“جسور إنترناشيونال للإعلام” تعقد ندوة دولية بجنيف حول “الإعلام والعنصرية”
دبي-الوحدة
عقدت منظمة “جسور إنترناشيونال للإعلام والتنمية”، بمدينة جنيف بسويسرا، ندوتها الدولية الثانية لمناقشة قضايا الإعلام والعنصرية وما تمثله من جدلية مستمرة في تناول قضايا التمييز والعنصرية في الإعلام.
وتضمنت الندوة -التي تأتي على ضوء انعقاد الدورة التاسعة والأربعين للمجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، استعراض الأبعاد الحقيقية لهذه القضية من منظور حقوقي، وفي إطار ما تنص عليه جملة التشريعات والصكوك الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وشهدت الندوة مشاركة العديد من الخبراء الدوليين المختصين في قضايا الإعلام والتطرف والعنصرية، وتناولت عددا من المحاور المرتبطة بالإعلام والتمييز والعنصرية، كما شهدت اهتماماً وتفاعلاً واسعاً من المختصين والمشاركين والمهتمين بقضايا الإعلام وحقوق الإنسان.
افتتح الندوة رئيس منظمة جسور انترناشيونال للإعلام والتنمية، محمد الحمادي، حيث تناول أهمية دراسة وفهم البواعث والأسباب التي تقف وراء ظاهرة تفشي خطاب العنصرية والتمييز بكافة صور وأشكال الإعلام التقليدية والحديثة.
وأشار “الحمادي” إلى أنه لا مكان ولا جغرافيا للعنصرية كما أنها مرتبطة بزمان معين، مؤكداً على أهمية الدور الذي تقوم بها مراكز الدراسات والبحوث ومنظمات المجتمع المدني في تأطير كافة الظواهر السلبية المتعلقة بالممارسات الإعلامية وتجاذباتها المرتبطة بحقوق الإنسان، مؤكداً على أن العنصرية والتمييز لم تقف اليوم خارج حدود القارة الأوروبية التي تعمل على تكريس ممارساتها وسياساتها بما يتوافق والنهج القائم على احترام وتعزيز حقوق الإنسان وضمانة تمتع الجميع بها دون تمييز، بل إنها اليوم تبدوا أكثر وضوحاً في القارة الأوروبية عن مثيلاتها في كافة مناطق العالم.
واستشهد رئيس منظمة جسور انترناشيونال للإعلام والتنمية بالنماذج التي أفرزتها الممارسات الإعلامية لبعض وسائل الإعلام وآخرها ما صدر عن صحفيين وإعلاميين بارزين يعملون في بعض المؤسسات الإعلامية الغربية العريقة، في إطار تغطيتهم للغزو الروسي لأوكرانيا، حيث وقع أولئك الإعلاميون في فخ العنصرية التي يتم التحذير منها دائماً.
وأكد “الحمادي” على أهمية تضافر كل الجهود وتعزيز العمل المشترك لمواجهة هذه الظاهرة والسعي لترشيد كل الممارسات الإعلامية والصحفية، وبما يتوافق مع القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والإعلامية، وبما يحقق للجميع دون تمييز حقوقهم الإنسانية، ويضمن لهم معاملة عادلة ومتساوية بغض النظر عن لونهم أو هويتهم أو دينهم.
ومن جانبه، تحدث الباحث الدولي في علم الاجتماع والمتخصص في قضايا العنصرية والتمييز، سعيد بوعمامة، عن أهمية بعث قضايا الإعلام والعنصرية من قبل منظمات المجتمع الدولي، لاسيما مع ما تشهده أوروبا من تمييز يهدد التنوع المجتمعي السائد في أوروبا.
وأوضح “بو عمامة”، أن الفكر العنصري يهدد الاستقرار في العالم وبالأخص في القارة الأوروبية التي تقوم مجتمعاتها على التنوع وتتصف سياستها بالشمولية، مؤكداً على أهمية سعي المجتمعات الأوروبية إلى تعزيز منظومتها القيمية، لتجنب الوقوع في الصراعات المجتمعية.
ومن ناحيته، استعرض أستاذ العلاقات والعلوم السياسية والإنسانية بجامعة باريس، الدكتور أوليفي جراموزو، تجربته الشخصية في إطار قيامه بمهامه كخبير بالاتحاد الأوروبي لقضايا خطاب الكراهية والتطرف والحقد والاندماج الاجتماعي، مؤكدا أن المسلمين وبعض الفئات العقائدية أصبحوا اليوم هدفاً سهلاً للخطاب العنصري والتمييزي لدى الإعلام الغربي.
وأشار إلى أن المجموعة الأوروبية أدركت من خلال التقارير التي تم إعدادها لرصد الظواهر المجتمعية، أسباب صعود العنصرية والطائفية ولكنها لم تفعل شيئاً، ولم تسعى لتفاديها، بل سعت لتكريس التمييز بين الأحياء و الطوائف والمجتمعات، وهو ما يهدد وحدة ومستقبل أوروبا، مشيداً بدور “جسور انترناشيونال” على هذا الصعيد.
وفي كلمته، قال المستشار والخبير الدولي في الإعلام جون بيير، إن العنصرية ليست حصراً على المجتمعات الغربية والأوروبية، بل هي نتاج طبيعي لواقع سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وفكري تعيشه المجتمعات كافة وتتفاعل معه.
وأكد جون بيير، على أن العنصرية متجذرة في الخطاب الإعلامي والممارسات المجتمعية بشكل بارز، مشيرًا إلى أن التمييز والعنصرية في إفريقيا على سبيل المثال يأخذ الصورة النمطية للمواطن الأسود على حساب المواطن الأبيض، كما أن هناك العنصرية في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تأخذ شكلاً آخر تتمثل في التمييز والعنصرية تجاه العمالة الأجنبية أو العاملات بالمنازل، داعيًا إلى ضرورة فهم قضايا العنصرية والتمييز بشكل حقيقي بعيدا ًعن النمطية التي تفترض أن المواطن الأوروبي هو الباعث الرئيسي لقضايا العنصرية والتمييز بالعالم.
ومن جانبه، قال الوزير الأسبق وأستاذ القانون والعلاقات الدولية الدكتور حاتم بن سالم، إن أوروبا تسعى من خلال عدد من الممارسات الإعلامية للهيمنة على الصورة النمطية للإعلام الموجه للرأي العام، وأن هناك سعي حثيث من القيادات المجتمعية والمثقفين لتوجيه وسائل الإعلام الأوروبية إلى ممارسات معيارية تهدف لتقييم الآخرين.
وأكد “بن سالم”، على أهمية فهم البواعث الحقيقية لهذه الممارسة السلبية المرتبطة بالإعلام والعنصرية، مشددا على أن التحرك الدولي أصبح ضروريا لترشيد كافة الممارسات المرتبطة بالحق في ممارسة حرية الرأي والتعبير، داعياً إلى إرساء الحوار ما بين الدول والشعوب والمؤسسات لتشخيص هذا الواقع المرير.
وأرجع الباحث في جامعة اكس بيرومانس بمرسيليا ومعهد الدراسات الاجتماعية بباريس، ميتسون كيسر، التجاوزات الإعلامية إلى تغلل اللوبي اليميني المتطرف بأجهزة الدول الأوروبية والمؤسسات الإعلامية.
واستشهد في هذا الإطار بالتحولات التي حدثت في العديد من الصحف الأوروبية نتيجة للأزمات المالية والتي أدت إلى سيطرة رؤوس الأموال على هذه الصحف والوسائل الإعلامية، وتسخيرها لخدمة الأجندات الانتخابية المتطرفة لليمين الأوروبي.
وقال أستاذ العلاقات الدولية والمشرف على قسم دراسات الإرهاب والتطرف بجامعة باريس، الدكتور أمين سيتول، إن الدراسات أثبتت العلاقة بين خطاب التطرف والعنصرية الذي يبعث في أحيان عدة عبر القنوات المرئية والمسموعة أو من خلال الصحف والجرائد المكتوبة، وبين الواقع المعاش بالمجتمعات الإنسانية، مشيرًا إلى أنه انعكاس طبيعي للواقع الذي يتم تناوله من خلال الإعلام المتمثل في المقالات والخطابات التي تنشر بمختلف وسائل الاعلام، والتي تتضمن الكثير من التطرف والعنصرية والتمييز.
ومن جانبه، أكد الناشط الحقوقي بيرتي فينوا، على ضرورة التحرك السريع لمواجهة خطاب العنصرية بكافة وسائل الإعلام بجميع صورها وأنواعها وكذلك وسائل الإعلام الرقمية والاجتماعية، مشدداً على ضرورة أن تكون المدرسة منطلقاً رئيسياً من بين كل الميادين التي تستقطب تعزيز الجهود المجتمعية نحو ترشيد وتهذيب كل الممارسات الإعلامية وبما يعزز من مواءمتها مع القيم والمبادئ الإنسانية السامية.