يحتل شهر رمضان مكانة فريدة في ذاكرة ووجدان المصريين على مر العصور، وقد أصبغوه بمظاهر ومعان جعلته مختلفا عن سائر بلدان الشرق الأخرى، فأقاموا من أجله الليالي الاحتفالية العامرة بشتى صنوف اللهو والبذخ، إلى جانب حرصهم في ذات الوقت على التقرب إلى الله خلال أيامه.
ولم يغفل الرحّالة والمستشرقون الذين زاروا مصر منذ العصور الوسطى رصد اختلاف حياة عامة الناس في هذا الشهر تحديدا، وأعربوا عن دهشتهم من بزوغ عادات وطبائع بعينها خلال هذه الفترة دون غيرها، تولد بفرح مع استطلاع هلاله وتختفي بحزن مع قرب انتهائه، فجاءت كتاباتهم حافلة بشهادات ورؤى حفظت لنا صورة تاريخية نابضة بالحياة حتى وقتنا هذا، غلبت عليها الدقة وطرافة الوصف في ذات الوقت.
يمكن تقسيم الرحّالة الذين زاروا مصر إلى قسمين، منهم الرحّالة العرب المسلمون الذين رصدوا عادات وتقاليد المصريين بعين المسلم الذي يألف ما يراه، والعالم ببواطن الأمور الشرقية لغويا ودينيا، من أمثال الرحّالة ابن الحاج، وابن جبير، وناصر خسرو، وابن بطوطة، ومنهم الرحّالة الأجانب الذين نعرض لهم بعض شهادات كتبوها خلال زياراتهم لمصر، حملت في كثير من الأحيان طابع الدهشة لاعتبارات الاغتراب الديني والثقافي، فاجتهدوا في رسم صورة للقاريء الأوروبي لشهر الصيام رغم حاجز الفروق اللغوية وجهل بعض الأحداث في سياقاتها الإسلامية.
كان من أقدم الرحّالة الذين زاروا مصر ورصدوا مظاهر شهر رمضان فيها هو الأب فليكس فابري الذي قدم إلى مصر في رحلة عام 1483 وقدم شهادة تفصيلية في دراسة بعنوان “الرحلة في مصر”، ترجمها إلى اللغة الفرنسية جاك ماسون نقلا عن الأصل الذي كتبه فابري باللغة اللاتينية.