الاقتصادي ديفيد فيكلينج يحلل الوضع فى باكستان
لعنة أزمات الطاقة تلاحق النخبة السياسية الحاكمة في باكستان
إسلام آباد (د ب أ) –
دفعت النخب السياسية المتعاقبة على الحكم في باكستان ، وما زالت تدفع ثمنا باهظا للفشل في التعامل مع ملف الطاقة الذي تحول إلى عقبة كبيرة ليس فقط أمام نمو الاقتصاد الباكستاني وإنما أيضا أمام استقرار البلاد السياسي.
ويقول المحلل الاقتصادي ديفيد فيكلينج في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن الأزمة السياسية الأخيرة التي أطاحت برئيس الوزراء عمران خان من السلطة قبل أيام، لم تكن فقط نتيجة فشله في محاربة الفساد وسوء إدارته للاقتصاد المتعثر مع وصول معدل التضخم في البلاد إلى نحو 13% مما فجر موجة احتجاجات شعبية واسعة، وإنما أيضا بسبب أزمة الطاقة وانهيار قيمة العملة الباكستانية.
وعلى مدى عشرات السنين شكل اعتماد باكستان الكبير على الطاقة المستوردة عقبة أمام نمو الاقتصاد. ولكي تخرج باكستان من هذه الدائرة المغلقة للأزمات السياسية والاقتصادية، فإنها تحتاج إلى المزيد من مصادر الطاقة سواء للاستخدام الصناعي، أو المنزلي، أو في قطاع النقل. وكما تكرر كثيرا في الماضي، يؤدي ارتفاع قيمة فاتورة واردات الطاقة إلى أزمات متكررة في ميزان المدفوعات للبلاد، وتدهور قيمة العملة المحلية، وارتفاع الأسعار للمستهلكين، فتخرج الاحتجاجات الشعبية التي تطيح بالحكومات وهكذا.
وتجري باكستان الآن مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة مساعدات مالية لسد العجز المالي لدى الحكومة. وهذه الحزمة المنتظر إقرارها خلال الشهور المقبلة المقبلة ستكون الحزمة رقم 19 التي تحصل عليها باكستان من صندوق النقد منذ أوائل السبعينيات دون جدوى حقيقية.
وكان رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف قد أعد خطة لتقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة من خلال إنشاء مجموعة من محطات الطاقة النووية ومحطات الكهرباء التي تعمل بالفحم. ولكن رئيس الوزراء السابق عمران خان الذي أطيح به في وقت سابق من الشهر الحالي، ألغى مجموعة من مشروعات محطات الفحم وقرر التوسع في محطات التوليد الكهرومائية متعهدا بزيادة نصيب مصادر الطاقة المتجددة إلى 60% من إجمالي إنتاج باكستان من الكهرباء.
وفشلت استراتيجيتا نواز شريف وعمران خان في دعم مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية رغم أن باكستان تمتلك إمكانيات طبيعية كبيرة في المجالين، مما حرم البلاد من أرخص مصدرين للطاقة. وإلى أن يتم الوصول إلى حل جذري لأزمة الطاقة، ستظل باكستان تخرج من كارثة اقتصادية لتواجه أخرى، على حد قول فيكلينج.
ويحتاج تحدي توفير الطاقة لخامس أكبر دولة من حيث عدد السكان على مستوى العالم، إلى خطط لا ينقصها الطموح. ويمثل الغاز الطبيعي المسال المستورد حاليا حوالي 20% من إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد. ومن المتوقع تراجع هذه النسبة إلى صفر بحلول 2030 نظرا لتزايد الطلب على الغاز في الاستخدامات المنزلية والصناعية. في حين أن حصة محطات الطاقة الكهرومائية التي تمثل حاليا ثلث إجمالي إنتاج الكهرباء، ستزيد إلى 50% من إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد أي حوالي 92 جيجاوات بحلول 2030.
ومن الناحية النظرية سيؤدي ذلك إلى تراجع حصة الكهرباء المستوردة في البلاد من 41% تقريبا إلى 12% فقط.
ولكن زيادة الاعتماد على المحطات الكهرومائية تنطوي على مشكلة كبيرة. فالسدود في باكستان عرضة للتذبذب الشديد في كميات الأمطار الموسمية، حيث أدى انخفاض مناسيب المياه في الأنهار خلال الصيف الماضي إلى نقص كبير في إنتاج المحطات الكهرومائية مما أجبر السلطات إلى قطع الكهرباء لمدة تصل إلى سبع ساعات أو أكثر بشكل دوري في مختلف مناطق البلاد.
ومع نقص إنتاج محطات الكهرباء المائية نتيجة انخفاض مناسيب الأنهار، ستضطر باكستان إلى زيادة وارداتها من الوقود الأحفوري لتشغيل محطات الكهرباء الحرارية وتعويض النقص، مما يعني أن الحكومة ستكون أمام خيارين أحلاهما مر وهما: إما تخفيض إمدادات الكهرباء أو مواجهة أزمة في العملة الصعبة. كما أنه على المدى الطويل، ستصبح لمشكلة التغير المناخي آثار لا يمكن التنبؤ بها بالنسبة لكميات الأمطار التي تسقط على جبال الهيمالايا، وتمثل المصدر الرئيسي لمياه الأنهار في باكستان، وبالتالي تتراجع جدوى سدود توليد الكهرباء الباكستانية.
ويمكن القول إن طاقة الرياح والطاقة الشمسية سوف تظلان هما الخاسر الأكبر. فرغم أن تكلفة محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أقل كثيرا من محطات الفحم وربما أرخص من المحطات الكهرومائية، فإنهما لن تمثلا أكثر من 10% من إجمالي إنتاج باكستان من الكهرباء بحلول 2030. والحقيقة أن مضاعفة هذه النسبة مرة أو حتى مرتين سيؤدي إلى تنوع مصادر الطاقة المحلية ويوفر مصدرا احتياطيا للطاقة في حال نقص إنتاج المحطات الكهرومائية.
كما أن مصادر الطاقة المتجددة ستضمن ألا تؤدي زيادة إنتاج البلاد من الكهرباء إلى إلحاق الضرر بصحة السكان والبيئة على المدى الطويل، خاصة وأن باكستان واحدة من أكثر دول العالم عرضة لمخاطر التغير المناخي وبها بعض أكثر مدن العالم معاناة من تلوث الهواء.
وعلى رئيس الوزراء الباكستاني الجديد شهباز شريف خلال مفاوضاته المنتظرة مع صندوق النقد الدولي أن يلغي الضرائب الضارة التي تم فرضها في إطار حزمة مساعدات الصندوق السابقة على مشروعات الطاقة المتجددة، وأن يلغي دعم الوقود الذي أقرته الحكومة في الشهر الماضي للحد من ارتفاع الأسعار وتوفير دعم مباشر موجه إلى الأسر ذات الدخل المنخفض بدلا من دعم الوقود.
كما يجب على رئيس الوزراء الجديد التوسع في مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مع بيع محطات الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري من خلال آلية التحول في قطاع الطاقة الخاصة ببنك التنمية الآسيوية لوسيلة لتمويل خطة للغلق المبكر لهذه المحطات.
وأخيرا على الحكومة الباكستانية النظر إلى النموذج الاستثماري الذي يقدمه الملياردير الهندي موكيش أمباني ثاني أغنى شخص في آسيا، من خلال المشروعات التي يقيمها في ولاية جوجارات الهندية على الحدود مع باكستان. فمصفاة جامناجار النفطية التي أقامتها شركة ريليانس إنداستريز المملوكة لأمباني، قللت من معاناة الحساب الجاري للهند من فاتورة استيراد النفط الخام. فهذه المصفاة تنتج كميات كبيرة من المكررات النفطية التي يتم تصديرها للخارج، واستخدام الحصيلة في تمويل واردات الخام. والآن يعتزم أمباني استثمار 78 مليار دولار في مشروعات الطاقة الخضراء مثل محطات الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدورجين الأخضر للاستفادة من ثروة الهند الطبيعية الهائلة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
مثل هذا الطموح يمكن أن يحول ملف الطاقة من لعنة أبدية تطارد باكستان إلى ثروة. وعلى السياسيين الذين لا يريدون أن تنتهي حياتهم السياسية نتيجة الأزمات الاقتصادية المزمنة في البلاد أن ينظروا إلى مشروعات الطاقة المتجددة باعتبارها خيار المستقبل المضمون.