الترابطية بين الزراعة الحضرية وإنتاج الغذاء المستدام من جهة والطاقة الشمسية التي تمدها بالطاقة من جهة أخرى. وبحسب تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي، سيساهم الاقتصاد الدائري العالمي بما يصل إلى 4.5 تريليون دولار في الفوائد الاقتصادية بحلول عام 2030، على الرغم من أن 8.6 في المائة فقط من الاقتصادي العالمي دائري حاليًا.
وتسعى دولة الإمارات إلى استغلال الإمكانات الهائلة التي يوفرها الاقتصاد الدائري في دعم نمو اقتصادها الوطني، لاسيما أنّ التطورات الحضرية المستدامة التي تشهدها الدولة تشكل عاملاً قويًا يسهم في تحقيق هذا الهدف. ووفقاً لسياسة الاقتصاد الدائري لدولة الإمارات التي أطلقت العام الماضي، يمكننا إحراز المزيد من التقدم بشكل أفضل وبموارد أقل، وكسر العلاقة التقليدية بين النمو الاقتصادي والتدهور البيئي. لذلك يتوقع أن تجد هذه السياسة صدىً واسعاً ضمن المجتمعات المستدامة التي تتميز بتوفيرها أسلوب حياة حيوي وصديق للبيئة، بل وستساعد في توفير فرص نمو اقتصادية كثيرة.

مجتمعات منخفضة الكربون

تتمتع المجتمعات المستدامة في دولة الإمارات بميزات فريدة وقدرات هائلة تجعل منها نموذجاً عالمياً فريداً لما ستكون عليه المجتمعات منخفضة الكربون في المستقبل، ويمكن استعراض تجاربها خلال قمة المناخ COP28 الذي تستضيفه الدولة العام المقبل ويتزامن ذلك مع توجه الدولة لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
ورغم أن شبح التغير المناخي أصبح حقيقة نعيشها، الا أنّه بات من الضروري تحويل هذا التحدي الكبير إلى فرص للنمو والتطور. وفي دولة الإمارات تقود المجتمعات المستدامة التي تتمتع باكتفاء ذاتي هذا التحول، وتدفع بعجلة التقدم نحو عالم أكثر خضرة لتقليص تأثير التغيير المناخي. ومن هنا نجد أن المعادلة باتت واضحة جداً: اتحاد العلم مع الطبيعة وأسلوب الحياة المتكاملة يشكل قوة لا تقهر بل هي السبيل الوحيد والمستدام نحو تطوير مدننا في العقود المقبلة وخارطة الطريق لمستقبلنا، لذلك وجب العمل على تطبيقها بأسرع وقت ممكن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى