(الإنتاج في الوقت المناسب) سر نجاح شركة تويوتا اليابانية
بقلم / الدكتور محمد الأمين البشرى*
ولد تويودا إيجي في 12 سبتمبر 1913 في مدينة ناقويا. كان والده يعمل في بيع النول التي كان يصنعه أخاه الأكبر. ولكن بعد ميلاد إيجي بدأ أعماله الخاصة في صناعة الأقمشة. كان “إيجي” يحلم منذ طفولته بالعمل في تشغيل المحرك البخاري ، إلا أن عمله كان محدوداً في الرد على المكالمات الهاتفية وكتابة الأسعار على الأقمشة المعروضة للبيع. توفيت والدة إيجي هو في السادسة من عمره ، لذا أمضى إيجي معظم فترة طفولته في منزل عمه تويودا ساكيشي ، الذي أنتج أول نول في عام 1890. ثم صنع أول محرك بخاري للنول في عام 1897. وخلال عشرين عاماً أصبحت شركة تويودا للغزل والنسيج تستخدم ألف عاملاً وألف ماكينة نول بمحركات بخارية. في عام 1926 وبعد أن تمكن ساكيشي من إضافة جهاز الإيقاف الآلي للمحرك وجد إنتاجه رواجاً عالمياً كبيراً. وفي عام 1929 اشترت إحدى الشركات البريطانية امتياز صناعة النول الياباني في الخارج مقابل (10) مليون دولار. وقد منح ساكيشي هذا المبلغ لابنه كييشيرو ، وقد أوصاه عند وفاته في عام 1930 بالعمل على صناعة السيارات.
أكمل إيجي تعليمه الجامعي عام 1936 في جامعة طوكيو وتخصص في الهندسة الميكانيكية. وكان مشروع تخرجه تصميماً لمحرك ديزل، كان إيجي يقوم بمعاونة عمه كيشيرو في دراسة المحركات. وكان كيشيرو على قناعة بأن اليابانيين سوف يصنعون سيارات مثل السيارات الأمريكية وكان يقول دائماً: “ليس المهم معرفة مدى إمكانية صناعة السيارات ولكن المهم هو من الذي سوف يقوم بذلك”.
في عام 1933 قام كيشيرو وإيجي بتفكيك سلندرات سيارات أمريكية وأعادوا تركيبها. وكرروا المحاولة في العام التالي مع إدخال بعض التعديلات. تمكن كيشيرو وإيجي من الحصول على شركات يابانية تزودهم ببعض أجزاء السيارات كالبساتم ، البلقات ، اللساتك والايديترات. الشيء الذي ساعدهما على إنشاء مصنع لتجميع السيارات في العام 1936. وخلال عام واحد تمكنا من صناعة 577 سيارة.
لم يكن كيشيرو يميل إلى إنتاج عدد أكبر من السيارات التي لا يستطيع بيعها. وكانت سياسته توفير المواد الخام والوقت والأيدي العاملة والعمل على الإنتاج في الوقت المناسب وبقدر الحاجة. وتلك هي السياسة والنظرية الاقتصادية التي وضعتها شركة تويوتا وأصبحت نهجا تقتدي به معظم الشركات اليابانية حتى يومنا هذا فيما يعرف بنظام Just-in-time.
وعندما دخلت اليابان في حربها مع الصين، تخلى كييشيرو عن صناعة السيارات ليتفرغ لإنتاج الناقلات الكبيرة للجيش. وفي عام 1938 شيدت الشركة مصنعاً جديداً في مدينة كورومو في ضواحي ناقويا لإنتاج الناقلات تحت إشراف إيجي. وفي عام 1959 أعيد تسمية مدينة كورومو لتصبح مدينة تويوتا ، بعد أن اصبحت مقراً لثمانية مصانع تجميع سيارات وعشرات المصانع المتخصصة في أجزاء السيارة يعمل فيها اليوم نصف مليون عاملاً.
في عام 1950 قام تويودا إيجي بزيارة لمصانع شركة فورد الأمريكية وقام بفحص مراكز تجميعها ، وكان همه آنذاك معرفة الكيفية التي تمكنت بها شركة فورد من إنتاج (8000) سيارة في اليوم ، بينما كانت شركة تويوتا تنتج (32) سيارة فقط في اليوم. وبعد مرور (13) عاماً من زيارة “إيجي” لشركة فورد قفزت شركة تويوتا إلى المرتبة الثالثة من بين أكبر شركات السيارات العالمية ، في المقابل بدأت شركة فورد الأمريكية عدها التنازلي وتضاعفت خسائرها ، الشيء الذي دفع الشركة إلى الاتجاه نحو اليابان لدراسة نظرية شركة تويوتا المعروفة بـ (الإنتاج في الوقت المناسب) Just-in-time .
لم يكن تويودا إيجي وحده الذي وقف خلف منجزات شركة “تويوتا”، بل يرجع الفضل في إنشاء شركة تويوتا إلى عمه “تويودا ساكيشي” الذي أوجد الشركة من خلال إنشائه صناعة النول الآلية وكذلك ابن أخيه تويدا كينيشيرو الذي بدأ صناعة سيارات تويوتا عام 1937 ، ثم زميله في الدراسة أونو تايبشي الذي طور نظرية (Just – in – time ) للإنتاج، ولكن يعتبر إييجي هو الذي نشأ وترعرع في جذور الشركة وأروقتها حتى تولى رئاستها في عام 1952 وارتقى بها إلى القمة.
تزوج تويودا إيجي عام 1939 من تاكاهاشي كاذوكو وأنجب منها ثلاثة أبناء يعملون الآن في قيادة الشركة. بعد الحرب العالمية الثانية خرجت الشركة بمصانعها المدمرة لتبدأ مرحلة جديدة لإعادة تأهيل مصانعها، ولم تدخل شركة تويوتا مجال صناعة السيارات الصالون إلا في عام 1955 ، وقد اكتسحت سيارات تويوتا صغيرة الحجم الأسواق اليابانية والأمريكية بصورة قلبت كل التوقعات ، إذ قفزت صادراتها من سيارات كورولا المصدرة إلى أمريكا من (4000) سيارة عام 1957 إلى (158) ألف سيارة في عام 1967 ثم (1.5) مليون في عام 1977 ثم (3.1) مليون في عام 1982 ، أي ما يعادل 8% من الإنتاج العالمي للسيارات. وتشكل سيارات تويوتا الصغيرة اليوم 10% من مبيعات العالم لتحتل المرتبة الثالثة بعد جنرال موتورز وفورد.
في الثمانينات بدأت تويوتا تبني مصانعها خارج اليابان حيث أنشأت مصنعاً في كاليفورنيا بالتعاون مع جنرال موتورز الأمريكيـــة لإنتاج (350) ألف سيارة صغيرة سنويا ً، ومصنعاً آخر في كنتاكي حيث يتم إنتاج (300) ألف سيارة سنوياً. اليوم نجد أن 60% من سيارات تويوتا التي تباع في كندا والولايات المتحدة يتم صناعتها في تلك الدول. وللشركة الآن (42) مصنعاً في (23) دولة. أما على المستوى المحلي فيكفي القول بأن الشركة إحتفلت في عام 1999 بإنتاج السيارة رقم مائة مليون.
تعتمد شركة تويوتا على نظرية “في الوقت المناسب” كلما حلت أزمة اقتصادية على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي ، لذا لوحظ ثبات قدرات شركة تويوتا المالية والمهنية. وفي هذا السياق لجأت تويوتا في التسعينات إلى الخفض الطوعي لإنتاج السيارات الصغيرة والدخول في مجال إنتاج السيارات الفاخرة مثل لكزس التي أشارت التقارير الفنية تقدمها على المرسيدس وبتكلفة أقل لأنها تستخدم (25%) من الأيدي العاملة التي تستخدمها شركة مرسيدس.
في عام 1982 تخلى إيجي عن رئاسة الشركة لصالح ابنه الأكبر تويودا شو إشيرو واحتفظ برئاسة مجلس الإدارة فقط. في عام 1992 دخل الاقتصاد الياباني في معاناة صعبة وكانت لشركة تويوتا رصيداً نقدياً يبلغ (25) بليون دولاراً ، لذا صمدت الشركة دون اتخاذ أية إجراءات وقائية حتى استعادت عافيتها مرة أخرى في عام 1997.
ولتوضيح حجم مجموعة تويوتا مقارنة مع مثيلاتها من شركات السيارات اليابانية والعالمية نورد البيانات التالية:
أ ـ حجم الإنتاج السنوي بالدول:
الدولة عدد السيارات المصنعة
الولايات المتحدة الأمريكية 13025000
اليابان 9895000
ألمانيا 5688000
كندا 3049000
فرنسا 3033000
ب ـ حجم الإنتاج السنوي بالشركات:
الشركة عدد السيارات المصنعة
جنرال موتورز 8235000
فورد 6664000
تويوتا 5401000
كلايزلر 4823000
فولكس واجن 4786000
فيات 2624000
بيجو 2515000
نيسان 2457000
هوندا 2425000
رينولت 2345000
تتكون مجموعة تويوتا اليوم من (15) شركة تعمل في مجالات متنوعة هي:
ـ أعمال النول الآلي.
ـ تويوتا للسيارات.
ـ شركة حديد آيشي.
ـ آليات تويوتا.
ـ شركة تويوتا لهياكل السيارات.
ـ شركة كانتو للسيارات.
ـ شركة تويوتا التجارية.
ـ معامل تويوتا المركزية للبحوث والتطوير.
ـ شركة سيارات هينو.
ـ شركة سيارات دايهاتسو.
ويتولى رئاسة مجلس إدارة مجموعة تويوتا هيروشي أوكودا بينما يتولى الرئاسة فوجيو شو اللذان يدخلان بالشركة إلى القرن الحادي والعشرين بمبدأ التنمية المتناغمة Harmonious Growth ، الذي يحقق التوازن والانسجام بين الفرد والمجتمع والبيئة. وتتبنى مجموعة تويوتا فلسفة تجارية قوامها موجهات سبعة هي:
• احترام لغة وروح قانون كل دولة في العالم بحيث تكون شركة تويوتا بأنشطتها العادلة ، مواطناً صالحاً في العالم.
• احترام عادات وتقاليد جميع الشعوب والإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لجميع الشعوب.
• تنذر الشركة نفسها لتقديم منتجات نظيفة وآمنة.
• بناء وتطوير التقنيات المتقدمة وتقديم منتجات وخدمات فريدة.
• تعزيز ثقافة الشركة ودعم القدرات الفردية وقيم العمل الجماعي مع تقدير الثقة المتبادلة بين العامل والإدارة.
• السعي لدفع النمو بالانسجام مع المجتمع الدولي من خلال الإدارة المبتكرة.
• العمل مع شركاء العمل لضمان استقرار النمو على المدى البعيد مع الانفتاح لضم المشاركين الجدد.
بقى لنا أن نشير هنا أن شركة تويوتا نشأت وهي تحمل اسم العائلة تويودا وتعني حقل الأرز غزير الإنتاج. وقد تم تعديل تويودا إلى تويوتا في عام 1937 فقط لتسهيل نطق الاسم التجاري لدى اليابانيين.
*الأستاذ الدكتور محمد الأمين البشرى محجوب
باحث في الشؤون اليابانية