The53rd Eid Al Etihad Logo
مرئيات

الحكمة والقيادة (1)

بقلم / دكتورة فاطمة محمد خميس

ازدادت الحاجة لربط الحكمة بالقيادة مع بزوغ قضايا جديدة في مجتمعاتنا المعاصرة، ولعل أهمها في وقتنا الحالي استشراف المستقبل والاستدامة وقضايا المناخ والبيئة وهي قضايا يدعو المختصون بإلحاح كبير إلى الاهتمام بها والتصدي لها. وللبحوث والدراسات في مجال علوم القيادة توجه خاص نحو استكشاف العلاقة بين الحكمة والقيادة الفعالة، أو ما يتعارف عليه بعض الباحثين بمصطلح “القائد الحكيم”. ولعل أحد أهم وجوه الربط بين القيادة والحكمة – بحسب بعض تلك البحوث – هو “عملية صنع القرار” Decision Making. فاتخاذ القرار الصحيح أو الفعّال ديناميكية هامة في عملية القيادة، والحكمة رافد مهم لها، لأن الحكمة تعني استكشاف النتائج أو العواقب للقرار المعني. ويعنى هذا المنظور أيضا بالمعرفة والفهم كعاملين مهمين في القيادة الفعّالة، مع فهم الفرق بينهما وبين الحكمة.
وينصح خبراء هذا المنظور بعدم الاعتماد الكلي على عامل دون الآخر، فأحياناً مثلاً لا تكفي المعرفة وحدها لا سيما حين يتحتم اتخاذ القرار في وقت ضيق، أو في مواقف جديدة لم يسبق التعرف عليها. وهنا يأتي دور الخبرة لتعزّز ثلاثية المعرفة والفهم والحكمة، وهو ما يفسر به الباحثون نجاح القيادات التي تحيط نفسها بالمستشارين والخبراء المتمرسين في مجال تخصصهم. والخبرة لا تعني بالضرورة أن يلم الخبير تمام الإلمام بملابسات الموقف الجديد وإنما يقصد بها مهارته في القياس على مواقف أخرى مشابهة والاستفادة من دروسها ومن ثم تقييم الموقف الطارئ. والشاهد هنا أن لا يتم الانسياق وراء عامل دون الآخر، فنحن وإن كنا في عصر تدفق المعلومات إلا أن المعلومات وحدها لا تعني تحقق المعرفة والفهم مثلاً.
والشاهد الأكثر أهمية هنا أن اعتراف الفرد بحدود معرفته أو فهمه للموقف المعني ما هو إلا نوع من أنواع الحكمة، فمن الضروري أن يتبصر المرء بحدود مقدراته لا سيما في حل القضايا الشائكة. ولا يعني هذا قصورا في معرفته أو فهمه، بل على العكس فإن هذا الاعتراف هو ميزة قيادية تنم عن فهم طبيعة عالمنا المعاصر المتسم بسرعة التغيير وحاجتنا للتعاون مع الآخرين من ذوي الاختصاص لمواكبة هذا التغيير. وإحدى سبل تلك المواكبة هو تنمية مهارة التفريق بين المعرفة، والفهم، والحكمة. فالمعرفة تعتمد على معالجة المعلومات لخلق سياق معين لموقف معين، والفهم هو معرفة الكيفية التي خلقت هذا الموقف ومعرفة العوامل التي أدت إليها، وأما الحكمة فهي التبصر في كيفية اتخاذ قرار أو تصرف في موقف ما مع الإلمام بالعواقب أو النتائج المترتبة عليه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى