عيد الفطر في السودان.. زخم الفرح والتواصل الاجتماعي إعلاء لمبادئ العفو والتسامح

يأتي عيد الفطر في السودان بملامح خاصة وزخم من الفرح الذي يميزه من خلال التواصل الاجتماعي والأنشطة التراثية والمناسبات الخاصة بالأفراح مع تلاقي الأهل والأصدقاء، وفرد مساحات خاصة للراحلين و مع زي يغلب عليه البياض يتكون من الجلابية والعمامة والحذاء ويفضل أن تكون جديدة ناصعة البياض مما يجعل العيد يأتي بحلة زاهية في المظهر العام مع استعدادات قبلية لإضفاء النكهة الخاصة عليه.
وتتصدر عبارات التهنئة السودانية مشهد العيد حيث تبدأ بعبارة (العفو) ويكون ردها (العفو لله والرسول) أي عفوت عنك لوجه الله وهي عبارة متداولة بكثافة طيلة أيام العيد وتمهد الأجواء للوسطاء لتكون مدخلا لتعافي المجتمع من خلال عقد جلسات الصلح والسعي لإنهاء الخلافات والمشاكل إن وجدت والاستفادة القصوى من أجواء العيد لتكون سانحة طيبة للصفاء والنقاء بين الناس.
ويقول أحد كبار السن السودانيين في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، إن “سمة الزي السوداني الأصيل يتجلى في عيد الفطر الذي يسمى بالعيد الصغير وتكون فيه سمة الأزياء هي الغالبة ومع تطور الزمن، ما عاد اللون الأبيض هو الغالب حيث أصبح الشباب يفضلون ألوانا متنوعة وتفصيلات جديدة تعكس ذوقهم ومشاعرهم”، مشيرا إلى أن جلباب وعمامة وحذاء العيد كانت في الماضي تأخذ طقوسا خاصة بالذهاب إلى متجر الملابس و(الترزي) الخياط، ولابد أن يتم الأمر في وقت مبكر، لأن الازدحام مع قرب العيد يجعل من الصعب تلبية كل الطلبات.
ويضيف قائلا “مع انفتاح السودان، ظهر الجلباب الجاهز القادم من الخارج وهو الطريقة المثلى السائدة الآن”، مؤكدا أن الجلابية تعتبر من مظاهر اكتمال زينة الرجل السوداني في المناسبات ولها هيبتها ونظرتها التقديرية لدي المجتمع.
وتشهد فترة الأسبوع الأخير من شهر رمضان حركة مجتمعية نشطة تعتني بالفقراء والمساكين واليتامى لتوفير مستلزمات العيد لهم، حيث إن الجمعيات الاجتماعية والمنظمات الخيرية وديوان الزكاة تقوم بحصر المحتاجين والمتعففين منذ وقت مبكر وتقدم لهم المعونات تحت عنوان كسوة العيد وهي تعكس مدى تكاتف المجتمع ووحدته وقدرته على الصمود رغم ضيق المعيشة وغلاء الأسعار.
وتقول إحدى السيدات السودانيات في تصريح مماثل لـ/قنا/ بهذا الخصوص: “إن الإحساس بالعمل الجماعي يجعل الفرح هو الغالب.. فحين يهل العيد تكون الفرحة جامعة وتلعب الجدات دورا كبيرا في إرساء ذلك من خلال تخفيف وقع الفراق على الأيتام والعمل على عدم تجدد الأحزان لدى الذين فقدوا عزيزا لديهم ويمر عليهم أول عيد منذ فقده فتتداعى الأسر في اجتماعات وبرامج متفق عليها لصالح مجتمع معافى خالي من الأحزان في العيد”.
ومن الإشارات الواضحة في هذا المجال، صنع كعك العيد والخبيز بأشكاله المختلفة وتوزيع الحلوى والعيدية على الأطفال وصلة الأرحام وإقامة مناسبات الزواج في أيام العيد مما ينعش أسواق الطلب الخاص بمستلزماتها، ويعتبر سوق أم درمان غربي ولاية الخرطوم من أضخم وأكبر الأسواق الشعبية التراثية التي تشهد زحاما مكثفا في الأسبوع الأخير من شهر رمضان.
ويقول أحد تجار السوق : إن الطلب يكثر على المأكولات الشعبية مثل البامية المجففة التي تسمى (الويكة) والتمر بأنواعه إلى جانب مشروبات (التبلدي والكركدية والعرديب) والحلويات ومستلزمات مخبوزات العيد والملابس والأحذية لجميع الأعمار، واصفا السوق بأنه يمثل لوحة جمالية وطنية مكتملة، فيها كل متطلبات البيت السوداني الخاص بمناسبات الأعياد وأفراح الزواج لذلك لا يخلو من الزحمة والزخم التجاري طيلة أيام السنة. لكنه في الأعياد والمناسبات يتزين بشكل مبهر وجاذب للزوار. كما تشهد المنازل حالة نشطة للغاية تهتم بالنظافة والتزيين لاستقبال الزائرين بحفاوة عالية والحرص على تذوق المخبوزات.
ومن المحطات الحيوية في العيد، هو الفطور الذي تستعد له الأسر بتجهيزه مبكرا وتحتوي مائدته على نفس أكلات شهر رمضان وفي مقدمتها الأكلة الشهيرة /العصيدة بملاح “التقلية” ولحم الضأن، إلى جانب أكلات أخرى مثل الحلويات حسب مزاج ونكهة كل منطقة.
كما يعتبر العيد، فرصة لتلاقي الأهل والجيران في مكان واحد لتناول إفطار العيد. تقول السيدة سعاد علي باحثة في التراث السوداني : إن فطور العيد يشكل لوحة جمالية تعكس وجه المجتمع السوداني المشرق وعادة ما يتم في مكان واسع فسيح أو في البيوت الكبيرة القديمة العريقة التي تسمى (الحوش) لأنها تكون جامعة لكل الأسرة لتقديم التهاني والتبريكات وصالح الدعوات وتقديم الهدايا للأطفال وتفقد الأهل والأقارب والترتيب للمناسبات التي ستتم خلال أيام العيد وغالبا ما يتجه الناس بعد الصلاة إلى المعايدة في البيوت ويلي ذلك، التوجه لأماكن الإفطار المعدة لهذا الغرض.
وتشير الباحثة التراثية، إلى أن هذه العادات قل الاهتمام بها في المدن مع تغير نمط السكن وزيادة الازدحام، لكنها في الريف تظهر بصورة جلية لوجود مساحات رحبة تستوعب ذلك ورغبة أكيدة وصادقة بالتمسك بالقيم الحميدة المتوارثة وتنميتها ونقلها بذات رونقها عبر الأجيال ويتم تقديم الطعام بطريقة تشاركية بحيث تساهم كل أسرة بنصيب في ذلك تعزيزا للمودة بين الناس.
ومن المشاهد الجميلة، الحركة النشطة للزوار والأطفال والزيارات بين الأهل والأقارب والأصدقاء وانتعاش المحال التجارية ومحال الترفيه الخاصة بالأطفال بجانب الانتشار على طول الشريط الحدودي للنيل في الأرياف عبر الرحلات الترفيهية وفي الخرطوم يكون شارع النيل ملتقى يحمل سمات عيدية خاصة لأهل الخرطوم.
ومن المناظر اللافتة للنظر في العيد فرد مساحات خاصة للذين رحلوا عن الدنيا وخلفوا فقدا وحزنا عميقا حيث ترتب زيارات للمقابر في الأيام الأخيرة للعيد تفرد فيها مساحات وافرة لتقديم أعمال الخير والتصدق وذكر محاسن الموتى وتخصيص الصدقات الجارية وتكون الزيارات وفق الضوابط الشرعية وتهدف أساسا لإحياء ذكرى الراحلين والترحم عليهم وتذكير الأجيال بعادات الأجداد والمواظبة عليها وتنشط جمعيات مجتمعية في الاستفادة من هذه العادات لتكون مدخلا لمساعدة الفقراء والمحتاجين والاعتناء بالمقابر وتأهيلها لاستقبال الزوار وتخصيص مساحات لأعمال البر والإحسان.