أخبار عربية ودولية

المعنى الرئيسي لخسارة الحرب

محلل سياسي يتوقع ان بوتين المهزوم سيكون أشد خطورة

نيويورك (د ب ا) –

عندما يدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فشله في تحقيق أهدافه من غزو أوكرانيا فسيصبح شخصا أشد خطورة، بحسب رؤية المحلل السياسي أندرياس كلوث في التحليل الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء.
ويقول كلوث إنه عندما يفقد كل سبل تهدئة الحرب مع حفظ ماء وجهه، قد يرى بوتين أنه لا خيار أمامه سوى مزيد من التصعيد. ومشكلة بوتين هي أن فشله أصبح أوضح من أن تخفيه حتى آلة الدعاية الجبارة التابعة له. فقد هاجم أوكرانيا لكي يمنع توسيع حلف شمال الأطلسي (ناتو) كهدف جزئي له، لكن بدلا من ذلك يستعد الحلف لإعلان ضم دولتين جديدتين إلى عضويته خلال العام الحالي نتيجة العدوان الروسي على أوكرانيا.
كما تعهد بإعادة توحيد الشعبين الروسي والأوكراني اللذين يعتبرهما شعبا واحدا، لكن بدلا من ذلك، عمقت الفظائع التي ارتكبتها قواته مشاعر الخوف والكراهية لروسيا لدى الأوكرانيين. وتعهد باستعادة مكانة روسيا العالمية، لكنه حولها إلى دولة مارقة. وقائمة فشل بوتين في هذه الحرب تطول على حد قول كلوث.
كما أن المعنى الرئيسي لخسارة بوتين هذه الحرب هو أنه لم يكسبها. فالأوكرانيون يبدون قدرة متزايدة على الدفاع عن أنفسهم ضد الهجوم الروسي. وبالنسبة لهم فإن عدم خسارة الحرب هو الانتصار بعينه.
لكن هل يستطيع بوتين تحمل هذه الهزيمة؟ لا شك أنه سأل نفسه هذا السؤال سواء على المستوى السياسي أو على المستوى النفسي.
ووفق نظريات علم النفس، فإن بوتين عندما يجد نفسه محاصرا بالفشل، لن يتراجع أبدا وهو ما ألمح إليه بالفعل. لذلك فإنه سيواصل التصعيد، حتى لو وصل الأمر إلى التدمير الذاتي. وقد بدأ التصعيد بالفعل بقرار وقف ضخ الغاز الطبيعي إلى بولندا وبلغاريا. ورغم أن هذه الخطوة ليست عسكرية فإنها سابقة تاريخية، فحتى في سنوات الحرب الباردة لم يستخدم الاتحاد السوفيتي إمدادات الطاقة كسلاح في صراعه مع الغرب. كما ألمح بوتين إلى إمكانية قطع الإمدادات عن المزيد من الدول، وهو ما يعني شن حرب اقتصادية يمكن أن يتبعها بحرب سيبرانية تستهدف شبكات معلومات واتصالات بعض الدول الغربية وبنيتها التحتية الحيوية .
وعلى الصعيد العسكري، عدل بوتين بالفعل أهداف الحرب لإضافة ضحية جديدة وهي دولة مولدوفا. ولأنه لن يستطيع الاستيلاء على أوكرانيا بالكامل، يركز بوتين على السيطرة على شرق وجنوب هذه الدولة. والهدف العاجل لهذا التحول هو إيجاد ممر بري روسي يربطها بشبه بجزيرة القرم. أما الهدف الأبعد فهو السيطرة على كامل الساحل الأوكراني على البحر الأسود، وهو ما يعني تحويل أوكرانيا إلى دولة حبيسة. والأخطر من هذا، أن سيطرة روسيا على هذه المناطق سيجعلها على اتصال مباشر بالمناطق ذات الأغلبية الروسية من مولدوفا التي تشبه جورجيا وبالطبع تشبه أوكرانيا، حيث أمضى بوتين سنوات لكي يحول الدول الثلاث إلى دول عميلة أو فاشلة يستطيع السيطرة عليها أو اخضاعها حسب هواه.
ففي جورجيا ومنذ الغزو الروسي لها عام 2008 يدعم بوتين دولتي ظل يطلق عليهما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وفي أوكرانيا، اعترف بـ “جمهوريتي لوجانسك ودونتسك الشعبية”. ومعادل لوجانسك ودونتسك في مولدوفا هو منطقة ترانسنستريا الانفصالية ذات الأغلبية الروسية.
وكما هو الحال في الجمهوريات الانفصالية الأخرى في المنطقة فإن ترانسنستريا معقل لأغلبية روسية وقوات روسية. ويمكن أن يساعد هذا الجيب الروسي الرئيس بوتين في فتح جبهة جديدة على أوكرانيا. كما أن هذه المنطقة يمكن أن تصبح ذريعة للهجوم على مولدوفا التي تريد هي الأخرى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ويرى كلوث أن قطع الغاز عن الاتحاد الأوروبي ومهاجمة المزيد من الدول يمكن أن يساعد بوتين في توجيه إشارة إلى أعدائه في الخارج وجمهوره في الداخل إلى أنه مازال يواصل التصعيد، وأنه مازال يسيطر على تطورات الأحداث. لكن هذا التصعيد لن يحل مشكلته الكبرى، وهي أن الورطة التي تواجهها قواته في أوكرانيا تتزايد.
ويعتبر مصنع صلب أزوفستال في مدينة ماريبول مثالا على هذه الورطة حيث تدافع القوات الأوكرانية المتمركزة في المصنع عنه ببسالة، رغم أن المدينة كلها تحولت إلى انقاض بفعل الهجوم الروسي. ويحاول بوتين إجبار هذه القوات على الاستسلام من خلال الحصار والتجويع، لكن القوات متمسكة بالدفاع عن المصنع.
وهنا يمكن أن تبدأ سيناريوهات التصعيد المروعة. يمكن أن يستخدم بوتين أسلحة كيماوية أو حتى نووية تكتيكية ضد المصنع أو أي مكان آخر. وسينهي هذا التصعيد الحرب عمليا من وجهة نظره. كما أنها ستكون إشارة إلى استعداده لتحويل المعركة إلى حرب وجود شاملة، بما في ذلك الحرب النووية. ويقول أوليكسي أريستوفيتش المستشار العسكري للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “اعتقد أن روسيا تدرس خيار استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في أوكرانيا”.
ولكن كلوث يرى في تحليله أن مثل هذه السيناريوهات المخيفة ستكون دليلا إضافيا على يأس بوتين. كما أن شن ضربة نووية محدودة لن يؤدي إلا إلى زيادة إصرار الأوكرانيين والغرب كله على التصدي لما وصفه بـ “الفأر الانتحاري” الذي يعيش في الكرملين وليس الاستسلام له.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى