دبي / سمير السعدي:
يعود تاريخ زراعة الزعفران إلى أكثر من 3,000 عام, و كان السلف البري لنبات الزعفران المُروّض هو “نبات الكارترايتيناوس”, وكان المزارعون القدماء ينتقون من الزعفران النباتات ذات المياسم الطويلة ثم زرعها في مزارعهم, وهكذا انبثقت الأنواع المروضة من الزعفران خلال أواخر العصر البرونزي في كريت.. ويَعتقد الخبراء أن هناك وثائق تتحدث عن الزعفران تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد حيث اكتشف أنه عقار طبي في أثناء فترة حكم أشور بانيبال, وابتداءً من ذلك الوقت تم استخدام الزعفران في الطب لعلاج أكثر من 90 مرضاً.
على الرغم من تكلفته العالية استخدم الزعفران في القرون الوسطى في صبغ النسيج ولا سيما في الصين والهند ولكنه ذو لون غير مستقر فحيوية البرتقالي والأصفر تتلاشى بسرعة إلى اللون الأصفر الشاحب, وكانت الملابس المصبوغة من الزعفران حكراً للطبقات النبيلة فقط من عباءات وأردية مميزة كالتي كان يرتديها الرهبان الهندوس والبوذيون في كل من إيرلندا وإسكتلندا, كما أن الرهبان كانوا يرتدون قميص من الكتان كان مصبوغاً تقليدياً بالزعفران.. وكانت هناك محاولات عدة لاستبدال الزعفران المكلف والغالي مع ارخص صباغة مع بدائل الزعفران المعتاد في القرطم والغذاء والكركم والتوابل.. وكان الزعفران قديما رئيسيا في المواد العطرية المعروفة باسم كورسينيوم الذي يضم مكونات مثل دم التنين والنبيذ, كما تم تطبيق كروسينيوم العطر على الشعر واعداد خليط الزعفران مع النبيذ لإنتاج رذاذ لزج ويتم تطبيقها على المسارح الرومانية باعتبارها الهواء المعطر.. كما استخدموا في الأزمنة القديمة صبغة الزعفران في كتابة الرسائل.
والزعفران نبات معمر يمكث في الأرض من 7 إلى 10 سنوات حتى إعادة زراعته من جديد, وطول النبات 30 سم والأوراق شريطية خضراء, ويتكاثر الزعفران بالكورمات وهي ساق متحورة لتخزين الغذاء بَصَلِيَّة الشكل في الخريف وتنمو الأزهار عند مستوى سطح الأرض, وتزهر بعض أنواع الزعفران في الربيع ويُزْهر بعضها الآخر في الخريف.. ويخرج من بين الأوراق الشريطية شمراخ زهري يحمل زهرة أو زهرتين بلون بنفسجي وتحتوي كل زهرة على قلم بلون أصفر عند القاعدة ويتفرع هذا القلم في نهايته العلوية إلى ثلاثة مياسم, ولكل زهرة مدقة واحدة وثلاثة أسدية لونها أصفر برتقالي أو أحمر وهي الجزء المستعمل والمعروف بالزعفران.. والدول التي تزرع الزعفران كثيرة ولكن أهمها وأشهرها وأكثرها إنتاجا حاليا هي إيران وأفغانستان وإسبانيا واليهم ينسب الإنتاج العالمي للزعفران.. ويعتبر الزعفران من النباتات المكلفة في زراعته مادياً وفنياً وتقنياً لذا أصبح سعره باهظ الثمن وخصوصا الأنواع الفاخرة منه, فالحصول على 500 غرام منه يتطلب زراعة ما لا يقل عن 70.000 زهرة يجب أن تكون جميعها صحيحة وصالحة, وأن ما يقرب من 4,000 زهرة يمكن أن تنتج نحو 28 جرام من الزعفران التجاري.. كما أن الزعفران الطازج حين يتم تجفيفه يفقد الكثير من وزنه فالخمسة وعشرون كيلو غرام منه يصبح بعد التجفيف حوالي خمسة كيلو غرامات فقط..
والزعفران هو صبغ أصفر زاهي اللون يضيف نكهة طيبة للمأكولات والمشروبات, يُنتَج عن طريق تجفيف مياسم الزهرة وجزء من الأقلام لنبات زعفران الخريف البنفسجي الذي يعرف علميا باسم الزعفران السوسني.. وللزعفران رائحة طيبة ولكن مذاقه مر ويستخدم في الطهي ليكسب الطعام نكهة طيبة وفي تلوين الحلوى, ويستخدم في أوروبا والهند كنوع من التوابل تضاف لأنواع من الطعام.. والمواد الفعالة بالزعفران هي سبب اللون المميز له كما يعزى للجليكوسيد الطعم المميز للزعفران وصبغات الكاروتنويدات, وتحتوي المياسم على زيت عطري ثابت يحوي مركباً عطرياً هو المسؤول عن الرائحة..
ويستخرج الزعفران من زهرة صغيرة يوجد في قلبها خيوط الزعفران ويتم استخراجها وتجميعها بدقة متناهية وبأيدي أشخاص ذو خبرة وفن في التقاطها وتجميعها, ثم تنزع المياسم من الزهور المتفتحة وتجفف في الظل, ثم على شبكة رفيعة أو دقيقة على نار هادئة, وهذه المادة لونها أحمر برتقالي وذات رائحة نفاذة وطعم مميز وتحفظ في أوان محكمة لكي لا تفقد قيمتها كمادة ثمينة.. وأجود أنواع الزعفران ذو الشعر الأحمر الذي ليس في أطراف شعره صفرة, وأفضله الطري الحسن اللون الذكي الرائحة الغليظ الشعر الذي يوجد في أطرافه شبه بياض.
ويقول الخبير بأمور الزعفران وأشهر عارضيه في جناح أفغانستان عقيل أكرم أن الزعفران الجيد له أربعة أنواع فقط وهي :زعفران بو شيبة والذي يعتبر الدرجة الرابعة وهو أول ما يستخلص من زهور وهو بكامل الخيوط الحمراء والصفراء الزعفران.. وزعفران سارجول والذي يأتي بالمرتبة الثالثة وينتج من الزهور المتساقطة والمتكسرة عند ربط زهور زعفران بو شيبة.. وزعفران بو شال والذي يأتي في المرتبة الثانية وهو عبارة عن خيوط حمراء وصفراء بنسبة 80 الى 20 في المائة.. وأخيراً زعفران النقين والذي يأتي في المرتبة الأولى ويعتبر أفضل أنواع الزعفران وهو يؤخذ من الخيوط الحمراء فقط.
ووأما عن فوائد الزعفران يقول أنه بالإضافة لاستعماله في المشروبات والمأكولات بأنواعها فإن له فوائد طبية بالذات, فهناك وصفات شعبية يستخدمها الناس للتغلب على الأرق وقلة النوم وذلك بخلط الزعفران بالماء المغلي والعسل والسكر نبات وتستخدم قبل النوم, وهذه الوصفة لو استخدمها الأصحاء وباعتدال فإنها تساعد على تنشيط عضلات قلوبهم وتنقيه دمائهم, كما ويستخدم الزعفران أيضا في علاج الاكتئاب والاضطرابات النفسية.. ويلعب دوراً حيوياً في تعزيز وتقوية الذاكرة فيستعان به في علاج مرض الزهايمر, ويستخدم كذلك في علاج حالات الصرع حيث يعتبر مسكناً ومنشطاً للجهاز العصبي المركزي, و يعتبر مادة منومة ومهدئة.. وأيضا الزعفران مقوى للقلب ومفيد في علاج حالات تصلب الشرايين واضطرابات عدد دقات القلب ويشيد العديد من الأطباء بالزعفران كعلاج فعال وآمن لخفض الكولسترول السيئ بالدم.. ولخواص الزعفران المضادة للأكسدة شعبية كبيرة في الحفاظ على نضارة البشرة وعلاج حب الشباب.. وللزعفران خصائص عالية في تحسين الإبصار وعلاج التهاب الملتحمة, كما أنه طارد للأرياح ويساعد في حالات عسر الهضم ويدخل في صناعة الأدوية الطاردة للديدان المعوية والمدرة للبول, كما يتميز الزعفران في مجال علاج تضخم الكبد والطحال ويسهم أيضاً في علاج نزلات البرد والتهاب الحلق والسعال والربو و طرد للبلغم.. ولزيت الزعفران فاعلية هائلة كمضاد للتقلصات ويستخدم لتخفيف آلام المفاصل ويدخل في علاج اضطرابات الدورة الشهرية حيث يتمتع بقدرته الفائقة كمدر للطمث وفى مساعدة النساء اللاتي يعانين من آلام الطمث المبرحة.. بالإضافة إلى أن بعض الأبحاث والدراسات التي أجريت حديثاً وجدت أن الزعفران له أيضا آثار مضادة للسرطان وهناك اتجاه طبى حديث لاستخدام الزعفران للوقاية من السرطان وعلاجه ويعزى ذلك لاحتوائه على مادة الكروكتين.
وبالنسبة لزراعه الزعفران فتحتل حيزاً كبيراً في تفاصيل الحياة اليومية لحياة السكان فى مناطق عديدة بإيران وأفغانستان وإسبانيا وتعيش أكثر من مائتي قرية جبلية على زراعته, ويعمل فى جمعه وتجهيزه ما ينتج منه أكثر من مائة ألف عائلة, وزراعته مشحونة بالأمل ومحكومة بالحظ ورهن لمزاج الطبيعة ألام والتي تواجه الكثير من المتاعب مؤخراً وأهمها ظاهرة الدفء لان أزهار الزعفران لا تعيش مع ارتفاع درجات الحرارة, والشرط الأول لنجاح زراعه زهرة الزعفران هو الارتفاع عن سطح البحر بما لا يقل عن ثلاثة آلاف متر وكلما كان الجو بارداُ كانت زهور الزعفران أفضل ورائحتها أقوى وتويجاتها أكثر قوة وصلابة, ولا عجب أن أطلق المزارعون على هذه الزهرة اسم “أزهار الحياة”.. فالزعفران أغلى ما لديهم ويعتبرونه ذهبهم الأحمر الذي ينعش القلب وينقى الدماء ويهدئ الأعصاب ويساعد على إزالة بالأرق.. وتعتبر نسبة الإنتاج الإيراني من الإنتاج العالمي 55 % أما الأفغاني فهي 35 % والإسباني 10 % .