أخبار رئيسية

الفساد بات عائقاً أمام خطط التنمية ونهضة البلدان الفقيرة

تبرز الحاجة أكثر إلى قيام مؤسسات مجتمع مدني مستقلة في مجال مكافحة الفساد

بقلم: الكاتب والباحث الإماراتي / عادل عبدالله حميد

صاحب الفساد الإنسان عبر تاريخه الممتد بصور وأشكال متنوعة مسبباً أضراراً بالغة للغالبية العظمى من المجتمعات، حتى أصبح الفساد في عصرنا هذا ظاهرة عالمية تثير القلق والمخاوف لدى الحكومات والشعوب في مختلف أنحاء العالم.
وينمو الفساد وتتضاعف أضراره وتتسع ميادينه مع نمو الاقتصاد وتسارع خطوات التنمية وسياسة السوق.
ولا شك بأن لقيم الحياة المادية المعاصرة المؤسسة على سلطة المال وحُب الذات والأنانية دوراً في انتشار ظاهرة الفساد الذي بات عائقاً أمام خطط التنمية ونهضة البلدان الفقيرة.
فالفساد يؤدي إلى الفقر والجهل والمرض ووفاة الملايين من البشر، وهو بذلك من مهددات الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتحقق الرفاهية ورغد العيش.
ولا تقتصر عواقب الفساد على الدول الفقيرة فقط، بل تمتد بصورة أقل درجةً إلى البلدان الغنية، فتخفض من معدلات تحسين مستويات المعيشة، وتساعد على تعاظم التفاوت في الدخول بفعل الإثراء غير المشروع الناتج عن السلوك الفاسد لقلة من الناس، وتؤدي إلى زيادة النفوذ لمرتكبيه؛ وإلى إقصاء بعض الشرفاء عن المواقع والمناصب القيادية وتقليص فرص المساواة والنزاهة.
وعلى المستوى الدولي، يؤدي الفساد إلى تشويه التجارة الدولية والتدفقات الاستثمارية، ويسهل ارتكاب الجرائم المنظمة العابرة للحدود الإقليمية وأخصها الرشوة والاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية وغسل الأموال الناتجة عن تلك الأنشطة الإجرامية التي تهدد استقرار المجتمعات وأمنها وتقوض القيم الدينية وتعرض التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتكنولوجي على مستوى العالم لأخطار قد يعجز على مواجهتها متى ما ترسخت قوى الفساد وتجاوزت حدود السيطرة.
وترتب على ما سلف أن تحول الفساد من هاجس وطني أو إقليمي إلى قضية سياسية عالمية أدرك العالم خطورتها وازداد قلقه وتضاعفت مخاوفه إزاء تداعياتها وعواقبها، واستقر في يقينه الحاجة الماسة إلى سياسات فعّالة للتصدي لها من خلال تعاون إقليمي ودولي جاد لا يقتصر على الحكومات بل يمتد إلى المنظمات الدولية والإقليمية، وإلى المجتمع المدني بمنظماته غير الحكومية، وقطاعاته الاقتصادية والصناعية ومؤسساته المصرفية.
وبالمقابل نلاحظ توافر عوامل عديدة تساعد على انتشار الفساد، ومنها اتساع نطاق التكامل الاقتصادي العالمي وتعميقه، وبزوغ نظام مالي دولي متشابك تقنياً، وقيام تحالفات عالمية معقدة بين الشركات، وتسامح الكثير من البلدان مع أنشطة الفساد إلى حد السماح في البلدان الصناعية بخصم الرشاوى المدفوعة من الشركات متعددة الجنسيات إلى المسئولين في الدول النامية من الضرائب باعتبارها نفقات مشروعة لتصريف أعمالها.
وتذهب الشركات العالمية الكبرى أبعد من ذلك باللجوء إلى إقامة الولائم وتنظيم الحفلات تحت مسميات وهمية مثل؛ الاحتفال السنوي لتكريم العملاء والأصدقاء، الاحتفال السنوي لتكريم المتميزين من موظفي الشركة، الأعياد السنوية لميلاد الشركة ومؤسسها. وتتم دعوة كبار موظفي الدول الذين ترتبط مصالح ومعاملات الشركة بوظائفهم وتقدم لهم الهدايا الثمينة ضمن الهدايا التي تُقدم لعامة الحضور. ويهدف كل ذلك إلى الصرف من فائض الأرباح السنوية للشركة تفادياً للضرائب أو بقصد الانتقال من حلقة ضريبية أعلى إلى حلقة أدنى، مع ضمان التمويه على الرشاوى التي تُقدم في شكل هدايا للحضور.
ولذلك لا بد من تعزيز التضامن وتوحيد الجهود فيما بين الحكومات والدوائر والمؤسسات؛ ومنها مؤسسات المجتمع المدني التي تساهم في مكافحة الفساد عبر جهودها ودورها الأساس في إدارة المخاطر والحوكمة.
وتعد مؤسسات المجتمع المدني في أي دولة علامة وعي وتطور اجتماعي، وهي دليل على رغبة من المواطنين في مؤازرة جهود الحكومات، والإسهام معها في بناء مجتمعات واعية مؤمنة برسالتها، وهي أيّ مؤسسات المجتمع المدني تقوم بجهود شعبية مستقلة تنبع من المجتمع ولمصلحته، ولا سيطرة أو سلطان للجهات الحكومية عليها، بيد أنها في بعض مفاهيمها تساند الجهود الحكومية في مجالها.
وتبرز الحاجة أكثر إلى قيام مؤسسات مجتمع مدني مستقلة في مجال مكافحة الفساد، إذ هو المجال الذي لا يمكن السيطرة عليه عن طريق الجهود الحكومية وحدها، بوصف أن الأفراد في المجتمع لهم تأثير بصورة  رئيسة في مجال الفساد، من ناحيتي الانتشار أو الانحسار ويمكننا إيجاز دور المجتمع بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد ودراسة ظاهرة الفساد، وإبداء ما لديها من مرئيات ومقترحات تمكن من الحد منه، والإسهام في تنمية الشعور بالمواطنة، وبأهمية حماية المال العام والمرافق والممتلكات العامة بما يحقق حسن إدارتها والمحافظة عليها إلى جانب حث مؤسسات التعليم ومراكز البحوث على دعم البحوث والدراسات المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وحث الجهات المعنية ومراكز البحوث المتخصصة على الإسهام في ذلك، إضافةً إلى نشر الوعي بمفهوم الفساد وتدابير الوقاية، وبيان أخطاره وآثاره وبأهمية حماية النزاهة وتعزيز الرقابة الذاتية وثقافة عدم التسامح مع الفساد عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والجهات التعليمية.
ومن أهم تدابير الوقاية من الفساد، في أية دولة أو على المستوى الدولي، هو التعرف على أنماط الفساد وقياس حجمها وتقييم أبعادها.
إن قياس الفساد وتحديد أبعاده يتطلب توفر مؤشرات قياس مهيكلة ومعتمدة، ومن جهةً أخرى فإن بلورة المؤشرات تستوجب تعريف أنماط الفساد.ولم تنص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على تعريف للفساد إلا أنها أشارت إلى ممارسات عملية تشكل فساداً. وتولي الأمم المتحدة اهتماما كبيراً لقياس الفساد واعتماد مؤشراته لأسباب عدة أهمها أن قياس الفساد والتعرف على حجمه وأبعاده يساعد الدول على تطوير سياسات وتدابير المكافحة المناسبة، يعكس مكانة الدولة وسط دول العالم الأكثر نزاهة، يبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين، يعزز الرصيد السياسي للحكومات، يشجع الاستثمارات الوطنية والأجنبية، يعزز أسباب العدل والمساواة، يسهم في ترشيد الإنفاق الحكومي ويقوم الإنفاق على مشاريع التنمية ورفاهية المجتمعات.
وللدول والمجتمعات المختلفة قوانين وطنية تعرف وتجرم الأعمال التي تراها نوعاً من أنواع الفساد، وبالتالي لكل دولة تحديد مؤشرات قياس الفساد الملائمة لقوانينها ولكن في سياق المؤشرات العامة المضمنة في الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بمكافحة الفساد.
عموماً هنالك مؤشرات مركبة composite ومؤشرات أصيلة original، يتم استنباطهما من الممارسات والأنشطة ذات العلاقة بالفساد، ومن الممكن استنباط مؤشرات الفساد من المشاريع الحكومية تحت التنفيذ ومستوى الفقر والتمييز بين المواطنين وفرص العمل وتوزيع الثروات. وتلعب استطلاعات الرأي دوراً في تطوير مؤشرات الفساد وتطوير تدابير الوقاية وأساليب المكافحة المناسبة خاصة إذا كانت الاستطلاعات شفافة ويتم تحليلها بكفاءة عالية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى