أولاً: تاريخها:
1. يجب أنْ نتذكر أن الرغبة الروسية بعودة الاتحاد السوفيتي هي عقيدة راسخة في عقل كل روسي، وليست نتيجة طموحات، أو أهداف شخصية للرئيس بوتين.
2. أذكر أنني في إحدى زيارات العمل لمكتبنا في موسكو حضرت كلمة للرئيس بوتين في أحد مراكز الأبحاث، في السنة الثانية لاستلامه الرئاسة، وقال فيها: “لقد أنجزنا تنظيم الاتحاد الروسي ورسالتنا الرئيسة التالية أن نهتم بمحيطنا الجيوسياسي”.
3. ويجب أن نتذكر أن أمريكا عندما أنشأت “الناتو” كان ذلك انطلاقا من رغبتها في احتواء روسيا وعدم عودتها خصما موازيا لها.
4. وبالتالي يجب أن نتذكر أن كلا الطرفين يتصارعان حول النظام العالمي، فمن جهة تريد أمريكا الاستمرار في قيادة العالم ومن جهة أخرى تتطلع روسيا إلى دورها في قيادة النظام العالمي – كما كان – بقيادة ثنائية: أمريكية، سوفيتية.
ثانياً: توصيفها؟
1. انتظروا التحرك الصيني لضم تايوان بصورة نهائية وشاملة، كرد فعل لأي استفزاز متوقع أمريكي أو أوروبي لها. وربما يكون ذلك تجاوبا مع طلب من روسيا من أجل تخفيف الضغط عسكريا عنها، واجتهادي أن الحرب على (أوكرانيا) هي مقدمة للحرب على تايوان التي تعتبرها الصين جزءا تاريخيا منها، كما تعتبر روسيا أوكرانيا جزءا تاريخيا منها. وبالتالي سيدخل العالم في حرب بحر الصين.
2. كل هذا سيؤدي إلى ما أسميه “الحرب العالمية الثالثة”، وستكون حربا مختلفة عن الحرب العالمية الثانية؛ بسبب طبيعة التطورات التقنية التي تستند إلى القوة العسكرية عن بُعد وإلى الهجمات الإلكترونية والبيولوجية والكيميائية، فلا يتوقع أحد أن تحتل جيوش الصين أمريكا ولا أن تحتل جيوش أمريكا الصين.
رابعا: مستقبلها:
1.أمريكا ومعها بريطانيا، ومن جهة أخرى الصين ومعها روسيا، هما طَرَفَا قيادة هذه الحرب العالمية.
2. كما بدأت حرب أوكرانيا باستفزازات، فستبدأ حرب تايوان باستفزازات، وسيصبح العالم كله جزءا من هذه الحرب: اختياريا أو إجباريا، كلا حسب تطلعاته إلى تموضعه في النظام العالمي الجديد.
3. لقد أتيح لي أن أطلع على محاولات كثيرة للوصول إلى اتفاق على التحول إلى نظامٍ عالمي جديد، وفشلت كلها، بما في ذلك محاولة كان قد طُلِبَ مني فيها أن أرتب وأدير لقاء قمة اقتصادية غير حكومية لاقتراح صيغ اتفاق تُرفع إلى مستوى القرار السياسي، إلا أنها قد فشلت أيضا!
4. وقد أتيح لي قبل عشر سنوات، في مؤتمر صيني عالمي، حول الملكية الفكرية أنْ أجلس على العشاء (بصفة “أبوغزاله للملكية الفكرية” هي الأكبر على مستوى العالم، وبحكم أننا نتميز بين المنافسين بوجود مكاتب لنا في الصين) أن أكون إلى جانب الوزير الصيني فسألته عن وجود تنسيقٍ دولي بين (الصين وروسيا) فأجابني أن هنالك شراكة في التخطيط والتنفيذ”.
5. ليس هنالك مِن حل إلا بجلوس الأربعة الكِبار على طاولة التفاوض، ولن يتحقق ذلك إلا عند اضطرارهم له تحت الضغط، وتجنبا لمزيد من عواقب الحرب العالمية وأخطارها.
6. إن انتظار قرارات دولية سواء من مجلس الأمن، أم من غيره، لن تُحقق أكثر مما حققته تلك القرارات في (فلسطين)، إضافة إلى أن المتحاربَين الآن يحملون “حق الفيتو”.
7. سينشأ حتما نظام عالمي جديد وبقيادة متعددة الأطراف، وستنشأ اتفاقيات دولية جديدة كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية، وستتناول الصراع حول أمور أساسية منها عولمة الإنترنت وعولمة العملة الدولية وسياسة العقوبات ونظام عمل الأمم المتحدة، ومؤسساتها، وكارثة التلوث المناخي التي تهدد البشرية وغيرها!
8. إن الاتفاق على قيام “نظام عالمي جديد” هو في مصلحة كل العالم، بدلا من نظام الغاب الحالي.
خامسا: آثارها:
1. في محيطنا الإقليمي إيران حَسَمَت موقفها المؤيد لروسيا، وتركيا بحكم عضويتها في الناتو هي في وضع صعب أما العدو الصهيوني في فلسطين فهو في وضع أصعب من وضعه مع المفاوضات النووية، خاصة بوجود رئيس أوكراني يهودي، وجالية يهودية أوكرانية لا بأس بها! وليس مستغربا إعلان رئيس سلطة الاحتلال عن مشاعره وتعاطفه مع الشعب الأوكراني فقط!
2. لدى الدول العربية، التي هي همي الدائم، هامش حركة صغير، أو كبير للتموضع في هذه الحرب بأقل قدر ممكن من الضرر الذي لا بد منه. ولذلك أناشد قادتنا، كل من موقعه، لدراسة ما يمكن اتخاذه من إجراءات حمائية، بما في ذلك تأمين أساسيات الحياة من غذاء ودواء وتحول رقمي.
3. ولعل معالي أمين عام جامعة الدول العربية سيجد من المناسب ترتيب اجتماع عربي على أي مستوى يراه ليكون تشاوريا وليس هادفا لاتخاذ أي قرارات أو مواقف، بل هو لتبادل الأفكار فيما يحقق تحصين كل دولة والوضع العربي بأكمله.
4. وختاماً، لقد علمتني الحياة أن الأزمات هي فرص لمن يُحسن استغلالها أيضاً.
طلال أبوغزاله
1/ 3/2022