التكنولوجيا سلاح ذو حدين علينا توظيفها لمصلحة المجتمع

لماذا يستهوينا عالم الميتافيرس أو العالم الافتراضي الغربي ونسوق له مجتمعياً وإعلامياً بكثرة دون التطرق إلى السلبيات والخطورة ؟

بقلم / الباحث والكاتب الإماراتي: عادل عبدالله حميد

 

بكل تأكيد نحن لسنا ضد التطور التكنولوجي ولسنا ضد التعامل معه وهذا أمراً مفروغاً منه ، بل نحن دعاة التطور التكنولوجي، ودولة الإمارات العربية المتحدة خير مثال على ذلك. فدولة الإمارات ومنذ التأسيس بقيادتها الرشيدة حريصة كل الحرص على مواكبة التطور في مختلف المجالات وبكل ما لديها من قوة وذكاء وحكمة ورشاد ؛ وحريصة كل الحرص على بناء الإنسان الذي يعد “الثروة الحقيقية” كما قال مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه – وهو “أعظم استثمار لبناء الأوطان التي تقوم على سواعد أبنائها” كما يقول صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي. ونحن إذ نتحدث عن التطور التكنولوجي على وجه الخصوص فذلك لأن العوالم الافتراضية أصبحت تغزو وتتغلغل في عوالمنا الحقيقية بشكل يدعو إلى إعمال العقل .. العقل الذي يفرق بين النافع والضار ، والحقيقي والتماهي، ونحن كلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته ، وأبنائنا أمانة في أعناقنا وعلينا أن نصون هذه الأمانة وأن نحسن رعايتهم وتربيتهم وتوجيههم التوجيه السليم وأن نقنعهم بالمنطق .. منطق العوالم الحقيقية والتعامل والتعايش معها بطبيعتها وجمالها واختلافاتها وتقلباتها ؛ كعالم الإنسان نفسه ، وعالم الحيوان ، وعالم الزراعة، وعالم البيئة ، وعالم البحار ، وعالم الصحراء .. عوالم حقيقية ملموسة وليست عوالم افتراضية غير محسوسة ، فعالم الميتافيرس أو الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز أو العالم الافتراضي أو سكند لايف أو أطلق عليه ما شئت من الأسماء ، هو الذي يدعونا الى إعمال العقل والتفكر بقادم الأيام ، وهو الذي يدعونا إلى التبصر واستشعار الخطر على أبنائنا وبنائهم وعلى صحتهم العقلية أو النفسية وتوجههم. العالم الافتراضي (المادي) قد يؤدي إلى التعمق والتعلق والانعزال والتعايش معه بسلبياته وشوائبه وبما دس فيه من خبائث على حساب العالم الحقيقي والوجود ؛ وإلا ما الداعِ – على سبيل المثال – إلى استجلاب شخص (توفاه الله وآمنا بالله ) إلى بيئة ثنائية أو ثلاثية الأبعاد (صورة رمزية، رقمية) للتفاعل معه ؟ أليس هذا جالب للحزن ، أليس هذا انعزال ، أليس هذا نوع من الرفض للقدر خيره وشره !!! وأعود وأذكر بالمقاصد الإيجابية من التطور التكنولوجي الذي أصبح لا غنى عنه والذي يعتبر جزء لا يتجزأ من تعاملاتنا اليومية والدلائل على ذلك كثيرة ؛ فما شاهدناه في إكسبو 2020 دبي والذي جمع العالم تحت مظلته بالعوالم الحقيقية ذات الصنع والجمال الأخاذ ؛ وبالعوالم الافتراضية ذات المشاريع المستقبلية المدهشة ، دليل على صحة بناء الإنسان الإماراتي وعلى على مدى نجاح وتأثير القوة الناعمة لدولة الإمارات وعلى مدى نجاح وتفوق التخطيط الاستراتيجي والتطور والتقدم في النظام التكنولوجي والسياسي والاقتصادي والثقافي والأدبي ؛ والأدلة الشاهدة على ذلك هو توقيع العديد من الصفقات الضخمة والعديد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون لدعم المشاريع الريادية.
ومن الدلائل والمقاصد الإيجابية للتطور التكنولوجي هو الوصول إلى المريخ لاستكشافه بمسبار الأمل في عالم حقيقي عمله الإنسان الإماراتي العربي على مدى ست سنوات عزماً وعملاً وتنفيذاً ووصول ونجاح .. نجاح حقيقي وليس افتراضي. ونستذكر هنا بفخر على نجاح وصول مسبار الأمل مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عندما قال : ” الإنجاز الحقيقي الذي نفخر به هو نجاحنا في بناء قدرات علمية إماراتية تشكل إضافةً نوعيةً للمجتمع العلمي العالمي “.ونستنبط من مقولة سموه أن الإعجاز والإنجاز هو أن نطوع التطور التكنولوجي لصالحنا وللصالح العام ، فالعالم الافتراضي وإن كانت له إيجابيات كثيرة ومفيدة لكن أيضاً له سلبيات عديدة بلا شك ومنها غياب الرقابة على المحتويات في ألعاب الواقع الافتراضي والتي يحتوي أغلبها على سيناريوهات عنيفة وغير أخلاقية بالإضافة إلى عدم معرفة أعمار المشاركين ونواياهم ومعتقداتهم التي من الممكن أن تستهل نشر الإباحية وتبادلها هذا إلى جانب الإدمان على هذه الألعاب وما تخلفه من آثار نفسية سيئة يصعب التعامل معها وقد يطول علاجها . فلا تنسى شخصك وأخلاقك وتربيتك ومراقبة الله لك بعد أن حملت السلاح وفجرت المركبات وكونت العصابات الإجرامية افتراضياً حتى صارت هي شخصيتك الحقيقةً فاحذر ؛ وأجعل ضميرك حي يرشدك الصواب ويأنبك ويحاسبك إن دخلت في عالم المعاصي ، ولا تنسى شكلك الذي غيرت ملامحه افتراضياً وكرهت إعادته على ما خلقت عليه ، وتذكر أن هذا واقع افتراضي لا تشم فيه عطراً ولا تتذوق فيه عنباً ولا تشعر فيه برداً ولن تجد فيه حنان أم وحكمة أب ومرافقة أخ ولا عطف أخت.
ونحن كلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته فلماذا نساهم في تعزيز الفساد الأخلاقي وزعزعة كيان الأسرة واستقرار المجتمع ؟
لماذا يستهوينا عالم الميتافيرس أو العالم الافتراضي الغربي ونسوق له مجتمعياً وإعلامياً بكثرة دون التطرق إلى السلبيات والخطورة ؟
لماذا لا يكون لدينا عالمنا الافتراضي العربي القيم والسليم والنظيف ؟ هذا مفترق طرق العوالم الحقيقية والعوالم الافتراضية وعلينا وعليك دقة الاختيار .
ونحن لسنا ضد التطور التكنولوجي ولسنا ضد التعامل معه .. نحن من دعاة التقدم العلمي والتطور التكنولوجي ولكن وفق كياسة وفطنة.