رحلة المسحراتى فى بلاد العرب..

"ابن رباح" أول من أيقظ المسلمين بطبلته

“المسحراتى” ..اسم ارتبط ذكره بالشهر الكريم ، و”اصحى يا نايم واحد الدايم” أشهر عبارته التى اعتادنا سمعاها على دقات طبلة صغيرة يحملها لإيقاظ المسلمين لتناول السحور استعدادا ليوم جديد من أيام صوم رمضان، وكان المسحراتى قديما يرافقه رجل آخر يحمل فانوسا، حتى يشاهد المسحراتى الطريق فى ليالى رمضان حالكة السواد ولكن ما قصة المسحراتى ومتى بدأت رحلته وما اسمه فى بقية البلدان العربية؟
وكان أول مسحراتى فى العهد الإسلامى هو الصحابى الجليل بلال بن رباح،وكان بلال يجوب الطرقات ليلا لإيقاظ الناس للسحور بصوته العذب، كما طلب منه النبى ضلى الله عليه وسلم، وكان أول مؤذّن فى الإسلام ومعه ابن أم مكتوم، يقومان بمهمة إيقاظ الناس للسحور.
وظهرت مهنة المسحراتى بشكل رسمى فى عهد الحاكم بأمر الله الفاطمى، حيث كان قد أصدر أمرا بأن ينام الناس مبكرا بعد صلاة التراويح، وكان جنوده يمرون على البيوت ويوقظون الناس لتناول السحور.
وفى عصر الدولة العباسية يعتبر عتبة بن إسحاق أول الولاة عام 832 هجرية، وكان واليا على مصر، أول من كانوا يسحرون الناس، فكان يخرج بنفسه سيرا على قدميه لإيقاظ الناس مرددا “يا عباد الله تسحروا، فإن فى السحور بركة”.
وكان يسير على قدميه من مدينة الفسطاط حتى مسجد عمرو بن العاص، وكان ينادي ويقول: “يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة”، ومنذ ذلك الحين أصبحت المهنة تلقى قبولًا عند عامة الناس لكون الوالي أول من عمل بها.
و في عصر المماليك ظهر “ابن نقطة” وهو شيخ طائفة المسحراتية، وكان المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد، وطور المسحراتية مهنتهم فقد مارسوا الطرق على الطبلة بالعصا، وكانت الطبلة تسمى “بازة ” وكانوا يطرقون عليها دقات منتظمة قوية ومدوية كافية لإيقاظ شارع بأكمله. ثم تطورت المهنة وظهر المسحراتي وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص يمتع السامعين، ويحبب المواطنيين في الاستيقاظ لسماعه وتناول السحور.
أما أجر المسحراتى فتغير على مر العصور. فقد كان يتقاضي جزءاً من الخراج وبعض المحاصيل والحبوب.
وارتبط الأجر بالطبقة التي ينتمي إليها المتسحر، وعادة ما كان الأجر يؤخذ بالحبوب، فيأخذ قدحاً أو نصف كيلة من الحبوب سواء ذرة أو قمح، وحسب ما يجود به المتسحر حسب قدرته، أما الفقراء فكان المسحراتي لا يقف أبدا عند منازلهم لتناول الأجر .
مع تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا اقتربت مهنة المسحراتي من الاندثار، فالناس لا ينامون في ليالي رمضان، وإذا فعلوا قام المنبه والهاتف الجوال بدور المسحراتي، إذ يكفي أن تضبطه لتستيقظ في موعد تناول السحور.
اختلف الاسم الذى يطلق على المسحراتى من دولة عربية لأخرى، أطلق عليه أهل اليمن اسم “المفلّح”، هو الرجل الذي بتنبيه الصائمين بوقت تناول وجبة السحور قبل أذان الفجر في شهر رمضان، ومع انتهاء الشهر الكريم، يعطيه سكان الحي مبلغ من المال
وفى الإمارات يعرف بـ”أبو طبيلة” الذي يستخدم الطبلة التي تعرف باسم “البازة” ويضرب عليها بعصا رفيعة ويطوف الأحياء الشعبية لإيقاظ النائمين.
وفى المغرب يسمى المسحراتى “النفار”، ومعناها آلة النفخ النحاسية الطويلة الشهيرة.
أما فى لبنان فاسمه “الطبال” ويجوب أيضا الأحياء الشعبية اللبنانية مرتديا عباءة بيضاء، وبيده الطبلة التي يوقظ بها الناس في شهر رمضان لتناول السحور، وغالبا ما يكون لكل حي أو منطقة الطبال الخاص بها.
أما في مكة المكرمة وفي مدن الحجاز الأخرى سمى” المسحر “وكان لكل حي في مكة المكرمة مسحره، فإذا كان الحي كبيرا مثل حي المسفلة كان له غير واحد من المسحرين. وكان المسحر يعرف أسماء أرباب الأسر وأسماء أطفال الأسر الكبيرة الموسرة المشهورة، وينادي رب كل أسرة باسمه أو كنيته، وما كان في عصر أبي وأيامنا الأولى أحد ينادي الآخر بلقبه، بل كان أدب اللياقة في المجتمع كله يقضي بألا ينادى أحد باسمه مجردا، بل لا بد أن يسبق الاسم عند النداء بألقاب التشريف والتكريم أو بالكنية التي تشعر بالمديح.وفق الصحف السعودية.
وكان المسحر ينادي الناس بكناهم أو بها وبالأسماء مسبوقة بلقب كريم، ولا يقتصر الأمر على النداء، وإنما يتغنى المسحر باسم المنادى وكنيته ولقبه، مضفيا في غنائه على المنادى صفات حميدة كريمة.
ولم يكن المسحر يغفل الأطفال، بل كان يحتفي بهم، ويذكرهم بأسمائهم موصوفة بما يسرهم ويسر والديهم، ويجيبونه بأنهم صحوا للسحور.. ولم يكن يقتصر على هذا “التسحير”، بل يقول من الكلم الطيب ما يعن له، ويبدأ في التهنئة بصوته الجميل منذ ليلة الـ27. ويحمل المسحر طبلا يقرعه فيساوق غناؤه صوت طبله، ومنذ نهار الـ27 وما يبقى من ليالي رمضان وأنهره يجمع “العيدية” من الناس، إما أن يراجعهم في أماكن أعمالهم أو بيوتهم، يعطيه كل بيت بحسب قدرته المالية ومكانته الاجتماعية، كما كان بعض الناس يعطيه زكاة الفطر قبيل فجر يوم العيد.
وأما السحور فكان أهل مكة جميعا يغنون به فيعددون ألوانه، فتحوي مائدته لحما وأرزا وخبزا وخضراوات وفاكهة وحلوى، وكنا نسرف في اختزان الطعام والماء حتى نستطيع مقاومة الجوع والعطش.