أخبار عربية ودولية

العملية التعليمية في المدارس سر من أسرار نجاح اليابان

بقلم / الدكتور محمد الأمين البشرى*

وزارة التعليم والعلوم والثقافة والتكنولوجيا والرياضة ، هي الجهة المختصة بوضع سياسات التعليم بمختلف أنماطه ومراحله، كما أنها المعنية بالثقافة والتقانة والشؤون الرياضية.
فيما يلي نتناول بعض الحقائق والبرامج المتعلقة بالتعليم والثقافة.
وفقاً للقانون الياباني يعتبر التعليم في اليابان إجبارياً ومجانياً حتى نهاية المرحلة الإعدادية (9 أعوام). وقد استحدثت مرحلة الروضة (3) أعوام ضمن التعليم الإجباري ابتداءً من عام 2002.
تشير الإحصاءات الرسمية أن (97.7%) من اليابانيين ينتقلون من مرحلة التعليم الإجباري إلى المرحلة الثانوية، بينما يلتحق (49.4%) منهم بالجامعات والمعاهد العليا. ويشكل التعليم الخاص حوالي (26.7%) من عدد المؤسسات التعليمية بمختلف أنواعها وتضم (28.5%) من الطلاب. غير أن التعليم الخاص في اليابان لا يُعد نشاطاً ربحياً إذ أنها تنضوي تحت الإدارة الحكومية التي تتحمل جزءاً كبيراً من نفقاته. وهنالك مؤسسات تعليمية نشأت خاصة وتحمل اسم مؤسسها ، إلا أنها في الواقع تندرج تحت الإدارة الحكومية. كما أن من بين مؤسسات التعليم الخاص تلك التي أنشئت لتعليم أو تدريب مؤسسة اقتصادية معينة وهي معدة لأعداد الكادر البشري لتلك الجهة أو الشركة.

تشرف وزارة التعليم والعلوم والثقافة والتكنولوجيا والرياضة على هذا القطاع الخدمي إشرافاً مباشراً في مختلف شؤونها العلمية والمالية والإدارية. وتبلغ الميزانية السنوية لهذه الوزارة (9، 22) ترليون ين، أي (5. 5%) من الميزانية العامة، بينما لا تتجاوز ميزانية القوات المسلحة (1%) من الميزانية العامة. تملك هذه الوزارة المنشآت التعليمية (17134) منشئة ثقافية كالمكتبات والمتاحف ، و ( 48500) منشئة رياضية بالإضافة إلى (16780) منشئة للقطاع الخاص.
المدارس اليابانية رغم عددها الكبير معدة على نمط موحد ومهيأة بجميع متطلبات الحياة والتربية والصحة والاجتماعيات. وتجد المدارس الابتدائية والإعدادية الاهتمام الأكبر من حيث نوعية الخدمات المقدمة للطالب والمعلم الأب. وفي داخل المدرسة الواحدة تجد أكبر الأساتذة سناً وعلماً وخبرة يكون المسؤول عن الصف الأول.

المدرسة اليابانية معدة بالمكتبات والمختبرات والمراسم والورش بالإضافة إلى صالات الرياضة والسباحة وميادين الكرة وألعاب القوى والمطاعم التي تقدم وجبات مجانية في مرحلة التعليم الإجباري. وقد ألحقت بالمدارس عيادات طبية بكامل التخصصات العلاجية. وتشكل العناية الصحية جزءً من وظيفة المدرسة. إذ يتم الكشف الطبي الشامل على الطالب عند القبول ويتواصل الكشف الدوري على الطلاب وتتم معالجة الأمراض وتشجيع الطلاب على تحسين حالتهم الصحية بمنحهم شهادات وجوائز عند نجاح المرضى منهم في تحسين حالاتهم الصحية والالتزام بنصائح الأطباء.

تهتم المدرسة اليابانية كثيراً بالعلاقات الاجتماعية وتنميتها بين الطلاب من جهة وبين أسرهم من جهة أخرى. الطلاب والآباء والأمهات تضمهم مجالس مشتركة وجمعيات علمية واجتماعية تملأ الفراغ وتقدم خدمات إنسانية وتعليمية متنوعة. ويلعب المعلمون دوراً قيادياً في هذه الأنشطة المشتركة ، باعتبارها مناهج علمية لها أصولها وقواعدها وخططها وأهدافها. المعلم في الحي هو الأب الروحي للجميع وموضع الثقة والاحترام ، وهو يمضي كل وقته في المدرسة أو في زيارة الطلاب في منازلهم والالتقاء بأسرهم للتشاور والتنسيق فيما يساعد على تنمية مواهب الطلاب وإصلاح اتجاهاتهم.

العملية التعليمية في اليابان ليست مجرد مقررات وكتب وامتحانات تنتهي بالنجاح والرسوب. العملية التعليمية في المدارس اليابانية هي سر من أسرار النجاح الياباني لم يتطرق إليه الباحثون إلا مؤخراً. قد يلاحظ البعض ضعفاً في القدرات الأكاديمية للطالب الياباني، ولكن دون أن يفطن إلى المخرجات التكوينية لبناء الإنسان الياباني. الأولوية في نظام التعليم الياباني للتربية والتنشئة السليمة ، القائمة على المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية والرعاية الصحية والبدنية والروحية.

وتجدر الإشارة هنا إلى الآتي:

(99.9 %) من المدارس اليابانية مزودة بأجهزة الحاسب الآلي ، بمعدل 100 جهازاً لكل منشأة ، وهذا بالاضافة للأجهزة  التعليمية المحمولة للطلاب والمعلمين والقاعات الدراسية. كما أن جميع المدارس مزودة بخدمات الإنترنت.

أما الجامعات اليابانية فقد عممت فيها خدمات الحاسب الآلي منذ أكثر من ثلاثة عقود ، وأصبح الحاسب الآلي بمختلف أنواعه أداة من أدوات الدراسة والبحث العلمي. وكانت الجامعات اليابانية في الثمانينات تبدأ السنة الدراسية الأولى بدورات تدريبية للحاسب الآلي وكانت شركات الإلكترونيات مثل فوجتسو، أن إي سي وآي بي ام. تتسابق على تنظيم دورات تدريبية مجانية للطلاب الجدد. أما الآن فلم تعد هنالك حاجة ، لأن جميع الطلاب الذين يلتحقون بالجامعات على درجة عالية من المعرفة بعلوم الحاسب الآلي.
تختلف تكاليف التعليم الجامعي من كلية إلى أخرى ، والكليات العلمية هي الأكثر تكلفة وتعتبر دراسة طب الأسنان هي الأكثر تكلفة بين جميع التخصصات. كما أن طبيب الأسنان هو الأغلى ، لأن أمراض الأسنان من أكثر المشكلات الصحية التي يعاني منها اليابانيون. ومن الملاحظ أن مؤسسات التعليم العالي في اليابان بدأت تتجه نحو التخصص الدقيق. إذ أصبحت الكليات العلمية تأخذ شكلاً جامعياً لتأخذ الأقسام العلمية أو الشعب مكان الكلية. فهناك جامعة للهندسة وجامعة للطب. يميل اليابانيون إلى دراسة القانون والاقتصاد بنسبة (36.6%) ثم العلوم والتقانة والزراعة بنسبة (23.5%) فالآداب (19.8%) والطب (6.2%).

بدأت المدارس اليابانية تتأثر مؤخراً ببعض الظواهر السالبة المعروفة في مدارس الدول الغربية ، مثل العنف المدرسي والتسرب ، الشيء الذي لم يكن معروفاً من قبل. وتشير إحصاءات العام 2018 إلى ارتفاع عدد الطلاب المتسربين من المدارس الحكومية والخاصة ، قد بلغ (106578) طالباً ، بنقصان قدره (2.5%) عن عام 2017. الظاهرة الأكثر وضوحاً هي ظاهرة تعليم الكبار ، إذ بدأ كبار السن وأرباب المعاشات من اليابانيين يتجهون إلى الجامعات لتكملة تعليمهم الجامعي. كما أن افتتاح المدارس الحكومية لتقديم الدروس المسائية يلاقي إقبالاً كبيراً. وجاء نظام الجامعات المفتوحة والتعليم بالمراسلة والانتساب والتعليم عبر الفضائيات يفتح آفاقاً جديدة لليابانيين ، خاصة في ظل متغيرات معيشية وفرت لهم الوقت والمال منها:

• الأتمتة أو المكننة التي خففت الكثير على الإنسان.

• إطالة الفترة العمرية للإنسان الياباني ، الذي يتقاعد على المعاش (65سنة) ويظل قادراً على العطاء بعد ذلك لأكثر من ثلاثة عقود.

• توفر الأموال من المدخرات وعائدات الاستثمار ، مع عدم وجود من ينفق عليه من أفراد الأسرة بسبب قلة عدد الأطفال (لا يتجاوز طفلين في معظم الأسر).

وقد قفز عدد الكبار الملتحقين بالمؤسسات التعليمية من (8400) في عام 2014 إلى (84) ألفاً في عام 2017 ، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يلتحقون بمعاهد اللغات الأجنبية البالغ عددهم (960) ألف دارس ينتمون إلى (3137) معهداً للغات الأجنبية.
يهتم اليابانيون كثيراً بإيفاد الطلاب والباحثين إلى الخارج، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا. وفي ضوء الانفتاح على الغرب الذي بدأ في عهد “ميجي” في القرن التاسع عشر، وما حققه الانفتاح من نجاح أصبحت الدراسة والابتعاث إلى دول الغرب من الطقوس الواجبة على كل مقتدر. كما أن الدراسات العلمية المتخصصة واكتساب الخبرات الإقليمية تستلزم الانتقال إلى أكثر المؤسسات العلمية تخصصاً. وتهتم الجامعات اليابانية أن تكون لديها خبراء بشئون مختلف دول العالم وفي مختلف المجالات.

وتعتبر الدراسات الإقليمية Area Studies من أهم المجالات التي تجد عناية المؤسسات التعليمية والدولة. فهنالك  – على سبيل المثال – خبراء في الفقه الإسلامي نالوا تعليمهم في الجامعات المصرية والسعودية أو العراقية. كما هناك خبراء في الشئون الصينية أو شئون أمريكيا الوسطى وغيرها من المجالات التطبيقية العديدة. بلغ عدد الطلاب والباحثين المتدربين خارج اليابان خلال عام 2015، (1868275) دارساً، (44.5%) منهم في الولايات المتحدة الأمريكية.

بعد الحرب العالمية الثانية ، وابتداءً من عام 1950 شرعت الحكومة اليابانية تولي اهتماماً بالطلاب الأجانب بتقديم المنح الدراسية على سبيل تحسين علاقتها بدول الجوار ، وفتح صفحة جديدة مع العالم الخارجي كدولة مسالمة تسعى لتوطيد العلاقات الإنسانية مع شعوب العالم كافة. ولكن لم تحقق محاولات الحكومة اليابانية أهدافها إلا في الثمانينات عندما قفز عدد الطلاب الأجانب في اليابان إلى (22) ألفاً. ومع النهضة الاقتصادية التي انتظمت الإمبراطورية اليابانية وامتداد مصالحها إلى العالم الخارجي فطنت الحكومة إلى أهمية استقدام الطلاب والباحثين والمتدربين الأجانب على النهج المتبع في الدول الغربية. وضعت الحكومة خطة لرفع المنح الدراسية المقدمة للطلاب الأجانب إلى (100) ألف بحلول عام 2000 إلا أن العدد لم يتجاوز (64000) دارساً بحلول عام 2007.  أما في عام 2019 فقد بلغ عدد الطلاب الأجانب في اليابان (312214) ويشكل الطلاب الصينيون (50%) من الطلاب الأجانب في اليابان ، بينما يشكل الآسيويون (91.2%) من الطلاب الأجانب ، علماً بأن (83.8%) من الطلاب الأجانب يدرسون على نفقتهم الخاصة.

*الأستاذ الدكتور محمد الأمين البشرى محجوب
باحث في الشؤون اليابانية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى