أكد وزراء وخبراء أهمية التكنولوجيا وتأثيرها المباشر في مستقبل التعليم والتوظيف واستقطاب المواهب، وقالوا إن حكومات المستقبل الناجحة هي الأقدر على توظيف الحلول التكنولوجية وتطبيقات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، لتطوير التعليم وتعزيز المهارات والمواءمة بين احتياجات التنمية ومستقبل العمل بأنماطه الحالية والصاعدة.
وأجمع المشاركون في جلسات محور “مستقبل التعليم والمواهب” في القمة العالمية للحكومات 2022، على أهمية تفعيل الحلول الرقمية على أكمل وجه، لتصميم وصناعة مستقبل التعليم الذي يصل بالمعرفة للجميع، ويعزز تمكين المتعلمين وتحفيز دورهم للمساهمة الفاعلة في مختلف الاستراتيجيات الوطنية التي تضعها الحكومات.
وبحثت الجلسات دور الحكومات في مستقبل التعليم وتمكين المواهب، والاستعداد التعليمي لاحتياجات الجيل “ألفا” من أطفال اليوم، وآفاق تصميم نظم التعليم ..كما قدّمت أصغر مبرمج في العالم ليتحدث عن رؤية جيله من الأطفال لمستقبل التعليم.
وفي جلسة “إعادة تصميم نظم التعليم”، أكدت معالي سارة بنت يوسف الأميري، وزيرة دولة للتكنولوجيا المتقدمة، أن مستقبل التعليم يرتكز بشكل أساسي على العنصر البشري مهما تقدمت التكنولوجيا وحلولها، بحيث تواكب الحكومات اليوم، تطوير المهارات المستمرة للجميع ليكونوا كفاءات الغد.
ولفتت معاليها إلى أهمية تقليل تكلفة أدوات التكنولوجيا وحلولها المستخدمة في التعليم وتسهيل وصول المتعلمين إلى المعرفة حيثما كانوا، منوّهةً بما تقوم به مؤسسة “دبي العطاء” من توزيع أجهزة لوحية تعليمية، وما تحققه منصة “مدرسة” التعليمية، ومبادرة “المدرسة الرقمية” اللتين تقودها مؤسسة “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية” لتوفر فرص التعلّم الرقمي للأطفال والنشء والطلبة حيثما كانوا، خاصة في المجتمعات النائية والأقل حظاً في العديد من المجتمعات حول العالم.
وأشارت معاليها إلى أهمية تطوير مناهج التعليم، بالتركيز على مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، دون إغفال الجوانب الأخرى، بحيث يكون غير المهتمين بهذه المواد قادرين أيضاً على توظيفها لتعزيز أدائهم المعرفي في التخصصات الأخرى كالفنون والمجالات الإبداعية.
وقالت معالي سارة الأميري: “نعيش يومياً مع التكنولوجيا، ويجب أن تكون لدينا المعرفة بكل قدراتها للاستفادة منها على أكمل وجه لمستقبل التعليم والتنمية بشكل عام”، مؤكدة ضرورة منح متعلمي وطلبة المستقبل فرصة الاستفادة من مبادئ التفكير التصميمي، واختبار تجربة التعلم بأنفسهم ليكون هناك بُعد عمودي وعمق في اكتساب المعرفة، وهو ما يقود إلى التخصص والتنافسية والقدرة على الإبداع في مجالات مهمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.
ولفتت معاليها إلى عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية في دولة الإمارات كمنظومة متكاملة، بحيث يوفر مجلس التعليم والموارد البشرية في دولة الإمارات، موارد يُمكن لجميع القطاعات الاستفادة منها.
وأضافت: “عملنا الحكومي المشترك والمتكامل بين مختلف التخصصات يعزز القدرة على مواكبة واستشراف واستباق المتطلبات التعليمية التي تواصل الإمارات العمل على تلبيتها لتمكين أجيال المستقبل”.
بدوره أكد جوش كالمر، رئيس السياسة العامة العالمية والعلاقات الحكومية في شركة “زووم”، أن مستقبل التعلم والمواهب سيكون قائماً على التنوع في الأسلوب والمضمون والمكان والآليات، داعياً الحكومات للمراجعة المستمرة لسياسات التعليم للأجيال الجديدة، بالتركيز على فهم التوقعات المستقبلية للأفراد مع مراعاة المرونة في حلول التعليم.
وقال جوش كالمر: “لمست أن قادة المنطقة هنا حريصون على الاستعداد للمستقبل تعليمياً”، داعياً إلى التوسع في طرح حلول رقمية تعليمية مبتكرة للوصول بالتعليم إلى كل مكان.
ودعا الدكتور راي جونسون، الرئيس التنفيذي لمعهد الابتكار التكنولوجي، إلى عدم قياس مخرجات التعليم بمجرد التركيز على الشهادات، وأكد في الوقت نفسه أن على الكليات والمؤسسات الأكاديمية تبني استراتيجيات تعليم جديدة والتكيف مع التغيرات المتسارعة في هذا القطاع، فيما تحتاج الحكومات إلى التركيز على التعليم على المدى البعيد، كما تركز على موضوعات آنية ملحّة مثل التغير المناخي ..وعلى الحكومات أيضاً، تبني سياسات تعليمية لا يتوقف فيها التعليم بعد سن معينة، بل يستمر مدى الحياة.
ولفت جونسون إلى أن البيئة الافتراضية هي خيار جيد لتقديم التعليم على أوسع نطاق، لافتاً إلى أن الانتقال إلى بيئة الميتافيرس الافتراضية يحتاج إلى معايير تنظيمية تحمي المستخدمين وتنظم عمل منصاتها، مؤكداً أن لدينا فرصة لتحقيق نقلة نوعية في طريقة تعلمنا وتعليمنا، عبر اكتساب المهارات بشكل مستمر.
بدوره أكد إسبن ستارك، رئيس ليغو للتعليم، أن الجائحة العالمية والانتقال إلى التعلم من المنزل علمتنا أهمية المرونة في حلول التعليم، داعياً الحكومات إلى الاستفادة من الأدوات الرقمية اليوم التي يمكنها أن تجعل الصف الدراسي بيئة تفاعلية دامجة لا تعتمد على التلقين بل تحفز الاستكشاف، لافتاً إلى أهمية الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في مجال التعليم وخاصة في مجال التعلم باللعب.
كما دعا ستارك إلى تبني مفهوم التعلم باللعب في الصفوف التعليمية التقليدية والافتراضية، والذي يشجع الاستكشاف وابتكار أفضل الحلول وتعزيز مهارات العمل الجماعي والتعاون مع الآخرين، ويجعل من التعلم مدى الحياة، المستقبل الذي يتيح للحكومات تمكين الجميع بالمواهب الجديدة والصاعدة، لأن دمج المهارات والمعارف والإبداع، ركائز أساسية يجب على الحكومات في المستقبل أن تركز عليها لدى تصميم نماذجها ومنظوماتها التعليمية.
تسهيل وصول المتعلمين إلى المعرفة من جهته، قال ماسي بصيري، الشريك المؤسس والمدير التشغيلي في شركة “أبلايبورد”، إن التعليم حق لا امتياز، ويجب تسهيل وصول المتعلمين إلى المعرفة حيثما كانوا، وذلك باستخدام التكنولوجيا، داعياً إلى بناء منصات تجمع المؤسسات التعليمية والأكاديمية مع الطلبة الراغبين بمتابعة تعليمهم العالي حول العالم، خاصة أن هذا التوجه المستقبلي يسهّل فرص التعليم، وتحديداً في المجتمعات النامية.
وأضاف أن التكنولوجيا تدعم الوصول إلى المعرفة اليوم، والمستقبل سيُدخل مختلف منتجات التعلم إلى منازلنا، ويضعها في متناولنا، فيما يمكن للحكومات أن تسهل الوصول للتعليم والمعرفة من خلال تحديد متطلبات سوق العمل، ورصد الاحتياجات التعليمية للمهارات المطلوبة، وتوفير البيئة المستقرة والداعمة والممكنة للمتعلمين من مختلف أنحاء العالم.
من جانبه قال سلطان مراد سيدوف، الشريك المؤسس ورئيس “بيمري”، إن الرقمنة أثّرت بشكل عميق في كيفية توظيف واستقطاب المواهب، وستكون اللاعب الرئيسي في هذا الاتجاه مستقبلاً، داعياً إلى التركيز على المهارات والمؤهلات للمواهب والكفاءات، وتمكين الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة مستقبلاً من استقطاب المرشحين بشكل استباقي حتى قبل أن يتقدموا للوظائف.
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي في منصات التوظيف والتعريف بفرص العمل، يمنح المواهب الواعدة اليوم القدرة على تصور مسار مهني ناجح ومتقدم في المستقبل، لافتاً إلى أن مستقبل بيئة العمل يجمع بين الدوام الحضوري والافتراضي والوظيفة بدوام كامل والوظيفة بدوام جزئي، وذلك يفتح آفاق الفرص المتاحة للمواهب والكفاءات مستقبلاً، بالاستفادة من التكنولوجيا.
وتوّجت جلسات استشراف مستقبل التعليم والمواهب ودور الحكومات فيها، بكلمة وجّهها أصغر مبرمج في العالم، إلى المشاركين والخبراء والمسؤولين الحكوميين من منظور مختلف.
وقال كاوتيليا كاتاريا، الحائز منذ سن السادسة على لقب أصغر مبرمج في العالم من موسوعة “غينيس” العالمية، والذي يعرّف نفسه بأنه مستكشف رقمي وصائد للحلول، أن جيله من الأطفال قادر على تعلم الكثير إذا ما توفر له عنصران، هما التوجيه والإرشاد.
وربط الطفل كاتاريا التصميم الإبداعي لمبنى متحف المستقبل بدبي، الذي اعتبر أنه يشبه العين، بمضمون حكمة تاريخية من ثقافته تقول إن “المعرفة هي العين الأوسع”، كما مازح الحضور قائلاً: “قد نصل المريخ كأطفال قبل إيلون ماسك، إذا ما مكنتنا الحكومات من استكشاف قدراتنا وإمكانات الإبداع لدينا”.
وفي كلمات واعية تسابق سنه الصغير، قال الطفل المبرمِج كاوتيليا كاتاريا: “على الحكومات أن تقدّم التوعية بمجالات البرمجة والرياضيات والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وتوفر الموارد والمساحات المفتوحة كالمختبرات، وتتيح مناهج التعليم المناسبة والممكنة للأطفال، لتعلم التكنولوجيا والبرمجة، وتصميم الحلول الرقمية من أجل مستقبل أفضل للعالم”.
المصدر-وكالة أنباء الإمارات