رائحة الزعفران الذهب الأخضر تنعش القرية العالمية بدبي

دبي / سمير السعدي:
الزعفران هو صبغ أصفر زاهي اللون يضيف نكهة طيبة للمأكولات والمشروبات, يُنتَج عن طريق تجفيف مياسم الزهرة وجزء من الأقلام لنبات زعفران الخريف البنفسجي الذي يعرف علمياً باسم الزعفران السوسني.. وللزعفران رائحة طيبة ولكن مذاقه مر ويستخدم في الطهي ليكسب الطعام نكهة طيبة وفي تلوين الحلوى, ويستخدم في أوروبا والهند كنوع من التوابل تضاف لأنواع من الطعام.. والمواد الفعالة بالزعفران هي سبب اللون المميز له كما يعزى للجليكوسيد الطعم المميز للزعفران وصبغات الكاروتنويدات, وتحتوي المياسم على زيت عطري ثابت يحوي مركباً عطرياً هو المسئول عن الرائحة.
ويستخرج الزعفران من زهرة صغيرة يوجد في قلبها خيوط الزعفران ويتم استخراجها وتجميعها بدقة متناهية وبأيدي أشخاص ذو خبرة وفن في التقاطها وتجميعها, ثم تنزع المياسم من الزهور المتفتحة وتجفف في الظل, ثم على شبكة رفيعة أو دقيقة على نار هادئة, وهذه المادة لونها أحمر برتقالي وذات رائحة نفاذة وطعم مميز وتحفظ في أوان محكمة لكي لا تفقد قيمتها كمادة ثمينة.
ويعود تاريخ زراعة الزعفران إلى أكثر من 3,000 عام, و كان السلف البري لنبات الزعفران المُروّض هو “نبات الكارترايتيناوس”, وكان المزارعون القدماء ينتقون من الزعفران النباتات ذات المياسم الطويلة ثم زرعها في مزارعهم, وهكذا انبثقت الأنواع المروضة من الزعفران خلال أواخر العصر البرونزي في كريت.. ويَعتقد الخبراء أن هناك وثائق تتحدث عن الزعفران تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد حيث اكتشف أنه عقار طبي في أثناء فترة حكم أشور بانيبال, وابتداءً من ذلك الوقت تم استخدام الزعفران في الطب لعلاج أكثر من 90 مرضاً.. وأجود أنواع الزعفران ذو الشعر الأحمر الذي ليس في أطراف شعره صفرة, وأفضله الطري الحسن اللون الذكي الرائحة الغليظ الشعر الذي يوجد في أطرافه شبه بياض.
وعلى الرغم من تكلفته العالية استخدم الزعفران في القرون الوسطى في صبغ النسيج ولا سيما في الصين والهند ولكنه ذو لون غير مستقر فحيوية البرتقالي والأصفر تتلاشى بسرعة إلى اللون الأصفر الشاحب, وكانت الملابس المصبوغة من الزعفران حكرا للطبقات النبيلة فقط من عباءات وأردية مميزة كالتي كان يرتديها الرهبان الهندوس والبوذيون في كل من إيرلندا وإسكتلندا, كما أن الرهبان كانوا يرتدون قميص من الكتان كان مصبوغاً تقليدياً بالزعفران.. وكانت هناك محاولات عدة لاستبدال الزعفران المكلف والغالي مع ارخص صباغة مع بدائل الزعفران المعتاد في القرطم والغذاء والكركم والتوابل.. وكان الزعفران قديما رئيسيا في المواد العطرية المعروفة باسم كورسينيوم الذي يضم مكونات مثل دم التنين والنبيذ, كما تم تطبيق كروسينيوم العطر على الشعر واعداد خليط الزعفران مع النبيذ لإنتاج رذاذ لزج ويتم تطبيقها على المسارح الرومانية باعتبارها الهواء المعطر.. كما استخدموا في الأزمنة القديمة صبغة الزعفران في كتابة الرسائل.
والزعفران نبات معمر يمكث في الأرض من 7 إلى 10 سنوات حتى إعادة زراعته من جديد, وطول النبات 30 سم والأوراق شريطية خضراء, ويتكاثر الزعفران بالكورمات وهي ساق متحورة لتخزين الغذاء بَصَلِيَّة الشكل في الخريف وتنمو الأزهار عند مستوى سطح الأرض, وتزهر بعض أنواع الزعفران في الربيع ويُزْهر بعضها الآخر في الخريف.. ويخرج من بين الأوراق الشريطية شمراخ زهري يحمل زهرة أو زهرتين بلون بنفسجي وتحتوي كل زهرة على قلم بلون أصفر عند القاعدة ويتفرع هذا القلم في نهايته العلوية إلى ثلاثة مياسم, ولكل زهرة مدقة واحدة وثلاثة أسدية لونها أصفر برتقالي أو أحمر وهي الجزء المستعمل والمعروف بالزعفران.. والدول التي تزرع الزعفران كثيرة ولكن أهمها وأشهرها وأكثرها إنتاجا حاليا هي إيران وأفغانستان واسبانيا واليهم ينسب الإنتاج العالمي للزعفران.. ويعتبر الزعفران من النباتات المكلفة في زراعته مادياً وفنياً وتقنياً لذا أصبح سعره باهظ الثمن وخصوصا الأنواع الفاخرة منه, فالحصول على 500 غرام منه يتطلب زراعة ما لا يقل عن 70.000 زهرة يجب أن تكون جميعها صحيحة وصالحة, وأن ما يقرب من 4,000 زهرة يمكن أن تنتج نحو 28 جرام من الزعفران التجاري.. كما أن الزعفران الطازج حين يتم تجفيفه يفقد الكثير من وزنه فالخمسة وعشرون كيلو غرام منه يصبح بعد التجفيف حوالي خمسة كيلو غرامات فقط..
وبالنسبة لزراعه الزعفران فتحتل حيزاً كبيراً في تفاصيل الحياة اليومية لحياة السكان في مناطق عديدة بإيران وأفغانستان وإسبانيا وتعيش أكثر من مائتي قرية جبلية على زراعته, ويعمل في جمعه وتجهيزه ما ينتج منه أكثر من مائة ألف عائلة, وزراعته مشحونة بالأمل ومحكومة بالحظ ورهن لمزاج الطبيعة ألام والتي تواجه الكثير من المتاعب مؤخراً وأهمها ظاهرة الدفء لان أزهار الزعفران لا تعيش مع ارتفاع درجات الحرارة, والشرط الأول لنجاح زراعه زهرة الزعفران هو الارتفاع عن سطح البحر بما لا يقل عن ثلاثة آلاف متر وكلما كان الجو بارداُ كانت زهور الزعفران أفضل ورائحتها أقوى وتويجاتها أكثر قوة وصلابة, ولا عجب أن أطلق المزارعون على هذه الزهرة اسم “أزهار الحياة”.. فالزعفران أغلى ما لديهم ويعتبرونه ذهبهم الأحمر الذي ينعش القلب وينقى الدماء ويهدئ الأعصاب ويساعد على إزالة بالأرق.. وتعتبر نسبة الإنتاج الإيراني من الإنتاج العالمي 55 % أما الأفغاني فهي 35 % والإسباني 10 %
وعن طقوس زراعه الزعفران, فالزهرة تنتج عن أبصال يتم غرسها داخل الأرض وتزهر مرة واحدة في السنة وكل بصله تنتج 3 زهرات في أفضل أحوالها, وما يؤخذ من الزهور هو التويجات الصغيرة التي تتوسط مركز الزهرة وتحمل اللقاح والرحيق وهى طويلة وتتحول إلى خيط رفيع احمر عند تجفيفها وتصل للمستهلك على هذه الصورة.. أما الأبصال فيتم تغييرها كل سبع سنوات وتروى مساحات الزعفران مرة واحدة في السنة اذا شهدت منطقة زراعته جفافاً أو قبل سقوط المطر.
ويوصى القائمون على بيع الزعفران بضرورة حفظه في البيوت بعيداً عن الرطوبة وان يتم طحنه جيداً في وقت الاستعمال فقط للاحتفاظ بلونه وطعمه الأصلي, ويضاف للشاي والقهوة والحلويات والمأكولات بعد الإعداد ويقلب جيدا لإكساب المذاق والرائحة الطيبة المطلوبة.. ويحدد بائعو الزعفران أسعاره حسب جودته وتقسيماته المتعارف عليها فالسارجول وهو ما يؤخذ من راس التويجات هو أغلى الأنواع ثم هناك البوشالى وهو نوع آخر من الزعفران يستعمل غالباً في صنع الحلوى وفى أقراص البخور, وتعتبر خيوط الزعفران الأقوى والأكثر سمكاً هي الأفضل.