مرئيات

السجن طواعية في سويسرا وزنزانة تشبه غرفة فندق

فتح سجن جديد أبوابه لمن يريد البقاء خلف الأسوار، شريطة أن يكون المتطوع في حالة صحية جيّدة وله سجل جنائي نظيف ومن سكان مدينة زيورخ في سويسرا.
حجم الإقبال كان منقطع النظير، فقد تقدم أكثر من 800 شخص ترشحاتهم، لكن 170 فقط أٌتيحت لهم المشاركة في هذه التجربة الفريدة، التي تركت آثارها على المشاركات رغم وسائل الترفيه المتاحة في الزنزانة.
أما هدف السجن من هذا الاختبار، فهو التأكد من سير العمليات والإجراءات بشكلٍ صحيح قبل الافتتاح الرسمي لقسم الاحتجاز المؤقت في سجن زيورخ الغربي.
SWI swissinfo.ch حصلت أيضاً ضمن وسائل إعلام محلية أخرى على فرصة المشاركة، حيث تلقوا دعوة من إدارة السجن نصحتهم فيها بأن “نأتي كما نحن، بدون أي استعدادات كبيرة”، أو بالأحرى “تصوّر نفسك تسير في المدينة وأُلقي القبض عليك فجأةً، ما الذي سيكون بحوزتك في تلك اللحظة؟ على المتقدمات والمتقدمين أن يطرحوا على أنفسهم هذا السؤال. أما الباقي فليترُكوه للمفاجأة”.
وفق مدير السجن، مارك آيرمان، فإن هذا الاختبار “فريد من نوعه في العالم”. أكثر من 800 شخص تقدموا للمشاركة في اختبار السجن لدوافع متعددة. حتى جاكلين فير، عضو الحكومة ومسؤولة هيئة العدل والشؤون الداخلية في كانتون زيورخ، كانت من بين المشاركات.
شاركتُ أيضاً في تجربة السجن مع عدد من وسائل الإعلام، حيث قضيتُ ليلة ويوما في زنزانة بمفردي في القسم المخصّص للنساء.
بعد الوصول إلى السجن يتم تسجيل بيانات المشتركات في الاختبار وتصويرهن وتفتيشهن. التفتيش الجسدي الكامل كان مسألة طوعية. بعض المشاركات قضين أكثر من ساعتين في زنزانة الانتظار البيضاء التي لا تحوي إلا مقعدًا مبنيًّا من الخرسانة وبرّاد ماء ومرحاضًا داخليًّا، وهو ما يلبي الاحتياجات الأكثر إلحاحًا.
ويقول مدير السجن، مارك آيرمان، بأن “مثل هذه الفترة الطويلة في زنزانة الانتظار لا تحدث عادة خلال الإجراءات العادية، لكنَّ ذلكَ حصل نتيجة العدد الكبير للمشاركات ودخولهن السجن في مدة قصيرة. خلال عملية التجريب كان لدينا عدد سجناء أكثر بأربع مرات تقريبًا عمّا نتوقعه في عملية تشغيل طبيعية”.
يضيف آيرمان: “هدف التجريب هو بالضبط ملاحظة مثل هذه الصعوبات وتحسين الإجراءات حتى تشغيل السجن”.
ونوّه مدير السجن إلى أن “رد فعل المشاركين والمشاركات المتسامح تجاه طول الانتظار، لن يحدث عند التشغيل الحقيقي مع موقوفين حقيقيين يكونون في الغالب في وضع متأزم”.
بعد التحقق من البيانات، قاد المشرف “السجينات” إلى الزنزانة، التي تشبه غرفة فندق مزودة بجهاز تلفزيون.
في الزنزانة، تحصل كلٌّ سجينة على فراش النوم وساعة وصندوق يحتوي على: فرشاة أسنان وأدوات مائدة وأدوات صحية.
بعد فترة يمر مشرف بعربة ويدق الباب على “السجينات”، ويسألهن وكأن المرء في فندق سياحي، ماذا تودّين؟ كتبًا ومشروباتٍ محلّاةً وبسكويت مالحاً أم حلواً. أما المدخنات فلديهن الحق في عشرين سيجارة، يقوم بحشوها ولفّها سجيناتٌ وسجناءُ آخرون.
عادة لا يكون هناك أي تواصل مع سجينات أخريات خلال الاحتجاز المؤقت. لذا فإن الخروج للتمشي في فِناء السجن هو أجمل ساعة خلال اليوم للاستمتاع بهواءٍ نقي على مدى ساعة، وفي أحسن الأحوال بشيءٍ من أشعة الشمس. وبمجرد وصولهن للفناء تنغمس السجينات المتشوقات للحديث في النقاشات وتشكلن مجموعات صغيرة ولدت بسرعة شعور بالانتماء والارتباط.
سألتُ السجينات عن سبب دخولهن السجن طواعية، كان الفضول هو الدافع الرئيسي.
تقول لاورا البالغة من العمر خمسةً وعشرين عامًا بأنها سمعت عن الأوضاع في السجون في سويسرا، فأرادت تشكيل رأيها الخاص وهي متفاجئة بشكلٍ إيجابي: “الحارسات والحرّاس مهذبون ومستعدون دومًا للمساعدة، لكن المرء يغرق كثيرًا في التفكير عندما يكون وحيدًا في الزنزانة”.
سجينةٌ أخرى انضمت بعفوية إلى الحديث، قالت: “غريبٌ جدًّا أن يكون المرء وحيدًا. أنا سعيدةٌ لأنه على الأقل كان لديَّ كتابٌ وتلفاز. قبل أن أدخل زنزانتي توجّب عليَّ أن أقضي ساعةً ونصف الساعة في زنزانة الدخول. الزنزانة التي كانت بدون نوافذ، كانت باردة وليس فيها حياة. حينها فقدت الشعور بالوقت”.

بالنسبة لماريّا أيضًا كان الشعور بالعزلة الأصعب: “لست مصدومة من مؤسسة السجن، ولكن مما فعلت بي هذه العزلة، كل شيءٍ مؤثث ببساطة، مطليّ بالأبيض وخالٍ من الحياة. فقط وصول سجينة جديدة إلى زنزانتي جلب قليلًا من الحياة إلى المكان”.
وتجربة مشابهة ترويها نيكول، المحللة النفسانية، التي أرادت أن تستكشف تداعيات هذه التجربة على النفس البشرية: “عندما لا يستطيع المرء تحديد مجريات يومه بنفسه”.
تقول نيكول: “لقد فاجأني كيف تغيّر مزاجي بسرعة. لقد شعرت بأنني وضعت نفسي في (كبسولة). لا يسمع المرء شيئًا ولا يرى أحدًا. أنصت إلى أي خشخشة أو وشوشة وأُسعَد في كل مرّةٍ، عندما يأتي إليَّ أحدٌ من المشرفين أو المشرفات”.
في الواقع كانت نيكول عازمةً على التأمل لمدة يومين، لكن الأمر بدا لها في السجن صعبًا، غير أن الجانب الإيجابي، كما تقول، هو أنها جربت العيش بغير الإدمان على السموم الرقمية: “حياةٌ بدون هاتف محمول وبدون انترنت”.
في المقابل، فإن فابيان تفتقد هاتفها المحمول وتشتاق إليه. تقول فابيان التي تعمل في محكمة وأرادت أن تعرف طبيعة الظروف في السجن: “نحن نفحص طلبات الاحتجاز لأغراض التحقيق وأردت أن أعرف مجريات الأمور”، ثم تضيف: “العيش في السجن هنا مثل قضاء الوقت في مخيمٍ للعطلة، الأمر أكثر تقييدًا هنا نوعاً مّا. لكن الوضع مختلف بالطبع بالنسبة للمحتجزين، الذين يدخلون هنا بدون أي يقين. لا يُمكننا تصور ذلك”.
“هل هذا حقيقي أم تمثيل، أيها المدير؟”
غالبية المشاركات في تجربة السجن أعربن أساسًا عن المفاجأة الإيجابية بالاستقبال اللطيف والتعامل الإيجابي من قبل الحرّاس والحارسات. مدير السجن رحب أيضاً في الفِناء بالمشاركات، وأتاح لهن الفرصة لطرح الأسئلة.
SWI swissinfo.ch: “سيد آيرمان، هل القائمون والقائمات بالحراسة والإشراف لطفاءٌ هكذا دائمًا، هل هذا التعامل حقيقي أم تمثيل؟”
أجاب آيرمان بابتسامة بأنه يتوقع من فريقه أن يُعامِل جميع الناس في سجن الشرطة وفي سجن التحقيق القضائي باحترام. وقال: “ننطلق من براءة المتهم حتى يثبت العكس”. ثم أضاف: “نريد أن يتعاون السجناء في التحقيق وأن يبقوا قبل كل شيء مطواعين. بالاحترام والودية نحقق ذلك، وهذه هي القاعدة النظرية على كل حال، لكن عندما يدخل سجن التحقيق شخصٌ سكران، يصرخ في كل الاتجاهات ويلجـأ إلى ممارسة العنف، فقد يُضطر الحارس إلى طرحه أرضًا والسيطرة عليه ووضع يديه في الأصفاد. ذلك أمر مُجهد، لكن على الرغم من ذلك يجب أن يبقى المرء بكامل الاحترام”.
هناك أيضاً عامل آخر إيجابي، ألا وهو الفصل بين أفراد الشرطة وأفراد الرعاية، فالسجناء يتعاملون بأريحية ويتعاونون أكثر مع طاقم الحراس والرعاية. “أفراد الحراسة والرعاية ليسوا من جهاز الشرطة، وهذا أمرٌ مهم. لقد لاحظنا بأن السجينات والسجناء يتصرفون إزاء الشرطة بشكلٍ مختلفٍ تمامًا في بعض الأحيان”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى