أكدصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتومنائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” ، أن دور قواتنا المسلحة ممتد في الخمسين عاما الثانية وما يليها، كما كان لها وأجهزتنا الأمنية دور رئيسي في إنجازات الخمسين الأولى.
وقال سموه إن الحفاظ على المبادئ العشرة لوثيقة الخمسين “الثانية” وممارستها يستدعي منا المضي قدماً في تطوير وتعزيز قدراتنا الذاتية، وفي المقدمة منها قدرات قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية وأجهزة الحماية المدنية، مؤكدا سموه : ” لا تنمية اقتصادية يمكن أن تتحقق من دون أمن واستقرار .. ولا سلام يدوم من دون قوات مسلحة تصونه وتحميه “.
جاء ذلك في كلمة سموه التي وجهها إلى مجلة “درع الوطن” بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين لتوحيد القوات المسلّحة، فيما يلي نصها : // بسم الله الرحمن الرحيم ..
أيها المواطنون والمواطنات ..
ضباط وجنود قواتنا المسلحة ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أحييكم وأهنئكم بحلول الذكرى السادسة والأربعين لصدور قرار توحيد قوات الإمارات المسلحة.
لقد كان هذا القرار التاريخي ركيزة أساسية في مسيرة بناء دولتنا ونموذجنا الإماراتي، معه توطدت أركان الاتحاد، واكتملت محركات التنمية المستدامة، وانطلقت عملية بناء جيشنا الوطني، في سياق رؤية استراتيجية استوعبت خطط ومشاريع التوطين والتسليح والتدريب والتحديث، فبات لأمن وطننا وشعبنا مظلة تحميهما، ولسيادة دولتنا واستقلال قرارنا درعاً يصونهما، وسيفاً بتاراً يردع الطامعين والواهمين.
حين صدر قرار التوحيد في 6 مايو 1976، كان واقعنا الدفاعي متواضعاً جداً، لكن أحلامنا كانت كبيرة، ورؤيتنا واضحة، وخططنا طموحة. كنا نسابق الزمن، ونذلل الصعوبات، ونبتكر الحلول للتغلب على التحديات وتجاوز العقبات.
وبفضل رؤية وقيادة والدنا ورمز دولتنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، انطلقت عملية كبرى لبناء قواتنا المسلحة، وتواصلت الانطلاقة بقيادة أخيصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيانرئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأخيصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيانولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وهنا لا بد من التنويه والإشادة بدور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في مسيرة تطوير قواتنا المسلحة، فمنذ أن تخرج سموه من كلية ساندهيرست العسكرية في العام 1979 والتحق بصفوف قواتنا المسلحة وتدرج في رتبها، وشغله الشاغل تطوير جيشنا بكل فروعه، تنظيماً وتدريباً وتسليحاً وتصنيعاً وتكويناً للكوادر والقيادات.
وقد أشرف سموه على وضع وتنفيذ استراتيجيات التطوير والتحديث، وقاد من الميدان عمليات التطوير، وعايش الجنود والضباط في معسكراتهم، وكان القوة الدافعة لنجاح برنامج الخدمة الوطنية والاحتياط منذ انطلاقه في العام 2014. وهو البرنامج الذي أحدث نقلة نوعية في تكوين شبابنا، من خلال تدريبهم عسكرياً، وتعويدهم على الانضباط وإدارة الوقت، وإكسابهم مهارات قيادية، وتعميق القيم الوطنية في نفوسهم، وتأهيلهم للخدمة الفعلية إذا دعا الداعي.
وإذ تكللت مسيرة بناء جيشنا الوطني بنجاح مشهود تجسده قدراته ومكانته وسمعته وخبراته وكفاءة منسوبيه وشجاعتهم وعمق انتمائهم وولائهم، فإن سنام هذه المسيرة كان توطين وتأهيل كافة الرتب في جميع فروع السلاح خلال فترة قياسية. وقد تحقق هذ الإنجاز الاستراتيجي بعمل دؤوب وخطط مدروسة عمقت ربط صفقات التسليح ببرامج التدريب، وبادرت إلى إنشاء المدارس والأكاديميات العسكرية، حرصت على تطوير مناهجها وأنظمتها لتضاهي أفضل مثيلاتها في العالم.
ولم تغفل جهود التوطين والتكوين عن دور فاعل للمرأة في بنية قواتنا المسلحة، فوفرت لها المدارس وفرص التأهيل والتدريب. وكما أثبت الإماراتية كفاءة عالية في المجالات المدنية، أثبت كفاءة واقتداراً في مهام المجال العسكري كافة، بما في ذلك المشاركة في العمليات العسكرية.
ومثلما نجحنا في إنجاز توطين كافة الرتب، فتحنا الباب واسعاً أمام الصناعات الدفاعية؛ ومنذ العام 1992 تم ربط برامج التسلح ببرامج التصنيع ونقل الخبرة. وتم تحفيز القطاع الخاص لاقتحام الصناعات الدفاعية، وأسهمت معارضنا الدورية المتخصصة في تبادل الخبرات وعقد الشراكات وتسويق منتجات مصانعنا.
واليوم تسهم منتجات صناعاتنا الدفاعية في تعزيز قدرات قواتنا المسلحة، ودعم قرارنا السياسي، وتنويع اقتصادنا، ورفد مواردنا البشرية بكفاءات علمية متميزة بمعارفها وخبراتها. وقد باتت إحدى شركاتنا من بين أكبر 25 شركة صناعات دفاعية في العالم، وبات ختم ” صنع في الإمارات” عنواناً للجودة والاتقان، مما عزز موقعنا التنافسي في سوق الدفاع الدولية، وبخاصة في مجالات تصميم وتصنيع وتطوير المركبات والسفن الحربية، والذخائر والمقذوفات والأسلحة الفردية، والمنظومات المضادة للصواريخ وقذائف المدفعية، وأجهزة الاستطلاع، والأنظمة غير المأهولة بما في ذلك المسيرات “الدرونز”.
وقد ترافقت هذه الإنجازات مع مهمات جليلة نفذتها قواتنا المسلحة بداية بمشاركتها ضمن قوات الردع العربية في لبنان، وضمن قوات درع الجزيرة في حرب تحرير الكويت، ومع قوات الأمم المتحدة في إقليم كوسوفو، وإزالة الألغام في جنوب لبنان، وتقديم المساعدات الإنسانية في أفغانستان، وأخيراً وليس آخراً، نصرة الشعب اليمني الشقيق، حيث أدت قواتنا دوراً رئيسياً في دعم الشرعية في اليمن، وإعادة إعمار البنى التحتية؛ وأظهرت قواتنا في المعارك التي خاضتها احترافية عالية وكفاءة وشجاعة شهد لها القريب والبعيد.
وفي كل هذه المهام، قدمت قواتنا المسلحة صورة مشرفة لوطننا وشعبنا، وجسدت قيم أبناء الإمارات في البذل والعطاء، سواء في ميادين الوغى، أو ميادين العمل الإنساني. وقد راكمت قواتنا عبر هذه المهام الميدانية خبرات زادتها قوة وقدرة ومنعة، وأكدت مكانة دولتنا ودورها الفعال في أمن واستقرار المنطقة.
أبناء وبنات الإمارات الكرام ضباط وجنود قواتنا المسلحة الباسلة ..
يأتي احتفاؤنا بذكرى صدور قرار توحيد قواتنا المسلحة وقد حققنا أهدافنا في الأعوام الخمسين الأولى من عمر دولتنا المديد، وانطلقنا في العام الأول من الخمسين الثانية بثقة أكبر، وطموحات أعرض، وعزم أقوى على المضي قدماً بدولتنا وشعبنا إلى العلا وصولاً إلى مصاف الدول الأكثر تقدماً وتحضراً وفاعلية.
وكما كان لقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية دور رئيسي في إنجازات الخمسين الأولى، فإن هذا الدور ممتد في الخمسين الثانية وما يليها، وهو دور متعاظم مع ما يشهده العالم من متغيرات جامحة، ومع ما تشهده العلاقات بين الدول الكبرى من تعقيدات وتدافع ومواجهات عسكرية مباشرة وغير مباشرة، تلقي بظلالها على العالم بأسره، وتهدد الأمن والسلم الدوليين، وتنذر بحال من الفوضى في النظام الدولي ومؤسساته التي بدت مشلولة في التعاطي مع الأزمات الدولية المزمنة والمستجدة.
نحن في الإمارات نرصد ونتابع التطورات والمتغيرات الأمنية والسياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم، ونتحسب لتأثيراتها، ونعد للتعامل مع كل الاحتمالات، ونتصرف بما يتوافق مع مصالحنا العليا، مهتدين بالمبادئ العشرة لوثيقة الخمسين “الثانية” التي تؤكد أن هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد، وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل نوعية حياة لشعب الإمارات. وأن الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولتنا، وإن المحرك الأساسي لهذه السياسة هو السعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء الدوليين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي.
ومن المفروغ منه أن الحفاظ على هذه المبادئ وممارستها يستدعي منا المضي قدماً في تطوير وتعزيز قدراتنا الذاتية، وفي المقدمة منها قدرات قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية وأجهزة الحماية المدنية. فلا تنمية اقتصادية يمكن أن تتحقق من دون أمن واستقرار. ولا سلام يدوم من دون قوات مسلحة تصونه وتحميه.
وهكذا فإن اهتمامنا بالتطورات والمتغيرات الدولية والإقليمية لا يشغلنا لحظة عن متابعة انطلاقة وطننا في الخمسين “الثانية” بعد أن أنجزنا الإطار الاستراتيجي لعملنا، وأعددنا الخطط الواضحة الأولويات والأهداف، والمحددة المشاريع والبرامج الزمنية، ووضعنا رؤية لمنظومة العمل الحكومي تعزز جاهزيتها للمستقبل، وقدرتها على استشراف المتغيرات واتجاهاتها لضمان سرعة التكيف معها، والتحسب لآثارها.
وبطبيعة الحال يشمل هذا الإطار الاستراتيجي قواتنا المسلحة التي باتت مواكبة المتغيرات جزءاً من ثقافتها، واستشراف المستقبل في قلب خططها.
وأنا على ثقة تامة بأنها ستواصل نهجها في التطور والتحديث، وستواكب كل جديد ومتغير في السلاح والتكنولوجيا العسكرية، وستستخلص الدروس المستفادة من أحدث الحروب في العالم.
أبناء وبنات الإمارات الكرام ضباط وجنود قواتنا المسلحة الباسلة ..
مع كل عام تتجدد فيه ذكرى توحيد قواتنا المسلحة تزداد ثقتنا بقدرتنا على قهر الصعاب مهما بدت ضخمة وكأداء. ونزداد إيماناً بقدرتنا على الإنجاز في كل ميادين ومواقع العمل، فهذه الذكرى معطوفة على المستوى الذي وصلت إليه قواتنا، تجسد في دلالتها جهود أبناء وبنات الإمارات وعطاءاتهم في مسيرة بناء دولتنا وإعلاء شأنها بين دول العالم.
ان الذكرى التي نحتفي بها اليوم لا تنقضي بانقضاء اليوم، لأنها تعيش معنا وفينا، وهي صفحة مشرقة تتواصل عبرها الأجيال، ومحطة بهية تضيء سرديتنا الوطنية، وتغني ثقافتنا وهويتنا، وتشارك في رسم معالم مستقبلنا.
في هذه الذكرى نحيّي رجال ونساء قواتنا المسلحة، درع الوطن وحصنه المنيع، وحارسه الساهر على أمنه واستقراره. و نحيّي أرواح شهدائنا الأبرار الذين رفعوا هاماتنا، وأظهروا أصالة معدننا، ورصّعوا صدر كل مواطن ومواطنة بأوسمة المجد والفخار. ونحيّي أسر الشهداء الصابرين المحتسبين الذين أنشأوا أبناءهم على حب الوطن والاستعداد لفدائه بأرواحهم.
وأختم بحمد الله الذي أكرمنا وأفاض علينا من نعمة، ووفقنا لخدمة شعبنا وأمتنا. وأسأله سبحانه وتعالى أن يديم على وطننا الأمن والأمان، وأن يلهمنا سواء السبيل، ويرشدنا إلى ما يحب ويرضى.
المصدر-وكالة أنباء الإمارات