مرئيات

الحكمة والقيادة (2): الحكمة عربية

بقلم / دكتورة فاطمة محمد خميس

للحكمة قيمة معرفية وإنسانية كبيرة في الثقافة العربية لا سيما حين ترتبط بالقيادة، فحكمة القائد ملاذ لأفراد المجتمع في أوقات الأزمات ومدعاة طمأنينة لنفوسهم حين الحاجة لتقاضي حقوقهم. ويفتخر العرب بهذه القيمة كمكون أساسي في الشخصية العربية، وتشهد بذلك دواوين أشعارهم منذ الجاهلية ومن أبرزها شعر الشَّنْفَرَى وزهير بن أبي سُلمى، بل إن الأخير يُعرف بـ”حكيم الشعراء”. وجاء الإسلام ليعزز هذه الخصلة العربية الأصيلة، فنجد لفظ “الحكمة” مذكورا في القرآن الكريم سبع عشر مرة ومرتبطاً بأصول الشرع الحنيف عقيدة وعبادة. ومن الشواهد الأخرى لقيمة الحكمة في الثقافة العربية الاعتزاز بحكماء عرب مثّلوا حضارة مجتمعاتهم في عصور مختلفة ومن أشهرهم أكثم بن صيفي وقُسّ بن ساعدة الإيادي وعمرو بن مَعد يكَرِب وغيرهم.
وتميز العرب بدقة تعريف الحكمة ففي اللغة اشتقت الحكمة مما أحاط بحنكي الفرس لمنعها من الجري الشديد أو الجماح، فكانت الحكمة بمعنى ما يمنع صاحبها من أخلاق الأراذل، وعليه كان الاصطلاح على تعريفها بأنها وضع الشيء في موضعه. وارتبطت الحكمة في تاريخ العرب بمن اشتهروا بالبصيرة ومهارة استقراء الحوادث وتحصيل العبر منها ومن ثم الحكم بالقياس عليها. ولو أننا قارنا وفق ذلك بين حكمة القائد في الثقافة العربية وبين نظريات وبحوث علوم القيادة الحديثة لوجدنا أن تميز الثقافة العربية في هذا المضمار يكمن في عمق فهم العرب لمعنى الحكمة وارتباطها التاريخي بالحضارة العربية. ولا يعني هذا أن دراسات القيادة الحديثة لا تملك ذات الزخم في تتبع معنى القيادة، فهناك دراسات متخصصة في البعد الفلسفي والتاريخي لها لا سيما بين القادة العسكريين في تاريخ الغرب.
لكن تبقى ميزة الحكمة من حيث أهميتها لمفهوم القيادة العربية أنها جزء لا يتجزأ من نمط التفكير العربي، والمثبت تاريخيا في الكثير من مناحي تنظيم الحياة اليومية في المجتمعات العربية. فلطالما اشتهرت المجتمعات العربية بمجالس الحكم بين الناس في خصوماتهم واختلافاتهم، بل إن بعض البحاثة العرب يشيرون إلى أن اشتقاق الحكمة إنما جاء من هذا المعنى. وقد تبدو معطيات هذه المقارنة بسيطة أو بديهية في رأي القارئ العربي ولكنها تمثل مصدر ثراء معرفي للباحث الغربي المختص تحديدا في الدراسات العابرة للثقافات ولكل مختص في الأبعاد الفلسفية واللغوية لمفهوم الحكمة. فما يجده كل فرد من المسلمات الثقافية بحسب قيم مجتمعه وحضارته قد يحدث ثورة فكرية لدى فرد آخر من ثقافة مغايرة، والحرص على تبادل المفاهيم الثقافية في الدراسات المشتركة هي مسؤولية علمية تستوجب الالتزام بها كتابة وبحثا وحول ذلك تتبلور غاية هذه المقالة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى