اليابان ..إمبراطورها يملك كل شيء ولا يملك شيئاً!!
بقلم / الدكتور محمد الأمين البشرى*
يقوم نظام الحكم في اليابان على صيغة متميزة تأخذ من الديموقراطية الغربية أسباب الحرية والتعددية والتقاليد البرلمانية بجانب الموروث الحضاري الياباني الذي يتسم بالانضباط والاحترام المتبادل بين الأفراد والأسر والجماعات. يطَّلع البرلمان المنتخب بمجلسيه النواب والشيوخ بمهمة انتخاب رئيس الوزراء وإجازة القوانين وله السلطة في تعديل الدستور. يعتبر رئيس الوزراء هو المسؤول الأول في نظام الحكم ويُسأل أمام البرلمان عن حسن الأداء. أما الإمبراطور فهو رمز الوحدة الوطنية ويستمد سلطاته من الشعب بحكم الدستور.
يقوم الإمبراطور بالتصديق على توصيات البرلمان التي يرفعها رئيس مجلس الوزراء في المسائل السياسية ، مثل تعيين رئيس الوزراء ورئيس المحكمة العليا واعتماد سفراء الدول الأجنبية. والإمبراطور الياباني قبلة مقدسة بالنسبة لجميع اليابانيين ولكن ليس له أي تأثير على الشؤون السياسية ، سوى الدور التشريفي ومباركة ما تقوم به الحكومة المنتخبة. والإمبراطور الياباني ، كما يقول اليابانيون يملك كل شيء ولا يملك شيئاً. إذ أن للأسرة المالكة أمانة خاصة بمرتبة وزارة تتولى إدارة كافة شؤونها العامة والخاصة. وترسم الأمانة مختلف برامج وخطوات الأسرة الإمبراطورية ،في حلها وترحالها ومأكلها وملبسها. يقع القصر الإمبراطوري بميادينه الخضراء الواسعة في منطقة “هيبيا” في قلب مدينة طوكيو محتفظاً بطابعه الخشبي القديم ومحاطاً بعازل مائي كان في الماضي يشكل أحد خطوط الدفاع عن الإمبراطور. وأسرة الإمبراطور كغيرها من الأسر اليابانية محدودة العدد الشيء الذي يسهل مهمة الوراثة من الأب إلى ولي العهد (الابن الأكبر) الذي يكون في الغالب وحيداً. ولا يسمح القانون بتولي الأنثى ولاية العهد، الشيء الذي قد يقود إلى أزمة ، خاصة بعد ميلاد الأميرة إيكو في عام 2001، كأول مولودة لولي العهد ناروهيتو.
والإمبراطور رمز الوحدة والقوة وموضع احترام كافة اليابانيين ويأخذ مكانة خاصة في نفوس المواطنين . ويعتبر إجماع الأمة على حب الإمبراطور سراً من أسرار النجاح والانضباط الياباني رغم إنكار البعض لهذه الحقيقة. وللإمبراطور الياباني وبصفة خاصة الإمبراطور السابق “هيروهيتو” وضع لا يحسد عليه وسط شعوب الدول المجاورة باعتباره رمز الحرب والاستعمار والقهر الذي لحق بتلك الشعوب إبان احتلال الجيوش اليابانية لتلك الدول.
وتؤكد الشواهد احترام وحب اليابانيين للإمبراطور كرمز ومصدر قوة الأمة. وقد وضح ذلك جلياً عندما لزم الإمبراطور السابق” هيروهيتو” سرير المستشفى الإمبراطوري حيث ظل المواطنون يرابطون بأعداد كبيرة حول القصر لأكثر من ثلاثة أشهر وهم يصلون ويدعون له بالشفاء رغم بلوغه التسعين من عمره. كما ظل الملايين يتابعون أخباره الصحية عبر شاشات التلفاز التي ظلت تبث التقارير الصحية على مدار الساعة من خلال عشرة قنوات رئيسية.
وإن كان الإمبراطور “هيروهيتو” – المولود في 29 إبريل 1901م الذي تولى العرش في عام 1916م والمتوفى في عام 1989م – هو الذي قاد اليابان إلى الحرب العالمية الثانية، إلا أنه أيضاً هو الذي تقبل الهزيمة وظل حارساً وراعياً للنهضة اليابانية الكبرى حتى وقفت البلاد في عصره كإحدى القوى الاقتصادية العظمى في العالم.
يعتبر الإمبراطور السابق” هيروهيتو” من العلماء ، فقد تخصص في علم الأحياء وألف “14” كتاباً في مجال تخصصه وظل يشرف بنفسه على حدائق القصر الإمبراطوري وأشجارها وزهورها حتى وفاته. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإمبراطور الياباني – عادة – يجمد اسمه الحقيقي فور توليه العرش ويأخذ اسم عهده. ويبدأ التقويم الياباني مع كل إمبراطور وباسم عهده. وبوفاة الامبراطور ينتهي اسم العهد وتقويمه ويعود له اسمه القديم ثم يبدأ التقويم الجديد مع العهد الجديد. وعليه فإن التاريخ الياباني الحديث يتكون من:
• 1868عهد “ميجي” ، ويعني الحكم المضيء ويبدأ التقويم الياباني فيه من عام “ميجي” (1) إلى “ميجي” (44)
•1912عهد “تايشو” ، أي العدل الكبير ، ويبدأ التقويم الياباني فيه من عام تايشو(1) إلى عام تايشو(14)
•1926 عهد “شوا”،المعنى السلام ، ويبدأ التقويم الياباني فيه من عـــام “شوا” (1) إلى عام “شوا” (63)
•1989 عهد هيساي ويعني استكمال السلام وبدأ معه التقويم الياباني فيه من عام “هيساي” (1) الى عام هيسي 30
•2019 عهد رايوا ويعني تناغم جميل وبدأ التمويم الياباني بعام رايوا (1) وما زال.
*الأستاذ الدكتور محمد الأمين البشرى محجوب
باحث في الشؤون اليابانية