متحف المستقبل في دبي: العمارة واللغة

بقلم / دكتورة فاطمة محمد خميس

افتتحت دبي منذ أيام قليلة صفحة مشرقة جديدة في طموحات الإمارات نحو المستقبل عبر تدشين “متحف المستقبل”. وخير تعبير للرؤية خلف هذه الأيقونة المعمارية مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: “متحف المستقبل هو ترجمة للخيال الإنساني، وتجسيد للإرادة الإماراتية التي تواصل التفوق على نفسها، متحف المستقبل سيكون ملتقىً للعقول والباحثين والعلماء والخبرات والطاقات الفكرية والإبداعية من كل أنحاء العالم”. إذن هي رؤية تجمع الخيال بالعلم والعمل، وهذه معادلة صعبة إلا أنها ليست عصية على الإرادة الإمارتية التي تبنت العمارة واللغة كموروثات عربية أصيلة في تصميم وبناء “متحف المستقبل”. وعليه فزائر المتحف سيجد نفسه في ضيافة إنجاز هندسي قائم على خصائص العمارة العربية مثل تطويع الضوء الطبيعي والزخرفة الإسلامية التي تبتعد عن الرسوم الحية وتعتمد على نماذج مستمدة من خيال المصمم.
وقد أبدع الفنان الإماراتي مطر بن لاحج في استخدام خط الثلث العربي لاقتباسات مميزة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، التي حولت بعد ذلك إلى لوحة تشكيلية محمولة على هيكل المتحف. ولعل الإبداع الأقوى للفنان الإماراتي هنا يكمن في تحويل الحروف من خلال خط الثلث إلى دلالات بصرية ذات طابع جمالي أخّاذ، وهو إبداع يصادق بامتياز مضمون مقولات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد المختارة على هيكل المتحف: ” لن نعيش مئات السنين، ولكن يمكن أن نبدع شيئاً يستمر لمئات السنين”، و”المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه.. المستقبل لا ينتظر.. المستقبل يمكن تصميمه وبناؤه اليوم”، و” سر تجدد الحياة وتطور الحضارة وتقدم البشرية يكمن في كلمة واحدة هي الابتكار”.
وسيكون للزائر العربي ميزة خاصة في التعرف على هذا المزج المُبتكر بين العمارة واللغة، إذ لا بد وأن يرى في “متحف المستقبل” حلقة وصل مع معمار الحضارة العربية الأندلسية الذي لا يزال قبلة لمحبي فن العمارة العربية والإسلامية في أوروبا. فعبارة “لا غالب إلا الله” مثلاً المنقوشة على قصور غرناطة هي شعار النصر للموحدين وورثتهم من بنى الأحمر. وتختلف الروايات التاريخية في أصل صياغة تلك العبارة إلا أنها دلالاتها واضحة على البعد الوجداني الذي يربط العربي بلغته وثقافته وسمتي التواضع والبساطة التي هي من مزايا الشخصية العربية، ولعل الأخير الشاهد الأهم على حضورهم الأنيق بين شواهد العمارة الأوروبية في الأندلس. ومراد القول هنا أن حاضر عمارة “متحف المستقبل” يعكس أيضاً تاريخ الرابط الوجداني بين العرب وبين لغتهم بإبداع هندسي لا نظير له، إبداع يربط الماضي بالحاضر ومستقبل مشرق تسعى له قيادات الإمارات والمنطقة في سبيل إسعاد شعوبهم ومن هم في ضيافتهم.

Exit mobile version